حكي لي احد المسنين قصته التي تلخص كل ما يشعر به المسن يوم بلوغه سن المعاش ومن أهميتها رأيت أن أدونها لكي ما أحدثكم عنها.
قال لي الرجل:
في مساء احد الأيام فوجئت بأولادي جميعا يأتون إلي ومعهم تورتة لذيذة, جاءوا ليحتفلوا بعيد ميلادي ولم أكن أفكر أو اسأل: كم بلغت من العمر؟
وبعد انتهاء الليلة الرائعة انصرف الجميع وأما أنا فذهبت لفراشي.
وفي الصباح التالي استيقظت كعادتي في السادسة وقمت بكل طقوسي اليومية حثي السابعة والربع وقت ذهابي لعملي.
وما أن وصلت العمل حتى وجدت جميع الزملاء تعلو شفاههم ابتسامة لم افهم مغزاها إلا عندما هتف احدهم في مقابلي: "مبروك يا أستاذ فيكتور".
فسألته: "مبروك علي إيه؟"
فأجابني: "النهاردة يومك والكل حا يحتفل بعيد ميلادك وبخروجك للمعاش".
وقعت تلك الكلمات علي وقع الصدمة فسكت بعض الوقت وفكرت في نفسي: "هل هم يبتسمون لي ليحتفوا بي أم ليسخروا مني؟".
حضرت كل المراسيم التي أعدوها لي والتي سبق لي أن حضرتها عدة مرات, كانت آخرها منذ ثلاثة سنوات حينما بلغ زميل لنا سن التقاعد أو المعاش.
وقتها كنت احتفي بزميلنا وكنت أتوقع أنه في غاية السعادة ولم أكن أفكر في أن ما يحدث له سيحدث لي بعد سنوات قليلة.
انتهت الاحتفال أو قل انتهي العمر بي.. هذا ما فكرت به وأنا عائد لبيتي احمل هدية زملائي وهمومي.
وقتها شعرت أن كل يوم من أيام حياتي إنما يقربني من النهاية المحتومة.
يمثل العمل بالنسبة للإنسان أهمية قصوى, فهو ليس مجرد مصدر للرزق بل هو قيمة الإنسان ومعني حياته.
كما أن العمل أيضًا يشغل ثلث اليوم علي اقل تقدير, وفيه نلتقي بالناس ونتواصل معهم بل ونصنع معهم علاقات نتبادل فيها الأحاديث والمجاملات والمشاعر.
إنه فقد العمل أولًا، ثم فقد الأصدقاء والزملاء الذين كنا نقابلهم يوميًّا ثانيا، ثم انخفاض الدخل وقلة المورد المالي الشهري.
ثم هو أخيرا الفراغ الذي سيعيش فيه الإنسان لبقية عمره.
وهذا ما يدفع المسن إلي عدم اهتمامه بالخروج من البيت تفضيله للجلوس بالبيت لمشاهدة التليفزيون أو لقراءة الجرائد والمجلات, وقلة الحركة هذه تؤدي به فيما بعد لمشكلات صحية وحركية.
كما لا يجد المسن نفسه مضطرًا للاهتمام بمظهره فهو لا يخرج من بيته. وتنحصر علاقاته ويميل للوحدة ويقضي اغلب الوقت صامتا وان تكلم لا يكثر الكلام.
غير أن بعض المسنين لا يتركون أنفسهم فريسة للوحدة والفراغ والتحسر علي الماضي, بل ينطلقون إلي مجاملة الآخرين في المناسبات المختلفة فربما أنهم قبل بلوغهم سن المعاش كانوا منهمكين بالعمل وأما الآن فالوقت متاح للمجاملات.
ويجد بعض المسنين بهجتهم في الخروج من البيت صباحًا للتمشي ولشراء مستلزمات اليوم ثم البقاء في البيت ثم الخروج في المساء لمجالسة الأصدقاء أو لزيارة الأقرباء والمعارف.
غير أن بعض المسنين وبسبب أصابتهم بضعف السمع أو البصر يجدون حرجًا في تواجدهم بين الناس مما يدفعهم للعُزلة.
ومن الظواهر التي تسترعي الانتباه إن المسن يخاف علي ممتلكاته الخاصة حتى وإن بدت تلك الأشياء غير ذي قيمة إلا أنه تمثل بالنسبة له ذِكرَى معينة.. وربما يخاف علي أشيائه لأنه قد لا يستطيع شراء غيرها أن فقدها أو إن أفسدها احد له.
عندما اعتزلت الناس.. واعتزلني الناس عندما انفض الناس من حولي التفت حولي... لم أجد أحدا وجدت نفسي وحيدا وقتها أطرقت برأسي إلي صدري فوجدتك في قلبي يا يسوع تؤنسني في وحدتي
|
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-raphael-nasr/elders/social-life.html
تقصير الرابط:
tak.la/t7wb38n