عندما ننظر إلى بداية المسيحية في العالم والكرازة بها من خلال الآباء الرسل الأطهار الذين جالوا مبشرين بالكلمة "لاَ قَوْلَ وَلاَ كَلاَمَ. لاَ يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَنًا فِيهَا" (مز 18 : 3، 4).
ترى أنه كان ليس من السهل جداً انتشار هذا الدين الجديد الذي يحمل للبشرية رسالة الخلاص والعتق من قبضة عدم الإنسانية والساعي دائما إلى إسقاطها وتبديدها، وتوقيعها في كل المعاصي والخطايا التي تفصلها عن خلقها ... فمنذ خلقة آدم وحواء سعى الشيطان على الوقيعة بين الإنسان وخالقه، بين المُحِب ومحبوبه، بين الصورة من الأصل، بين الخالد والأزلي والمخلوق من العدم.
وكانت الحرب مع عماليق من جيل إلى جيل "َّ الْيَدَ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ. لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ" (خر 17 : 116).
- لذلك بدأت المسيحية تنتشر بسفك الدم – سفك دم الكارِز من أجل مفاداته بكلمة الحق، وكذلك سفك دم مَنْ يؤمن من أجل خروجه من قبضة الشيطان وأعوانه....
- هنا واذكر ما كتبه د. مصطفى عبد الله سيحه في كتابة دراسات في العمارة والفنون القبطية إذ يقول: [لقد مرت المسيحية في مصر بفترة عصيبة، خلال القرون الثلاثة الأولى للميلاد، تحمل أقباط مصر في سبيلها الكثير من المعاناة وقد سكن هذا الدين الذي يدعو إلى التوحيد في نفوسهم فاعتنقوه ودافعوا عنه، حتى رسخ في نفوسهم وقلوبهم، فلا عجب أن يروى لنا التاريخ كثيراً من قصص الاستشهاد، تفوق في بعض الأحيان حد الخيال. كان على كل من يعتنق هذا الدين الجديد في بدايته أن يدفع حياته ثمناً لذلك، وكان هذا الأمر لا يخفى بصعوبة على حكام مصر الرومان في ذلك الوقت، أو أن يفر بعيداً ناجيا بنفسه ودينه إلى الصحراء، يسكنها ويتعبد فيها، بل ويجتر فيها آلامه بصبر وجلد، فهو يفارق كل من حوله، إلى حياة أخرى، يخلو فيها لنفسه وعبادته.
- ويعتقد كثير من الباحثين أن حياة الرهبنة الأولى في مصر بدأت مباشرة بعد وفاة القديس مرقس الإنجيلى، فقد نشأ بينهم نوع من الزهد والتقشف، في منازلهم وإن كانت أعباء الحياة ومتطلباتها، لم تمكنهم من القيام بواجباتهم الدينية على الوضع الصحيح، مما دفع الكثير منهم إلى الخروج إلى الجبال والصحراء ليعيشوا في أماكن معزولة، يمارسون فيها نوعاً من حياة الزهد والتقشف على نطاق واسع.
وليس هناك شك في أن طابع الخروج إلى الصحراء الغرض الديني بحث وعبادة خالصة لوجه الله تعالى ونصرة دين جديد أحبه واعتنقه شعب مصر في ذلك الوقت، كان من شأنه أن يوجد طبقة أولى من الرهبان، الذين وضعوا أسس نظام الرهبنة في العالم كله -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- حيث انتشر بعد ذلك. فقد كانت مصر مهد نشأة هذا النظام، وكانت الصحراء الشاسعة خير عون على قيامة ومن مصر انتشت إلى العالم المسيحي] (1)
_____
(1) دراسات في العمارة من الفنون القبطية – د. مصطفى عبد الله شيحة – القاهرة – مطبعة هيئة الآثار المصرية سنة 1988 – صـ 15.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/patriotic-copts/dark.html
تقصير الرابط:
tak.la/gw9prda