محتويات: (إظهار/إخفاء) |
1. وهبنا نعمة الناموس
الطبيعي 2. وهبنا الناموس المكتوب 3. تجسد الابن الكلمة 4. الفداء الذي قدَّمه! 5. إرساله الروح القدس 6. هيأ لنا ملكوت السماوات لتخضع للطبيب السماوي والمهندس الخالق |
8
قدَّم لنا خلاصًا
وهبنا الله ناموسًا مكتوبًا لنفعنا، وأرسل الأنبياء وتمم المعجزات، وقَبْل هذا كله قدَّم للإنسان بعد خلقته ناموسًا طبيعيًا لخدمته، يقوم بدور القبطان في السفينة، وكاللجام بالنسبة للحصان، مخضعًا له تفكيرنا.
هذا عَرَفَه هابيل قبل وجود الكتب المقدسة كما عَرَفَه الآباء والأنبياء قبل كتابة الناموس، وعرفة أيضًا قايين. عرفه الاثنان قايين وهابيل، لكنهما لم يسيرا في ذات الطريق... بل اختار أحدهما الفضيلة والثاني الرذيلة. ومع هذا لم يترك الله الإنسان في هذا الموقف، لكنه إذ سقط جذبه وأعاده إلى الطريق المستقيم، وحوَّطه بحبه، وأخذ يحثه وينصحه، وأنذره بالخوف والرعدة، وكان يُعَلِّمه ويُدَرِّبه.
غير أن غالبية البشر خانوا هذه النعمة العظيمة، أيّ الانتفاع مما يلقنه إيانا (الناموس) الطبيعي. وبالرغم من ذلك لم يترك الله البشرية، ولا أسلمهم للهلاك الأبدي، بل انتظر عليهم، وأخذ يُعَلِّمهم ويحثهم بأعماله وعطاياه وتأديباته...
أعطى ناموسًا، وأرسل أنبياء، وكان يضرب مؤدبًا، ثم يعود فيخفف التأديبات... لم يكف عن تدبير كل الأمور لصالحنا منذ البداية، وأخيرًا قدم كل مراحمه بإرسال ابنه الوحيد.
الابن المساوي للآب في الجوهر صار مثلي! كان يسير على الأرض، ويختلط بالبشر، ويصنع عجائبه بينهم، واهبًا خيرات هذا الدهر والدهر الآتي. وما قدَّمه على الأرض، إنما كان لتأكيد ما سيهبه في الدهر الآتي. وهكذا حقق الابن ما سبق إعلانه: "من يتكلم بجبروت الرب؟! من يخبر بكل تسابيحه؟!" (مز 106: 2)
مَنْ لا ينسى نفسه ويقف مرتعدًا أمام حبه العجيب؟! متذكرًا أن الله بذل ابنه الوحيد للموت من أجل عبيد بطالين؟! بذله إلى موت اللعنة والهزء! موت اللصوص!
سُمِّر على الصليب المرتفع، وبصقوا على وجهه! ضربوه بالعصي ولطموه! استهزأوا به، وإذ أشفقوا عليه كفنوه وختموا قبره!
هذا كله احتمله من أجلك!
مِن أجل حبه المملوء رأفة، حتى يعتقك من عبودية الخطية، ويكسر سلطان إبليس، ويحطم شوكة الموت، ويفتح لنا أبواب السماء، ويزيل اللعنة، ويمسح الخطية الأولى، ويُعَلِّمك الصبر، ويقودك للاحتمال فلا تتضايق من أمور العالم: لا موت ولا لعنات ولا شتائم ولا هزء ولا ضربات ولا مكائد عدو ولا افتراءات وهجوم ولا اتهامات أو إساءة ظن ولا شيء من هذا القبيل.
لقد اجتاز هذا كله ليشاركك كل الآلام، غالبًا إياها بطريقة عجيبة حتى يرشدك ويُعَلِّمَك ألا تخاف شيئًا من هذه المحن.
لم يكتفِ بهذا، بل إذ صعد إلى السماء وهبنا نعمة روحه القدوس العجيبة، مرسلًا تلاميذه لخدمته.
رأى أن يتألم صفوة قديسيه بآلام كثيرة، فقد ضُربوا بالعصي وأُهينوا وطرحوا في البحار وتألموا في جوعٍ وعطشٍ، وأحاطت بهم ضيقات كل يومٍ... وقد سمح لهم بهذا كله من أجلك، من أجل محبته لك المملوءة حنانًا.
من أجلك يا إنسان هيأ الملكوت! ولأجلك أعدَّ خيرات لا تُوصف، ونصيبًا معدًا في السماء، وحياة لا مثيل لها، وفرحًا لا ينطق به!
أمام هذه الدلائل العظيمة على عناية الله بنا كما جاء في العهدين، القديم والجديد، وفي حياتنا الحاضرة والعتيدة... في الأمور الجسدية والروحية، هل وأنت ترى في كل شيءٍ سحابة من الشهود تؤكد عنايته لا تزال تشك؟ كلا!.. فإن لك مُعَلَّم أكثر عطفًا عليك من والدك، وأعظم حنوًا من الأم، وأكثر حبًا من العريس أو العروس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى...
اذكر أن راحته بخلاصك، وسروره أعظم من سرورك وأنت هارب من الخطر والموت!... عنايته لا تُفَسَّر، وحنانه غير مُدرَك، وصلاحه لا يُحد، وحبه لا يستقصى!
الآن، وقد عرفت هذه الأمور جميعها التي من خلالها يعلن الله لك عن ذاته وأعماله التي صنعها وسيصنعها معك... فلا تسمح أن تسأل نفسك: لماذا هذا؟ وما سبب ذاك؟ فإن هذا فيه جنون الكبرياء المُستبِد وعمل الشيطان!
إن كنت تصمت أمام الطبيب وهو يستأصل العضو الفاسد، ويأمرك بشرب الدواء المُر، حتى إن كان الطبيب عبدًا، فإن سيده يحتمله في صمتٍ، بل ويشكره، ويطيعه في خضوعٍ مهما أمره الطبيب، مع أن كثيرين ماتوا على أيدي أطباء، فكم بالأولي يليق بالإنسان أن يخضع للديان والمهندس وصاحب السلطان على كل شيءٍ؟!
إن كان من الغباء أن يستفز إنسان جاهل مهندسًا فيما يخص عمله، هكذا من الغباء أن يسأل إنسان طائش عن هذه الحكمة العجيبة غير المنطوق بها ولا محدودة، مستفسرًا عن عمل ما نحن متأكدون من حكمة صانعه التي لا تخطيء، وحبه الذي لا ينتهي، وعنايته التي لا توصف. فهو يصنع كل الأمور لأجل خيرنا، إذ لا يريد هلاك الإنسان بل خلاص الجميع!
أليس هذا انحراف في التفكير يفوق كل جنون، أن نبدأ نسأل ذاك الذي يريد خلاصنا وهو قادر عليه، عوض أن نتأمل ونرى أعماله؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/divine-providence/salvation.html
تقصير الرابط:
tak.la/nwr9mbj