St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   consolation
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب رسالة تعزية إلى أرملة شابة، للقديس يوحنا الذهبي الفم - القمص تادرس يعقوب ملطي

1- مفهوم التَرَمُّل في الكنيسة

 

تظهر حيوية الكنيسة الأولى في معرفة رعاتها لحقيقة رسالتهم، التي تتركز في تقديم الإمكانيات الإلهية للبشرية، والكشف عن قوة هذه الإمكانيات التي يمكن أن تعمل في كل عضوٍ.

تتركز رسالة القديس بولس الرسول في الكشف عن إمكانية عمل المسيح الساكن فينا. بل ويصلِّي إلى الله لأجل رعيته بهذا الهدف، "مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته" (أف 18:1-19).

فالرعاة الذين يركزون على مجرد مواساة المتألمين أو تعزية الحزانى أو إشباع احتياجات الأفراد، يحكمون على أولادهم هؤلاء بالخمول والضمور ثم الموت. لأنهم لم يعلنوا لهم القوة الساكنة فيهم القادرة أن تعمل فيهم ليشبعوا ويفيضوا على الآخرين.

St-Takla.org Image: Widow in mourning صورة في موقع الأنبا تكلا: أرملة في حالة حداد

St-Takla.org Image: Widow in mourning

صورة في موقع الأنبا تكلا: أرملة في حالة حداد

هؤلاء الرعاة لم يدركوا أن الكنيسة عاملة على الدوام خلال كل أعضائها تحت كل الظروف وذلك بعريسها القدير، لذلك يليق بأولاد ربنا يسوع أن يكونوا عاملين، وإلا صاروا كالعبد الذي أخذ وزنته من سيده ولم يبددها، لكنه خبأها ولم يتاجر فيها. إنهم أعضاء خاملة، وحمل ثقيل على أنفسهم وعلى الكنيسة كلها. فالعضو الذي بلا عمل يموت ويفسد كما يفسد الأعضاء التي حوله.

رسالة الكنيسة توجيه كل عضو من أعضائها، من أطفال وشيوخ، شبان وشابات، رجال ونساء، أصحاء ومرضى ومقعدين، بتوليين وأرامل ومتزوجين، فقراء وأغنياء، رؤساء ومرؤوسين، كهنة وعلمانيين، نحو رسالته ومساعدته في إدراك إمكانية عمل الله فيه حتى يعمل بنعمة الله لأجل بنيان نفسه وبنيان الآخرين.

فالكنيسة لا تزدري بالشباب الساقط تحت ثقل الشهوة العنيفة، ولا تستخف به. بل ولا تقنع بعودته إلى حياة الطهارة، إنما عليها أن تكشف تلك الحقيقة أنه بمقدار بشاعة سقوطه يكون قيامه أعظم. وبمقدار تحطيمه لنفسه، يكون بنيانه لنفسه وللآخرين الساقطين مثله. لأنه كلما ازدادت الشهوة في عنفها فهذا إعلان عن إمكانية نشاط وحب تكمن فيه، ولكنها خاطئة التوجيه. مثل هذا الإنسان يحطمه الراعي الذي يطلب منه مجرد الامتناع عن الشر، لأن الكنيسة لا تقبل كبت أولادها ولا تقف عند السلبية، إنما تؤمن بالتسامي والتوجيه. فمثل هذا تعلن له أولًا أن يحب الله، فتتبدد الشهوة، أو بمعنى أصح تذوب الشهوة في الحب.

هذا ما صنعه القديس يوحنا الذهبي الفم في توجيهه للراهب ثيؤدور الساقط حين أعلن له بوضوح أنه بمقدار سقوطه سيكون قيامه أعظم، بل ويقيم الله بواسطته كثيرين.

أما بالنسبة للأرامل- اللواتي هن موضوع حديثنا - فقد نظن أن رسالة الكنيسة نحوهن تتركز في مواساتهن على نكبتهن، مع مراعاة أحوالهن والاهتمام باحتياجاتهن النفسية والمادية. أقول في خجل، إن هذه نظرة الكثير من الآباء الذين نحسبهم عاملين محبين، لكنها في الحقيقة نظرة جامدة تدفع بفئة الأرامل نحو الموت. لأن الترمُّل ليس نكبة يعمل الرعاة على مواساة من حلّ بهن، بل هو بركة وقوة وإمكانية جديدة، به قد تحرر الأرامل من الالتزامات نحو الأزواج، لتنطلق نفوسهن بحرية أعظم في عبادة الرب وخدمته.

رسالة الرعاة نحوهن أن يكشفن بصائرهن عن العريس الحقيقي يسوع، فيندفعن في حب عميق نحو التعبد والشهادة له، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.

يلزم للأرامل ألا ينظرن إلى أنفسهن كفئة منكوبة تتلمس عطف الجميع وترفقهم، فيعشن منكسرات القلوب، لا بل هن فئة تحتل الصف الثالث بعد رجال الكهنوت والمتبتلين -إن صح التعبير- لهن عملهن العظيم ورسالتهن في الكنيسة. وبهذا ترتفع روحهن المعنوية، وتنتفع الكنيسة بهن وبخدمتهن.

حقًا إن سرّ ضعفنا اليوم يكمن في نظرتنا الضيقة إلى فئة الخدام -رجال الكهنوت وخدام التربية الكنسية وبعض اللجان للخدمات- إنها تكاد تكون الفئة الوحيدة العاملة في الكنيسة. هذا المفهوم كفيل بأن يقضي علينا بالجمود. فالكنيسة في حيويتها لا تعرف الجمود "من لا يجمع معي فهو يفرق" (مت 12: 30). فالأطفال في المدارس من يقدر أن يجذبهم إلى محبة الرب يسوع سوى إخوتهم الأطفال المؤمنين إيمانًا عمليًا، والشباب من يقدر أن يكسبهم لربنا يسوع إلا الشباب الذين لهم صورة السيد المسيح الحقيقية، والنسوة في زيارتهن لبعضهن البعض قادرات أن يعملن على نمو بعضهن البعض روحيًا، بل حتى المريض يقدر أن يربح نفوس زائريه، والعجائز لهم عملهم في الكنيسة.

هذا ما كشفته رسالة القديس يوحنا الذهبي الفم هذه إلى أرملة شابة حديثة الزواج، كان زوجها قد أوشك أن ينال وظيفة والي مقاطعة.

كشفت أولًا وقبل كل شيء عن حكمة رعاة الكنيسة الأولى ومعرفتهم، فيبدأ القديس يوحنا الذهبي الفم في مقدمة الرسالة بقلبٍ منكسرٍ، مشاركًا إياها آلامها وأحزانها، معترفًا لها بقسوة التجربة. لكنه ينتقل بها من مشاعر الألم إلى مفهوم الترمُّل الحقيقي، وكأنه يقول لها: طوباكِ لأن شركتك بيسوع المسيح تزداد عمقًا الآن، وطوباكِ لأنه يهتم بكِ كواحدة من أخصائه، بل كعروسٍ له. وطوباكِ لأنكِ صرت أكثر كرامة بكونك أرملة عاملة في الكنيسة. أما مِنْ جهة المجد، فقد أخذ الرب زوجك الرفيع المقام، ليصير ربنا يسوع عريسك وفي الحياة الأبدية تلتقين بزوجك في اتحاد روحي عميق أبدي.

ومن جهة اضطراب نفسك وخوفك على مقتنياتك، فاسعي بنقلها إلى السماء حيث تَجِدينها في السماء عند زوجك. الرب قادر أن يحكم الرعاة لأجل بنيان نفوس الكل.

المعرب

نياحة القديس يوحنا الذهبي الفم: 17 هاتور 1682

     26 نوفمبر 1965


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/consolation/widowhood.html

تقصير الرابط:
tak.la/prtn74g