يُسيطر مفهوم الوظيفة على فكر الفتاة وأسرتها عند الارتباط بشاب اطمئنانًا على استقراره المادي ويتخوفون من الشاب الذي يزاول عملًا حرًا. ومفروض أن يتغير هذا المفهوم في الوقت الحاضر نظرًا لأن بعض الشباب يعاني من أجل الحصول على وظيفة دائمة في الحكومة أو في قطاع الأعمال. لذلك إذا كان عمل الخاطب في قطاع خاص أو عمل حر يخصه فلا غبار على ذلك خصوصًا إذا كان نشاط عمله في مجال ثابت غير متقلب وأصبح مبنيًا على خبرة، وإذا كان عائد العمل مستقرًا ويكفي الحد المعقول الذي يسد نفقات البيت. وكذلك إذا كانت الفتاة نشيطة ومتحركة وقادرة على معاونة زوجها في عمله الحر وتشجيعه. أو هي نفسها تعمل في وظيفة أو مهنة فستكون سندًا له وللأسرة. بل إنه أحيانًا يكون دخل العمل الحر أعلى كثيرًا من دخل الوظيفة المحدود.
أما ما يجب التنبه إليه فهو أنه إذا كان الخاطب شريكًا في عمل أو محل تجاري مع والده أو أشقائه فلابد أن تكون الرؤية واضحة من البداية وما إذا كان له حق مضمون أم أنه يمكن أن يُطرد في أي وقت لأي إشكال صغير أو كبير، أو أن لا يطول شيئًا يقوته في حالة وفاة والده إن كان رأس المال على المشاع ويخص جميع الورثة.
أحيانًا تكون الفتاة مرتبطة بالسفر إلى الخارج للحاق بعائلتها، أو أن يكون الشاب في نيته الهجرة إلى الخارج. فلابد أن تكون هناك مصارحة بين الطرفين ليكون الأمر واضحًا من البداية. لأنه لأي سبب قد لا يوافق الطرف الآخر على السفر إلى الخارج. كذلك إذا كان الشاب يعمل في إحدى الدول العربية أو الإفريقية لابد أن يوضح ما إذا كان سيستمر في عمله هناك بعد الزواج حتى تعمل الفتاة حسابها إذا كانت تقبل هذا أم لا.
ويتصل بموضوع السفر إلى الخارج الشاب المهاجر أصلًا أو الذي يعمل في الخارج لعدة سنوات وأصبح وضعه هناك مستقرًا أو حتى شبه مستقر، ويصر أهل الفتاة التي يتقدم لها على تأثيث شقة في مصر لكي يضمنوا حق ابنتهم. وهو إصرار ليس في محله لأن أي شاب شق طريقه في غربته لا يفكر إطلاقًا في العودة إلى بلده إلا للزيارة. وكثير من الذين أثثوا شققًا اضطروا بعد مرور الوقت إلى بيعها وإلى بيع أثاثها بعد أن بدأ يتلف.
هناك بعض الأمراض لا تمنع من الزواج. ولكنها مزمنة وسوف تلازم الشاب أو الفتاة بعد الزواج، وذلك مثل الربو وضيق التنفس والصرع والسكر وضعف البصر. وهذه إن كان البعض لا يصرح بها من البداية حتى لا تكون سببًا أساسيًا في الرفض قبل التعارف وظهور محاسن ومميزات الطرف المتقدم للارتباط، إلا أنه يجب المصارحة بها قبل عمل أي إجراء رسمي خاص بالزواج، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لأنه أولًا: من المفروض أن يبدي الطرف الآخر مدى استعداده لتحمل شريك الحياة بمرضه من عدمه. وثانيًا: البعض ينظر إلى أن إخفاء حقيقة المرض إلى ما بعد الزواج هو نوع من الغش. وقد يسبب هذا نكدًا مستمرًا بين وقت وآخر بين الزوجين عند تدخل عدو الخير بينهما.
هناك أيضًا بعض الضعفات التي لها صفة الديمومة، كأن يكون الشخص معاقًا من ذوي الحالات الخاصة. أو أن يكون معسرًا ماديًا ويصارع من أجل الحياة. أو أن يكون الفارق كبيرًا في المستوى الطبقي أو الاجتماعي، أو أن يكون شخصًا معروفًا عنه العنف والقسوة. فمثل هذه الحالات سواء المرضية أو الضعيفة فإن الشاب أو الفتاة الذي يقدم بإرادته الحرة الكاملة على الارتباط بصاحبها لابد أن يعي أن هذا النوع من الارتباط يتطلب الاتسام بروح الخدمة والقدرة على الاحتمال لأنها حالات تستمر مدى الحياة.
لذلك من يُقبِل على هذا الارتباط يجب أن يكون تقديره سليمًا لقدرته الحقيقية على تحمل ضعف هذا الطرف، وأن يكون ثابتًا على مبدأ روح الخدمة والعطاء الذي سيبدأ به حياته مع ذلك الطرف. حتى تستمر سعادته بالخير الذي بدأ به. ولا يصح أن يقدم على اللقاء بهذا الطرف من أجل الارتباط إلا إذا كان قد استقر على مبدئه.
يتردد الشاب أو الفتاة أحيانًا في مناسبة أسرة سبق وارتد أحد أفرادها عن الإيمان، أولًا: خجلًا من هذه الأسرة التي لحقها عار إنكار الإيمان من أحد أفرادها، وثانيًا: خوفًا من احتمال تكرار الارتداد في أفراد مثل هذه الأسرة، وهذا هو الانطباع العادي. ولكن هناك رد على هذا الانطباع:
فبالنسبة لأولًا:
الارتداد مسألة شخصية تتعلق بظروف
الفرد نفسه، وهى وإن كانت تمس سمعة جميع أفراد
الأسرة إلا أنها تخص شخصية
الفرد ذاته أولًا وأخيرًا. إذ تخص حياته وعلاقاته ومصيره
الأبدي.
أما بالنسبة
لثانيًا: فإن أغلب حالات الارتداد هي
نتيجة فخاخ منصوبة أو حيل خادعة أو مطبات عاطفية لم يجاهد الإنسان لكي يتخلص
منها، حيث يكون قد سلَّم نفسه لها حتى سيطرت على كل كيانه فألغت عقله، وحطمت
إرادته وبددت كل ما لديه من قيم
روحية، وهمشت اهتمامه بإيمانه وعقيدته. لذلك ليس من الصواب أن نحكم أن كل
أفراد أسرته سيقعون في نفس المطب أو أنهم كلهم في مستوى ضعفه.
ثم هناك أيضًا من يرتد بسبب عدم حكمته في حل مشاكله التي هو بالضرورة طرف في حدوثها. وهناك كذلك من يعيش على هامش المسيحية ولا يعرف شيئًا عن إيمانه لا بالتعليم ولا بالتسليم. وهذا النوع من السهل أن تستميله أي عقيدة أخرى، أو يقنعه أي دين آخر فيرتد عن إيمانه لأتفه الكلمات.
وأيُّ من هذه الأسباب الثلاثة للارتداد قد تحدث للفرد من أي أسرة. لذلك لا يصح أن تؤخذ الأسرة بذنب أحد أفرادها. ويكفي لمثل هذه الأسرة إذا كان سيتم الارتباط بأحد أفرادها أن تكون مسالمة ومتمسكة بإيمانها من جهة وتكون قد قطعت علاقتها مع الشخص المرتد الذي عادة يشكل خطورة على بقية أفراد الأسرة لسهولة استمالته لأحد أفرادها وتحريضه على الارتداد حتى وإن كان هو غير راضٍ عن ارتداده. وإذا تم الاقتناع بهذا الرأي فيمكن عمل اللقاء بهذا الطرف.
إذا وجد في داخل الأسرة أكثر من فتاة وكلهن في سن الزواج وسمحت الظروف بزواج الأكبر سنًا فهو أمر عادي، وإذا فرض وصارت الفرصة مواتية لزواج البنت الأصغر قبل الأكبر فيجب أن يكون هذا أيضًا أمرًا عاديًا. لأنه من الملاحظ أن بعض الأسر تتمسك بالامتناع عن تزويج البنت الأصغر قبل البنت الأكبر. لكن هذه قاعدة أصبح من الصعب العمل بها الآن نظرًا لتغير الظروف الاجتماعية والروابط الأسرية. فالأخوات الشقيقات الآن يختلفن في مستوى التعليم وفي نوع المؤهل وفي مستوى الدخل الشهري، وأصبحت الواحدة منهن لا يناسبها إلا شاب قريب من التماثل معها في كل هذه الجوانب. كما أن الفتاة حاليًا أصبحت غير مرتبطة بقرابات محددة إذ قد يكون نصيبها شاب من أسرة بعيدة وأحيانًا من بلد بعيد.
لذلك فالعائلات الحكيمة ترحب بزيجة أي بنت من بناتها توافقت مع أي طرف مناسب بغض النظر عن الأكبر سنًا أو الأصغر سنًا. وفي مثل هذه الحالة يجب أن تفرح الأكبر لزواج الأصغر من وازع المحبة الأخوية حتى ينظر الله إلى محبتها ويعوضها عنها خيرًا بتسهيل طريقها هي أيضًا.
ولا مانع أن تقابل المتقدمين لها بالتتابع الزمني الذي تقدم فيه كل واحد منهم، أو من هو أفضل حسب التقدير المبدئي طبقًا للبيانات المتاحة. ثم تعطي درجة لكل عنصر من عناصر الاختيار أمام كل واحد مع ملاحظة أن نوع الوسيط يدخل أيضًا في التقييم لأنه عنصر هام من جهة الثقة. ولا مانع أن يساعدها أفراد أسرتها في تقدير الدرجات وبذلك لابد أن تنتهي أخيرًا بعد اللقاء بهم إلى تفضيل أحدهم، ليس فقط على أساس تقدير الدرجات ولكن أيضًا على أساس الارتياح النفسي وقبول الآخر. هذا حقها كما أنه حقه هو أيضًا. لأنه قد تُعرض عليه أكثر من فتاة ويرفضها. فالرفض من حق الطرفين ولكنه لا يعني أن الطرف المرفوض يشوبه عيب، ولكنه عدم التناسب أو عدم التوافق، ثم إرادة الله أولًا وأخيرًا.
أما من جهة الشاب فيجب أن يكون لماحًا لمدى ما إذا كان مقبولًا أو مرفوضًا من الفتاة وأهلها. خصوصًا أن الرفض غالبًا ما يكون بطريقة رقيقة وهذه الرقة تحتاج إلى دقة الملاحظة وخبرة بمعاملة الناس في مثل تلك المواقف التي تكون فيها الناس حساسة نحو مشاعر الآخرين لعدم الإحراج أو التعقيد النفسي للشاب الذي لربما يتعرض لهذه التجربة لأول مرة في حياته. ويجب أن يكون عند الشاب كرامة وحساسية بحيث إذا ما أدرك ما يشير إلى عدم قبوله فلا يهين نفسه وينسحب في الحال.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/engagement/choice-various-options.html
تقصير الرابط:
tak.la/3bytqwr