حيث أن نفسك مضطربة جدًا ومتكدرة، بسبب توقعك القائم على أن زوجك كان قد أوشك أن يكون واليًا على مقاطعة وأنه قد أُخِذَ قبل الأوان... فتأملي أولًا هذه الحقيقة. إنه وإن كان رجاؤك هذا مبنيًا على أساس سليم جدًا، إنما هو رجاء بشري. الذي غالبًا ما يسقط على الأرض (أي لا يتحقق). ونحن نرى في هذه الحياة أولئك الذين لم يفكروا في أمرٍ ما إذ به يحدث لهم...
لذلك وإن كانت الفرصة لنواله هذه الوظيفة كانت قريبة جدًا، لكنه كما يقول المثل "كثيرًا ما يسقط الكوب من فم شاربه(2)"، ويقول الكتاب المقدس: "بين الغداة إلى العشى يتغير الزمان" (سيراخ 26:18).
وهكذا من هو مَلِكٌ اليوم، قد يموت غدًا. وأيضًا يُعْلِنُ الحكيم نفسه قائلًا: "كثيرون من المتسلطين جلسوا على التراب، والخامل الذكر لبس التاج" (سيراخ 5:11).
فلم يكن هناك تأكيد مطلق، أنه لو عاش لنال هذه الوظيفة، لأن ما يخص المستقبل لا يمكن الجزم به، إنما يوقفنا أمام شكوك كثيرة.
لأنه على أي أساس تجزمين بنواله هذه الوظيفة، إذ ربما تأتي الحوادث بغير ما في الحسبان، بل ويوجد احتمال أنه كان سيفقد الوظيفة التي هو فيها بسبب مرضٍ أو تدبير مكيدةٍ ضده بواسطة الحاسدين له على غناه، أو بسبب كارثة خطيرة أخرى.
لكن، لنُسلم معك -إن أردتِ- أنه بالتأكيد لو كان حيًا لبلغ على أي الأحوال مركزًا رفيعًا. لكن بقدر ما يزداد المركز رفعة تزداد أيضًا مخاطره وقلاقله، ويُدس له ما لم يكن في الحسبان(3).
لنترك هذا كله جانبًا، مفترضين أنه سيجتاز بحر المصاعب بسلام وهدوء كامل. لكن أخبريني وما هي نهاية هذا؟! أليست نهايته هي تلك النهاية التي وصل إليها الآن... لا بل وربما بلغ نهاية مؤلمة ومكروهة. فمن جانب، ربما مركزه الجديد (إغراء المركز) يلهيه عن نظرته إلى السماء والسماويات. الأمر الذي ليس بتافهٍ في نظر من وضعوا رجاءهم في الحياة الأخرى.
ومن جانب آخر، وإن كانت حياته ستبقى طاهرة كما هي، لكن طول الزمن مع ضروريات المركز السامي قد يعوقه عن البقاء في حياته التقية كما هو عليه الآن (لم يكن العيب في المركز في ذاته، لكن ربما يخشى من الملتفين حوله من مرائين أو خادعين، أو يخشى عليه من السقوط في الكبرياء والزهو مما يفقده نقاوة قلبه، أو لظروف أخرى خاصة بالدولة الرومانية في ذلك الوقت).
في الحقيقة أنه ليس مؤكدًا، إن كان لا يعاني من تغيرات كثيرة مستسلمًا للكسل (في العبادة) قبل أن يُسَلِّمَ أنفاسه الأخيرة.
الآن نحن واثقون، أنه بنعمة الله قد صعد إلى مكان الراحة، لأنه لم يرتكب ما يحرمه من دخول ملكوت السماوات. لكنه لو بقي... ربما كان قد سقط في معاصٍ كثيرة، لأنه يندر أن يعمل إنسان بين شرور عظيمة هكذا(4) أن يسلك في طريق مستقيم، بل يضل، بإرادته أو بغير إرادته كأمرٍ طبيعيٍ...
ومادام الأمر هكذا، فنحن قد عُتقنا من هذا التوقع للشر، مقتنعين تمامًا، أنه سيظهر في اليوم العظيم في بهاءٍ أعظمٍ، متلألئًا بجوار الله (الملك)، آتيًا مع الملائكة قدام المسيح، ومكتسيًا بثوب مجده غير المنطوق به، جالسًا بجوار الملك كمن يحكم، عاملًا كأحد خدامه العظماء.
لذلك فإنه إذ تكفين عن البكاء والنحيب، متمسكة بالحياة التي عاش هو بها، نعم لتكوني مثله تمامًا، حتى تنالي بسرعة ما وصل إليه من مستوى الفضيلة، عندئذ تسكنين معه في نفس الموضع وتتحدين معه مرة أخرى طوال الأبدية، لا في اتحاد زوجي، بل في اتحاد أسمى كثيرًا. لأن الأول فيه اتصال من نوع جسدي، أما الثاني فيكون فيه الاتحاد بين الروح والروح أكثر كمالًا، وأعظم بهجة ومن نوع أنبل.
_____
(2) يصعب ترجمة المثل حرفيًا وهو: "Between the cup and the lip is many a slip". (شرح المعنى من موقع الأنبا تكلا: قد تحدث مفاجآت عدة ما الهم بتقريب الكوب من الفم لمسه الفم فعليًّا، أي أنه حتى الأمور التي قد تبدو بسيطة، من الممكن أن تحدث تعقيدات ومفاجآت غير متوقعة خلال عملية التنفيذ).
(3) يلزمنا مراعاة ظروف الدولة الرومانية في ذلك الوقت وكثرة القلاقل وخطورة المراكز الرئيسية في ذلك الحين.
(4) تكشف هذه العبارة أن الولاة في ذلك الوقت كان يلتف حولهم جماعة من الأشرار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/consolation/life.html
تقصير الرابط:
tak.la/s5myq8s