المجتمع: ما قولكم في صراع الحضارات؟
المسيحي: إن عنوان "صراع الحضارات" تعبير راقٍ ومتحضر لأنه بديل عن عنوان صراع الأديان. كما أنه تعبير حكيم لأنه ينأى عن استخدام كلمة الأديان لحساسيتها وصوَّب هدفه نحو السلوكيات التي اختارها أصحاب هذا الدين أو ذاك يترجمون فيها عمليًا عن مبادئ دينهم وتعاليمه. والحقيقة أن السلوك هو الذي ينعت بصفة الحضارية وليس الدين.
أما الصراع فهو سمة من سمات الوجود، وله أنواع وصور كثيرة بين الشعوب. فإما للاقتتال وإفناء الواحد للآخر من أجل الانفراد بالبقاء. وأصحاب هذا النوع من الصراع ذوو سلوك بربري وحشي بدائي فطرى غير متحضر. وإما صراع للتنافس من أجل التطور والنمو والتقدم. ويبدو فيه التعاون وتبادل الخبرات والإسهام في توفير الاحتياجات والمساندة. وتغلب عليه النزعة الإنسانية البحتة بعيدًا عن أي اعتبارات عرقية أو دينية أو تتعلق باللون أو اللغة أو الجنس. وهذا هو الصراع القائم على السلوك الحضاري الذي انتهجته كل الدول المتحضرة في العالم وهو سر تقدمها ورخائها.
وإن كان الدين عندما يتتلمذ عليه الإنسان يكون عاملًا قويا في تشكيل سلوكياته فتصبح سلوكيات الشعوب المتدينة صورة ونموذجًا لما تدعو إليه تعاليم دينها. لذلك لا يكفى لتقديم صورة طيبة عن دين بعينه مجرد الدعوة والفكر أو الدعاية النظرية، وإنما السلوك العملي وواقع التعامل. على رأى قول الكتاب "يقول قائل أنت لك إيمان وأنا لي أعمال. أرني إيمانك بدون أعمالك وأنا أريك بأعمالي إيماني" (يع2: 18). أي أنه لا يمكن البرهنة على الإيمان الحق إلا بالأعمال الصالحة.
وإن كان سلوك بعض الشعوب تعوزه الروح الحضارية فإن تقارب الشعوب لبعضها البعض في العصر الحاضر وتشابك مصالحها وانفتاحها بعضها على بعض بالإعلام ووسائل الاتصال والتبادل التجاري والثقافي والحضاري، والسعي نحو جعل العالم أسرة واحدة، سينحو بهذه الشعوب لتعديل مسار سلوكياتها وتنقية عقائدها مما تحتويه من اتجاهات وأنماط للحياة والمعاملات لا تتفق وحقوق الإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والتوجه إلى المساواة بين البشر والتخلي عن العنف والاضطهاد. لأن تيار التغيير يسير بقوة. لأن الله ناظر من السماء ومتطلع إلى الأقليات المضطهدة والعرقيات المقهورة والأجناس المنبوذة. ولربما قيض الله لها هذه الظروف لكي يرفع عن كاهلها جزءًا من آلام الحياة.
إلا أن تغيير النزعات العدوانية في سلوكيات بعض الشعوب ليس هو الملاذ الأخير لحصول الفرد على حريته وسلامه الحقيقي. بل ينبغي على الفرد الذي ينشد الأمان أن يجاهد مستعينا بمؤازرة الله له للتحرر من سلطان الخطايا والشهوات والأطماع والأحقاد وبلوغ نقاوة القلب لأن هذا هو سبيل الحرية الحقيقية والأمان والسلام القلبي في داخل الإنسان ومن هنا تكمل سعادته.
وعلى المجتمع مع المسئولين فيه عن الدين أن يهيئ لكل أفراده المناخ الصالح لتحقيق حريته الحقيقية هذه. وخصوصًا أن التيارات العالمية الزاحفة مع ما تحمله من قيم حضارية إلا أنها تحمل سمومًا من التحلل والتحرر الزائد والانحراف. ومن هنا وجب أن يتكاتف ولاة الدين في كل مجتمع لحماية النشء من هذه الاتجاهات المسمومة والانحرافات الأخلاقية، وينبذوا التربية السلبية القائمة على الأنانية والعدوان وعدم قبول الآخر عالمين أن الفضيلة لا تتجزأ. فإن نزعات الشر متى فُتِحَتْ أمامها ثغرة للانطلاق فإنها ستندفع بكل قوة لتنتهي إلى تحطيم الفرد والمجتمع أيضًا. وهذا ما يُلاحَظ كظاهرة اجتماعية في الدول التي تشجع على اضطهاد الأقليات. فإنه عندما توجد عناصر في المجتمع تنزع إلى الاعتداء على فئة معينة من فئاته فإن توجهها بعد ذلك يكون لمحاربة المجتمع كله. وذلك من خلال مقاومة السلطة الحاكمة وتدمير المنشآت الحيوية التي تخدم مصالح المجتمع.
لذلك يجب أن نستيقظ في وقت مبكر. لأن خطر التيارات العالمية قادم لا محالة، وتناحر الأديان وأتباعها في داخل المجتمع الواحد سيضيع عليهم جميعًا الفرصة في احتواء الشرور والمفاسد الناجمة عن تلك التيارات. وحينئذٍ سيفلت الزمام من تحت يد رجال الدين هؤلاء أو أولئك. وسيصبح الدين سلعة بالية وسيواجه رجال الدين بصفة عامة مصاعب جمة في التأثير على العقول والقلوب. وسيصابون بالإحباط والاكتئاب لانحسار رسالتهم وقصور وسائلها لتحقيق غاياتها. بعد أن يكون قد استفحل الأمر وخرج عن حدود إمكانيات السيطرة عليه.
وإذا أريد التنافس بين أصحاب الديانات المختلفة. فليتنافسوا:
أولًا: في السعي لعمل الخير والنمو في الفضيلة.
وثانيًا: في الإخلاص لوطنهم بالأمانة والاجتهاد في عملهم. وثالثًا: في الاقتراب أكثر إلى الله بتقديم عبادة مقبولة من قلب طاهر وفكر نقى وضمير صافٍ. ورابعًا: في اجتهاد الدعاة في تثبيت حقائق الإيمان في نفوس الناس بتوجههم إلى الله وحده. وخامسًا: في محاولتهم توظيف الدين لتحقيق رسالته السامية في إشاعة الحب والسلام والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد لبلوغ الرفاهية والسعادة الحقيقية. وقيامهم بالتوعية بأن المحبة هي من الله والعداوة هي من إبليس. فكل من يحمل في قلبه الكراهية والحقد والعداوة وينزع إلى قتل الآخر فهو لا يعرف الله ويقول للشيطان أنت أبى. لأنه إذا كان الله هو إله المحبة والسلام والشيطان هو مصدر العداوة والقتل. فكل من يعمل على قتل الآخر لا يمكن أن يكون الله إلهه. وإن لم يكن الله إلهه فيكون الشيطان هو إلهه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/question-answer/civilizations.html
تقصير الرابط:
tak.la/dvd2887