* علمنا آبائنا القديسون خطورة اقتباس الآية الواحدة دون وضعها في سياقها، لذلك نحتاج أن نفهم لماذا كتب إشعياء هذه الآية في هذا الموضع تحديدًا. في الإصحاح الرابع والأربعون، يتكلم روح الله عن كيف سيفتقد الله شعبه بعد السبي وكيف سيأتي ملك اسمه كورش بعد أكثر من قرنين من الزمان وسيتمم كل مسرة الله. ثم في الإصحاح التالي يوجه الله كلامه لذلك الرجل الفارسي كورش ويقول له:
"أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ. وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ. لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ، وَإِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي، دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ. اُقْطُرِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَلْيُنْزِلُ الْجَوُّ بِرًّا. لِتَنْفَتِحِ الأَرْضُ فَيُثْمِرَ الْخَلاَصُ، وَلْتُنْبِتْ بِرًّا مَعًا. أَنَا الرَّبَّ قَدْ خَلَقْتُهُ."
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
|
|
* وبالبحث الدقيق يمكننا أن نجد في العبادة الفارسية إلهًا لكل أمر قاله الرب إلهنا في القطعة السابقة. فمثلًا إلهنا يقول: " أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ"، أما عند الفارسيين فالإله خشاترا فايرا Khshathra Vairya مسئول عن المعادن ويهتم بها، حتى صوّره الفارسيين بأنه يلبس ملابس معدن. وعندما يقول إلهنا: ". وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ" فإنه يُبطل عبادتهم للإله أنجرا ماينيو (أهريمان) Angra Mainyu المسئول عن الظُلمة والمدمر الأبدي للخير، وهو المسئول أيضًا عن الصقيع الشتوي والحر القاتل الصيفي. ثم يوضح إلهنا لكورش أنه هو الذي خلقه: " دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي"، وهو الأمر الذي كان مسئول عن الإله أهورا مَزدا Ahura Mazda خالق السماء والأرض عند الفارسيين. هكذا بالمثل كان لدى الفارسيين إله السلام -الذي هو نفسه إله المعادن- خشاترا فايرا Khshathra vairya حيث يفرض السلام باستخدام أسلحته، وإلهة الشر الكثيرة والذي منها أشرهم أنجرا ماينيو Angra Mainyu. [21] لذلك يقول إلهنا بكل وضوح: " أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ."
إذا فغرض الآية في هذا الموضع تحديدًا هو إبطال عبادات الفُرس وإظهار الإله الواحد الخالق لكل الأشياء. فإذا كان الفارسيون يؤمنون أنه هناك خالق آخر، فالله أراد بكلامه النبوي أن يُظهر لكورش أنه هو صانع كل الأشياء وليس إله آخر غيره. ولا نستعجب إذًا من ترتُليان في القطعة المُترجمة في محاجاته لماني الفارسي حين يتكلم كثيرًا عن الله ويقول عنه {الخالق}. فهو يوضح أنه واحدٌ خالق كل الأشياء. ونتعجب حين نقترب من تفسير هيبوليتس[22] لهذه الآية حيث يقول إن معناها المقصود هو: "أنا أحافظ على السلام، وأسمح بالحرب[23]". فهل عرف هيبوليتس عبادات الفارسيين لذلك فهم أن الله يريد أن يقول إنه هو المسئول عن السلام وليس خشاترا فايرا وهو الذي يسمح بالحرب وليس أنجرا ماينيو، أم أن روح الرب نبهه لهذا التفسير؟!
_____
[21]Cf. The Circle of Ancient Iranian Studies. (n.d.). Iranian Mythology GODS & GODDESSES. Retrieved from:
http://www.cais-soas.com/CAIS/Mythology/gods_goddesses.htm
[22] أحد لاهوتي نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث الميلادي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/god-peace-vs-calamity/verse.html
تقصير الرابط:
tak.la/bgrgk5h
