يشير القديس يوحنا ذهبي الفم في معظم كلامه إلى أن تسمية بعض الأمور "الشر"، أمرًا في غير محله. فهناك شرورًا مثل الخطايا بكل أنواعها، وهذه حقًا يجب أن تُدعى شرورًا وبالتأكيد هذه ليست من صُنع الله. وهناك أمورًا قد ندعوها شرورًا ولكنها في الحقيقة دواءً، وبالرغم من أنه قد يكون مُرًا، إلا أنه هامًا لحياة المريض. لذلك ارتكز القديس يوحنا في كلامه على تشبيه واحد وهو علاقة الطبيب مع مريضه. فهناك مريض يحتاج لأن يأمره الطبيب بالسجن، أي أن يجعله يدخل بيته ويغلق بابه ويغلق ستائره لأن تعرضه للهواء والشمس قد يفسد حالته. وبهذا السجن فقط يتحسن المريض، بالرغم من أنه يمثل شرًا وضيقًا وتعبًا له.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ترجمة نص القديس يوحنا ذهبي الفم:
عظة ضد الذين يقولون إن الشيطان يتحكم في أمور البشر. [51]
{هناك إذا الشر، والذي هو بالحقيقة شرًا؛ الفسق، الزنى، الطمع، والعديد من الأمور البغيضة التي تستحق اللوم والعقاب الأقصى. ومرة آخرى نقول إن هناك شر، والذي هو بالأحرى ليس شرًا ولكن دُعي هكذا؛ المجاعة، الوباء، الموت، المرض وأمور آخري من هذا القبيل. لأن هذه ليست شرورًا، في هذا الأمر، لقد قلت إن هذه الأمور دُعيت هكذا فقط. لماذا إذا؟ لأنه لو كانت هذه الأمور شرورًا، لما أصبحت مصدر الخير لنا، مؤدبةً لكبريائنا، ناخسةً لكسلنا، مؤديةً بنا إلى الغيرة، منبهةً إيانا. كما قال واحدٌ: "إِذْ قَتَلَهُمْ طَلَبُوهُ، وَرَجَعُوا وَبَكَّرُوا إِلَى اللهِ"[52]. إذن إنه يدعو ذلك شرًا هذا الذي يؤدبهم، والذي يجعلهم أكثر نقاوة، ويجعلهم أكثر غيرة، ويقودهم إلى محبة الحكمة؛ وليس ذاك (الشر) الذي يأتي بالارتياب ومُستحق اللوم؛ لأن هذا ليس عمل الله، ولكنه اختراع إرادتنا، وهو لتدمير الآخر. إنه يُسمي إذن البَليّة (المصيبة)، تلك التي نتجت من العقوبة بالشر؛ وبهذا فإن تسميتها ليست بالنسبة لطبيعتها الخاصة، بل تبعا لنظرة الإنسان لها. لأننا قد تعودنا أن ندعو ليس فقط السرقة والزنى، بل أيضًا الضيقات بلفظ "الشر"، وبهذا فهو يدعو الأمر كذلك بحسب تقدير الإنسان. هذا إذن ما قاله النبي: " هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟"[53]. وهذا أيضًا ما قاله الله بوضوح عن إشعياء: أنا الله " صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ"[54]، (مرةً) ثانيةً يسمي الضيقات شرًا. يُلَمّح المسيح على هذا الشر أيضًا قائلًا للتلاميذ: " يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ."[55]، ويقصد بذلك الضيقة والمعاناة. إنها واضحة إذًا من كل الأوجه، أنه يدعو هنا العقوبة شرًا، وهو بنفسه يجلبها علينا، معلنًا لنا عنايته الإلهية. لأن الطبيب لا يُمدح فقط إذا أرشد المريض إلى المروج والحدائق أو حتى إلى الحمَّامَات، ولا حتى حينما يضع أمامه مائدة جيدة التجهيز، ولكن أيضًا حينما يأمره (يأمر الطبيبُ المريضَ) أن يبقى بدون طعام، وحينما يُضيّق عليه بالجوع ويرهقه بالعطش، يَحِدُّ حركته بسريره وجاعلًا بيته سجنًا، حينما يحرمه من الضوء ويُظلِم حجرته بالستائر من كل جانب، حينما يقطع وحينما يكوي، وحينما يُحضِر أدويته المرة، فهو على كل حالٍ طبيب. كم يكون إذًا منافيًا للعقل أن يُدعى ذاك الذي يقوم بكل (هذه) الأمور الشريرة طبيبًا، ولكن يُجدَف على الله حينما يصنع واحدة من هذه الأمور إذا ما جلب مجاعة أو موت، وتُرفض عنايته الإلهية التي فوق الكل؟ ومع ذلك، فهو الطبيب الوحيد والحقيقي لأنفسنا وأجسادنا. في هذا الصدد، فإنه أحيانًا يُهَدّأ طبيعتنا المسرفة في الخلاعة وهي متنعمة، والمتمخضة في حُمّى من الخطايا، وعن طريق الاحتياج (الفقر)، والجوع، والموت، وغيرها من الضيقات وسائر الأدوية المعروفة لديه، يحررنا من الأمراض. وقد يقول أحد أن الفقير وحده هو الذي يشعر بالجوع، إلا أنه لا يؤدب بالجوع وحده، بل بأمور آخري لا حصر لها. فهذا الفقير ينصلح أحيانًا بالجوع، ولكن الغني وهذا الذي يتمتع بالرفاهية، فبالمخاطر والأمراض والوفيات غير معلومة الوقت. لأن (الله) لديه الكثير من الموارد، والأدوية التي لديه لأجل خلاصنا هي متعددة.}
_____
[52] (مزمور 78: 34).
[53] (عاموس 3: 6).
[54] (إش 45: 7).
[55] متى 6: 34، وفي شرح القديس يوحنا ذهبي الفم في تفسيره لإنجيل متى (NPNF 110) نجد أنه يذكر نفس الأفكار السابقة. وقد أضاف إليها أنه لا شيء يضر (يُوجع) النفس بقدر الاهتمامات (الهموم) والقلق.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-pakhomius-marcos/god-peace-vs-calamity/chrysostom.html
تقصير الرابط:
tak.la/2batk7z