محتويات: (إظهار/إخفاء) |
تقدمت إليه امرأة المسيح يمدحها من الذي أعلن القصة ومن الذي نشرها في العالم كله؟؟ ما أعظم محبة الله وحنانه: لماذا تزعجون المرأة؟ |
"وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن فسكبته على رأسه وهو متكئ" (مت 26: 6، 7).
هذه المرأة قد يبدو أنها نفس المرأة التي ورد ذكرها في الأناجيل جميعًا، ومع هذا فليس الأمر كذلك – فقد ورد ذكرها في الأناجيل الثلاثة، أما انجيل يوحنا فيرى فيها شخصية مختلفة.. شخصية تثير الإعجاب.. هي أخت لعازر (يوحنا 12: 3).
لم يكن ذكر سمعان الأبرص بغير هدف، ولكن لكي يبين متى آمنت المرأة وأتت إلى المسيح... فكم كان مرض سمعان مثيرا للاشمئزاز والنفور؟ ولكنه فاز بالشفاء (وإلا لما جالسه يسوع في بيته) فآمنت المرأة أنها أيضًا يمكن أن تتطهر من أدناسها بسهولة عند المسيح.
وليس عبثا أورد البشير اسم مدينة بيت عنيا، ولكن لكي نعلم أن المسيح يذهب بإرادته إلى المكان الذي يرغبه، فالمسيح الذي كان من قبل يهرب مجتازا في وسطهم نراه الآن، وفي ثورة حقدهم وحسدهم، يقترب منهم على بعد خمسة عشر غلوة، لنعلم أن اجتيازه السابق إنما كان جزءًا من تدبيره.
ولقد أتت هذه المرأة بعد نساء كثيرات: السامرية، الكنعانية، نازفة الدم.. وأخر كثيرات ولأن هذه المرأة كانت تشعر بدنسها لهذا لم تأت إلى المسيح في مكان عام بل في بيت الأبرص.
وبينما جاءت النساء الأخريات طلبا للشفاء الجسدي كانت هذه لا تطلب إلا الشفاء الروحي –إذ لم تكن تشكو من علة جسدية– ولهذا استحقت الطوبى. كما أن مجيئها لم يكن كما لرجل عادي، وإلا لما كانت في حاجة إلى عسل قدميه ومسحها بشعر رأسها الذي هو أكليل مجدها.
"فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا قائلين لماذا هذا الإتلاف. لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير ويعطى للفقراء. فعلم يسوع وقال لهم لماذا تزعجون المرأة فإنها قد عملت بي عملا حسنا.لأن الفقراء معكم في كل حين. وأما أنا فليت معكم في كل حين. فإنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدي إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني. الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضًا بما فعلته هذا تذكارا لها" (مت 26: 8 – 13).
لماذا كان التلاميذ يفكرون هكذا؟! أليس لأنهم سمعوا معلمهم يقول لهم "أريد رحمة لا ذبيحة" (مت 9: 13) وسمعوه وهو يوبخ اليهود لأنهم تركوا أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان، وتجادلوا حول العشور. واستنتج التلاميذ انه اذا كان قد رفض تقدمات اليهود فمن باب أولى سيرفض هذا الطيب.
هكذا كان يفكر التلاميذ... أما السيد فانه يعرف مقدار ما كان لها من الغيرة.. حتى أنه سمح لها أن تصب الطيب على رأسه...
غير أن التلاميذ لجهلهم بنواياها، لم يروا إلا الخطأ في تصرفها... وفي اتهامهم لها أوضحوا مقدار سخائها وكرمها لأنه بقولهم "كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير" أبانوا مقدار ما أنفقته هذه المرأة في شراء الطيب، ومقدار الكرم الذي أظهرته بسكبه. ومن ثم فقد عنفهم المسيح بقوله "لماذا تزعجون المرأة" ولكي يبين لهم ما خفي عليهم قال "إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني" وكذلك "لأن الفقراء معكم كل حين وأما أنا فلست معكم كل حين" وأيضا "حيثما يكرز بهذا الإنجيل يخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارا لها".
وتأمل أيضًا كيف يعلن التلاميذ مقدمًا أمر تسليمه إلى الأمم، ومواساته لهم عن موته... إذ بعد الصليب يشع ضياء المسيح ويكرز بالإنجيل في كل العالم.
يا لشقاوة من يتغاضى عن هذه الحقيقة؟ ها قد تحقق كل ما ذكره السيد.. وأينما وجهت وجهك في أي مكان تذهب إليه في العالم، ستسمع بما فعلته هذه المرأة تذكارا لها.
لم تكن تلك المرأة ذات شهرة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولم تتم هذه القصة في حضور شهود كثيرين، كما لم تتم في مكان عام، بل جرت في بيت... وأي بيت؟ في بيت أبرص، وبحضور التلاميذ وحدهم...
إنها قوة صاحب هذه الكلمات. إذ بينما أسدل ستار من النسيان على كثير من الملوك وقادة الجيوش، وعلى العديد من الاستكشافات.. ورغم عظمة الانتصارات التي حققها هؤلاء حين هزموا المدن، وأطاحوا بالجيوش، وأقاموا النصب التذكارية، وساقوا شعوب الدول المغلوبة أسرى – فإنهم باتوا غير معروفين ولا حتى بالاسم. ورغم أنهم أقاموا التماثيل، وسننوا التشريعات والقوانين، فإنهم لم ينالوا من الشهرة ما نالته امرأة صبت الطيب في بيت رجل أبرص.. وفي حضرة عشرة رجال. وانقضى زمان طويل، ولم يضعف تذكار قصة هذه المرأة... بل إن ما فعلته سرًّا في أحد البيوت، صار علانية في العالم أجمع.
انه يحتمل خاطئة.. خاطئة تقبل قدميه، وتدهنهما بطيب، وتمسحهما بشعر رأسها.. وهو يتقبلها ويبكت من يؤنبها... لأنه لم يكن من العدل أن يلقى بمن له إيمان وانسحاق مثل هذه المرأة في هوة اليأس.
لم يكتف المسيح بقوله "إنها قد عملت حسنا" لكنه قبل ذلك قال "لماذا تزعجون المرأة؟..." وقاصدا أن يحثهم على ألا يطالبوا الضعيف بأكثر مما يحتمل. ولهذا فهو لا ينظر إلى العمل من حيث كونه عملا بل من حيث من يقوم به... فلو كان يريد أن يعلمنا الشريعة لما أورد لنا قصة المرأة، ولكنه أراد أن يعلمنا أن هذه الأقوال قيلت من أجل المرأة، حتى لا يتزعزع إيمانها الحديث بل يجعله ينمو. ولهذا نطق بهذه الأقوال كي يعلمنا أن نتقبل أي عمل طيب –حتى لو لم يكن سليمًا تمامًا– بحيث لا نتطلب الكمال منذ البداية... وإلا لكان هو بالأحرى حريصا على هذا..
لم يكن الوقت مناسبًا لمطالبة المرأة بتصحيح عملها بل الاكتفاء بقبوله. مع أنه لو تقدم إليه إنسان آخر ليسأله عن رأيه في مثل هذا الموضوع، لما كان قد وافق عليه أما وقد عملته تلك المرأة، فلم يفكر السيد إلا في أمر واحد وهو ألا يحيرها بتوبيخ التلاميذ فيعطل إيمانها... بل حرص على أن يصرفها متفائلة مطمئنة.
خاصة أنه ما دام الطيب قد تم صبه بالفعل فما جدوى التوبيخ بعد فوات الوقت؟!
إذن لو رأيت إنسانًا يتبرع بآنية مقدسة، أو أي شيء آخر لتزيين جدران الكنيسة، أو حتى أرضها، فلا تنهره لئلا نشوش إيمانه. لكن أن استشارك قبل شرائها فأنك تستطيع أن تنصحه بأن يوزع ثمنها على الفقراء.
ولأن المسيح قال "أنها فعلت هذا لأجل تكفيني" وحتى لا يتركها مرتبكة لما سمعته، فقد استدك قائلًا "حيثما يكرز بالإنجيل يخبر بما فعلته تِذكارًا لها". وكان في هذا عزاء للتلاميذ وراحة وتطويب للمرأة فهو يقول: جميع الناس يحتفلون بذكراها فيما بعد.. لأنها سبقت فأعلنت عما كنت أرغبه، وأحضرت ما هو مطلوب لتكفيني.. فلا داعي للومها إذن، لأني أنا ذاتي لا أتهمها بعدم اللياقة، أو ألومها بأن عملها غير سليم يستحق أن يكتم أمره، بل على العكس فالعالم أجمع سيعرف ماذا تم في الخفاء في أحد البيوت.. لقد كان هذا العمل ينم عن قلب يكن التقدير والاحترام للمسيح، وعن إيمان حار، ونفس منسحقة...
فهل وعدها السيد بأمور روحية أم بتخليد أبدي؟ لقد أراد أن يشعرها بالثقة في المواعيد الأخرى أيضًا، لأنها أن كانت قد قدمت عملًا صالحًا فمن الواضح أيضًا أنها تتلقى المكافأة المناسبة.
_____
The Nicene & post – Nicene Fathers. 1 st Series Vol. 10: Homily LXXX.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-matthias-farid/disciples/bethany.html
تقصير الرابط:
tak.la/9vzc3kz