فالبعض يتساءلون هل
يؤدي الاختيار من الأقارب إلى زواج مملوء بالمتاعب كما يقول بعض الناس؟ وهل
مثل هذا الزواج يضعف النسل كما يقول آخرون؟ وللإجابة على هذا السؤال نستعرض
الظواهر التي تحيط بالزوجين القريبين وهذه الظواهر نفسها ستلقي ضوءًا على ما
يمكن أن تتسم به حياة الزوجين غير القريبين. فالشائع بين الناس أن الأقارب كثيرًا ما تظهر بينهم عوامل
الغيرة والحسد والطمع، بينما هذه العوامل أقل بين غير الأقارب. كما أن كثرة
الكلام هي المشكلة الرئيسية بين الأقارب وهى التي ينشأ عنها كراهيتهم وعداوتهم
بعضهم لبعض، لأن كثرة الكلام لا تخلو من معصية (أم10: 19). والحقيقة أن معظم
الناس تنقصهم فضيلة ضبط اللسان لأن الكل يتكلم والكل ينتقد، فكثرة الكلام
موجودة بين غير الأقرباء ولكن كونها متفشية بين الأقرباء يجعل البعض يميلون إلى
غير الأقارب راحة لأعصابهم ونفوسهم من سماع الكلام الكثير من الأقارب. والملاحظ أيضًا أن
الشقاق في المستقبل بين الزوجين القريبين كثيرًا ما ينشئ عداوة واسعة النطاق بين أفراد العائلتين نتيجة للتعاطف الدموي
للأكثر قربًا، وهذا قد لا تجده بين غير الأقرباء وذلك بطبيعة الحال لضعف
الصلات نوعًا بين عائلتيْ الزوج والزوجة غير القريبين. أمر آخر أن عيوب الأقارب تكون عادة مكشوفة لبعضهم البعض
بحكم الصلات القريبة بينهم أكثر من غير الأقارب الذين قد تكون عيوبهم أكثر
وأخطر في بعض الأحيان ولكن عدم معرفتها بسبب بُعد الصلات يجعل الإنسان يصدر
حكمه بتفضيل غير الأقارب. لذلك نلاحظ أن كثيرًا من الشبان أو الفتيات الأقرباء
-مع ما فيهم من امتيازات قد لا تكون في غيرهم من الغرباء- نجد أنهم غير مرغوب
فيهم لأنه كما قال الكتاب المقدس "ليس نبيٌّ بلا كرامةٍ إلاَّ في وطنِهِ وبين
أقربائه وفي بيته" (مت13: 57، مر6: 4). وهناك أيضًا ظاهرة اللامبالاة بين من تربط بينهما صلة قرابة، وهى تقلل أحيانًا من الكلفة ومن عمل حساب أو تقدير كل طرف منهما للآخر في
الكلام وفي التصرف، فقد يخطئ طرف ضد الطرف الآخر ولا يعتذر، وقد يُقَصِّر في
حقه ولا يبالي بعكس ما يكون الطرفان غير قريبين نجد حرصًا من طرف نحو الآخر في
اختيار الكلام المناسب وحساسية شديدة نحو المشاعر ومراعاة الظروف ومراعاة
الاحترام المتبادل والحرص على إشباع الحاجات النفسية من حب وتقدير ومدح للأعمال
والمظاهر الحسنة، وغض الطرف عن العيوب والشعور بالاهتمام والإسراع لتلبية
الرغبات. إذا حدث صراع بين عائلات الأقارب بسبب التنافس على فتاة
بعينها أو على شاب بعينه في داخل
الأسرة فيحسن زواج هذا الشاب أو هذه الفتاة من
شخصية خارج نطاق
الأسرة إذا أمكن حتى تستريح جميع الأطراف العائلية ويعود إليها
سلامها. ولا يتحول الصراع داخل العائلة إلى عداوة بين الأقارب قد تستمر عدة
سنوات وقد تزول أو لا تزول. وقد يتسم أحيانًا الاختيار من الأقارب بعوامل الضغط الأسري
على الأبناء والبنات بالزواج من أقاربهم بالرغم من وجود فوارق كبيرة بين
الطرفين المراد تزويجهما. وذلك تحقيقًا لوعود قديمة بين الجدود والآباء أو
خوفًا من تفتيت الميراث وخروج ممتلكات العائلة إلى أفراد غرباء، وتكون النتيجة
أن يضحي أحد الطرفين مرغمًا بسعادته الزوجية وطموحاته الشخصية من أجل الإرث أو
من أجل تحقيق الوعود. يبدو من كل تلك
الظواهر السلبيات التي قد يواجهها من يتزوج من الأقارب. ولكن من جهةٍ مقابلة
هناك بعض إيجابيات تسهم في ثبات الحياة العائلية بين المتزوجين الأقارب مثل: أحيانًا نجد أن
علاقة الدم لما تحمله بين الأقارب من دفء الحب العائلي قد تكون عاملًا خفيًا
مستترًا في استقرار الحياة ومتانتها مهما علا سطحها من اضطرابات. والذي يختار من بين الأقارب لا يحتاج إلى تعب في البحث
والتقصي عن الأصل والأخلاق والطباع وبقية البيانات اللازمة للتعرف على الطرف
الآخر. كما توفر عليه مشقة الظنون والشكوك في صحة البيانات التي يسمعها أو
يجمعها من هنا أو هناك كما يحدث في حالة الغرباء. والاختيار من الأقارب يوفر كذلك مهمة اللجوء للوسطاء الذين
قد يصدقون وقد يكذبون، وقد لا يكونون مغرضين وقد تكون لهم أغراض، وأحيانًا
تكون لهم سلامة وصحة الاختيار لأطراف متناسبة وأحيانًا أخرى لا تكون لهم هذه
السلامة. ومما يشجع البعض
على الاختيار من الأقارب الزيارات الودية ونمو
المحبة وقوة الترابط وزيادة
المصالح بينهم. ومعظم الزيجات المعتبرة التي ذكرها الكتاب المقدس
هي زواج
من الأقارب، فسارة هي قريبة
أبينا
إبراهيم (تك20: 12)، ورفقة هي بنت عم
أبينا إسحق (تك24: 15)، وليئة وراحيل هما بنات
خال
أبينا يعقوب (تك29: 10)، بل إن اختيار رفقة زوجة
لإسحق والذي رتبه الله
إنما سبقه تشديد من
أبينا إبراهيم على عبده كبير بيته بقوله له "إلى أرضي وإلى
عشيرتي تذهب وتأخذ زوجةً
لابني إسحق" (تك24: 4). ليس معنى هذا أن زواج الأقارب في الكتاب المقدس يقف ضدًا
معارضًا للزواج من غير الأقارب لأن هناك زواجًا من غير الأقارب ناجح وموفق جدًا، بل إن اتجاهًا يسود على كثيرين اليوم في البعد عن الزواج من الأقارب وذلك
يرجع أساسًا لبرودة المحبة في قلوب الكثيرين وبالذات بين الأقارب ويرجع ثانيًا
لميل الإنسان الطبيعي إلى ما هو جديد خصوصًا في الأمور الحسية حتى لو كان أقل
قيمة وأنقص قدرًا. وكقاعدة عامة نستطيع أن نقول إن المتاعب تحدث من الأقارب
كما قد تحدث من غير الأقارب، كما
ذكرنا أيضًا هنا في
موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لذلك إذا توفرت مقومات التآلف والتوافق الروحي
والأخلاقي التي تسمح بالزواج بين طرفين فلا مانع لإتمامه سواء من الأقارب أو من
غير الأقارب – كما نلاحظ أن البعض يرى أن بُعد سكن الزوجية عن هؤلاء وأولئك فيه
راحة للطرفين. إلا أن تلك التفضيلات التي تمايز بين الأقارب وغير الأقارب
وتظهر عيوب ومحاسن كل منهما هي للتنوير والتبصير، فهي ليست موجودة في كل
الأقارب. وعلى كل شاب أو فتاة أن يضاهي بين الحقائق وبين واقعه لأن كل عائلة
تختلف عن الأخرى في ظروفها، وكل زيجة أيضًا لها ظروفها الخاصة التي تتم فيها.
أما أن زواج الأقارب يسبب ضعف النسل فإن العلم يقول: "إن
أية عشيرة دائما تحتوي على عدد عديد من الجينات (المورثات) الضارة المتنحية أي
التي لا يظهر تأثيرها إلا بتماثلهما - وزواج الأقارب يزيد من احتمال تماثل
الجينات مما يسبب ظهور صفات ضارة وتشوهات هذه الزيجات"(1). ويزيد ظهور هذه الصفات باستمرار الزواج من الأقارب لعدة أجيال. إلاَّ أنه "إذا كان
الشاب أو الفتاة من عائلة كلٍ ذي تركيب وراثي جيد أي خالية من التشوهات
الوراثية فإنه يوجد احتمال كبير في أن النسل الناتج عن الزواج بين أبناء
العمومة والخئولة سيكون خاليًا من التشوهات الوراثية"(2). كما أن العائلات
القريبة عندما يتم الاختيار فيما بينها من الفروع البعيدة فإن هذا الاختيار
يضعف احتمال وجود الجينات الضارة المتنحية التي تتسبب في ضعف النسل أو في ظهور
صفات غير مرغوب فيها. وكنصيحة عامة بهذا
الصدد يجب عند الاختيار تأكد كل من الطرفين من خلو شجرة العائلة من الأمراض
الوراثية بصفة خاصة بين الأقرباء وبصفة عامة بين غير الأقرباء. وفي حالة وجود أمراض وراثية جسمية من حيث التشوهات أو عجز
أعضاء أو نقصها، أو أمراض نفسية وعصبية، أو تخلف عقلي أو بله، يجب اللجوء
للطبيب المختص واستشارته، ويحسن اللجوء لأكثر من طبيب لسلامة التشخيص أولًا ثم
أخذ الرأي الصحيح ثانيًا.
_____
(1) د. طنطاوي. مبادئ علم الوراثة. دار المعارف،
1970 ص 411.
(2) المرجع السابق 411.
أ - الظواهر التي تحيط بالأقارب
الحسد والطمع وكثرة
الكلام:
اتساع دائرة
المشاكل:
عيوبهم مكشوفة:
اللامبالاة وضعف
التقدير:
التنافس المؤدي
للعداوة:
الضغط بسبب الميراث
أو الوعود:
علاقة الدم:
سلامة المعرفة:
توفير جهد الوسطاء:
نمو المحبة وتبادل
المصالح:
زيجات الكتاب
المقدس:
الميل للزواج من
غير الأقارب:
الخلاصة:
ب - رأي العلم في النسل الناتج من الأقارب
زواج الأقارب لعدة
أجيال يزيد من احتمال ضعف النسل:
التركيب الوراثي
الجيد يبعد احتمال ضعف النسل من الأقارب:
الحكم العام:
الحواشي والمراجع
لهذه الصفحة هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-salaib-hakim/engagement/choice-close-vs-stranger.html
تقصير الرابط:
tak.la/syf6q8s