نادى ماركيون، والذي يُعد واحد من أقطاب الفكر الغنوصي مثل ماني، أن إله العهد القديم إله شر. لذلك دأب ماركيون على اختيار آيات تؤكد معتقده ومنها أن الله {خالق للشر}. تصدى لفكره ورد عليه العلامة ترتُليان (القرن الثاني) في خمسة كتب. والعلامة ترتُليان يُعتبَر الأب الروحي للمدرسة اللاتينية في تفسير الكاتب المقدس، وهذا ما نراه جليًا في شرحه لهذه الآية ومثيلاتها. فبينما نجد الآباء الشرقيين قد شَبَهوا الله بالطبيب الذي يمكن أن يصنع أمرًا قد يعتبره المريض شرًا ولكنه في الحقيقة دواء، نجد ترتُليان يُشبه الله بالقاضي الذي يمكن أن يقضي قضاءً قد يعتبره المذنب شرًا، بينما القاضي نفسه ليس شريرًا. واضح جدًا إذًا رفض الآباء عمومًا فكرة أن الله يصنع شرًا وإن اختلفت الطريقة التي يشرحون بها.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ترجمة رد العلامة ترتليان[41] على ماركيون:
{ولأن ماركيون أيضًا يُدرك أن الشجرة الجيدة لا تنتج ثمرًا رديئًا، لكنه مع ذلك يذكر "الشر" (في القطعة التي ندرسها الآن)[42] الذي لا يقدر أن يصنعه الإله كلي الصلاح؛ فهل هناك من شرح لهذه "الشرور" ليجعلها متوافقة مع الصلاح الكامل؟ (نعم) يوجد. نقول باختصار أن المقصود "بالشر" في هذه الحالة، ليس ما يمكن نسبه لطبيعة الخالق ككائن شرير، ولكن ما يمكن نسبه لسلطته كقاضي. وفقًا لما أعلنه (الله في قوله) "أنا خالق الشر" أو "هأَنَذَا مُصْدِرٌ عَلَيْكُمْ شَرًّا[43]"، لا تعني الشرور المملوءة خطية، ولكن (الشرور) الانتقامية. أية سمة تلصق بهذه (الشرور) وتكون متطابقة مع شخصية الله القضائية، كما شرحنا مُسبقًا بالقدر الكافي. والآن بالرغم من أن هذه تُدعى "شرورًا"، إلا أنها (كلمة الشرور) لا تستحق اللوم إذا كانت في قضاء؛ وليس بسبب اسمها (الشر) تُظهر أن القاضي شرير، وهكذا بنفس الأسلوب هذا الشر تحديدًا يُفهم بأن يكون واحدًا ضمن مرتبة "الشرور القضائية"، ويتوافق مع (الله) كقاضي. اليونانيين أيضًا يستخدمون أحيانًا كلمة "الشرور" للمتاعب والإصابات، مثلما التي قصدها النص الذي اخترته. لذلك، فإذا ندم الخالق على مثل هذا الشر، وقد أظهر أن المخلوق يستحق اللوم ويجب أن يُعاقب على خطيته، إذًا ففي هذا المثال لا عيب في نسب الطبيعة القضائية للخالق، لأنه عن استحقاق وجدارة قد حكم بالقضاء على مدينة مملوءة جدًا من الإثم. إذًا فما حكم به الله عدلًا، ولم يكن حكمه بهدف شرير، فقد حكم به من مبدأ العدالة، وليس من (مبدأ) الحقد. ومع ذلك أعطاه (الله) اسم "الشر" بسبب الشر والقفر المتضمنين في الشقاء الشديد نفسه.}
_____
[41] Tertullian, The five Books against Marcion, ANF03, Ch XXIV, pg. 315& 316.
[42] في جدل ماركيون حول وجود إلهين واحد للخير وآخر للشر، تعلل بقول المسيح "هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً" (مت 7: 17)، وبذلك استنتج أن الشر الذي في العالم هو بسبب وجود إله للشر، لأن الإله الصالح لا يقدر أن يصنع شرًا، والإله الشرير لا يقدر أن يصنع خيرًا.
[43] (أر 18:11).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/god-peace-vs-calamity/tertullian.html
تقصير الرابط:
tak.la/qjb74kg