تلعب الرعية كمؤسسة (أي الكنيسة) دورًا هامًا، بل أساسيًا، في حياة المؤمنين، من الناحية القانونية (معاملات)، والاجتماعية (نشاطات اجتماعية مختلفة)، والدينية (العماد، التثبيت، الزواج، التعليم المسيحي..)، كما تلعب دورًا هامًا في تحديد هويتهم، والرعية هي المكان الذي يُعاش فيه هذا الانتماء، على المستوى الفردي والعائلي والاجتماعي.
"تبقى الرعية المكان الذي يشدّ إليه، بأوثق رباط، الشعب المسيحي وحتى من لا يمارسون الفرائض الدينية وهي البؤرة التي تتمحور حولها الحياة الروحية والكنسية والاجتماعية للمؤمنين. فعلى المستوى الاجتماعي تتمتع الرعية بدرجة عالية من المصداقية في المجتمع عمومًا، حيث انها تستقبل الجميع بغير استثناء، وتعتبر مرجعا في الإشكاليات الاجتماعية التي تحصل في بيئتنا، خاصة القروية منها. وعلى المستوى الديني والكنسي والروحي، فالرعية هي مركز لقاءات واحتفالات وصلوات واجتماعات وندوات وتعبدات شعبية تترك أثرها في النفوس، وتساهم اليوم –كما ساهمت في الماضي– في المحافظة على الإيمان، كما أنها مركز إشعاع لغير المؤمنين. ان جميع هذه الإمكانيات تجعل الرعية مكانا لا بديل له للتجدد الروحي والكنسي والديني والاجتماعي في أبروشياتنا.
فالتعريف الاجتماعي لها (الذي تعبر عنه كلمة "طائفة") يتغلب في كثير من الأحيان، على التعريف اللاهوتي والكنسي (الذي تعبر عنه كلمة "رعية") وهذا ما يجعلها في نظر البعض مجرد مركز خدمات اجتماعية يلجأون إليه عند الحاجة المادية والمساعدات، أو مركز ترفيهي يقصدونه لما يوفره من خدمات في هذا المجال، أو مركز لخدمات قانونية (معاملات، شهادات..)، أو مركز لخدمات دينية تحولت إلى مجرد عادات وتقاليد اجتماعية (زواج، ..) بعيدة أحيانا عن المعنى الديني الحقيقي.
لا تزال الرعية مؤسسة كنسية ثابتة وقوية وضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. ففيها من الإمكانيات الاجتماعية والدينية والروحية ما لا تستطيع أن تضاهيها فيها أية مؤسسة موازية، أيّا كانت. مهما قيل في الرعية، وبالرغم مما علق بها من سلبيات، فيجب ان تظل موضع اهتمام ورعاية. فهي المؤسسة "القديمة والجديرة بالإجلال، والتي تحمل رسالة تتلاءم جدا مع واقعنا الحالي، ولا غنى عنها".
وهذا ما يدعو إلى المحافظة على الرعية والتمسك بها، وما يدعو أيضا، في الوقت عينه وبالقوة نفسها، إلى تجديد وجه الرعية وإحيائها وتنشيطها وتفعيلها ومواجهة ما علق بها من شوائب ونقائص كي تواصل رسالتها الاجتماعية والدينية والروحية، وتأخذ حجمها الحقيقي وسط المتغيرات الاجتماعية والكنسية والدينية والروحية. "يقضي الرأي السديد المستند إلى الحقيقة والواقع، كما تقضي الحكمة بعقد العزم على مدّ هذه الرعية، لدى الحاجة، بهيكليات أكثر ملاءمة، وبالأخص، على إعطائها دفعا جديدا".ان تجديد حياتنا الكنسية يبدأ بالرعية ويمر بها، وبدونها لا يمكن أن يحصل أي تجديد رعوي وكنسي حقيقي. ويشمل هذا التجديد الرؤية اللاهوتية والروحية والدينية والرعوية والاجتماعية.
في الرعية، يصبح الانتماء إلى الكنيسة واقعًا حيًا، وملموسًا، ومرئيًا. انها "جماعة المؤمنين".
انها "الشعب الجديد الذي دعاه الله في الروح القدس وكمال اليقين. فيها يتجمع المؤمنون للدعوة بإنجيل المسيح، وفيها يحتفل بعشاء الرب".
ان الرعية، في نهاية الأمر، مؤسسة على واقع لاهوتي: فهي "جماعة إفخارستية" تتأسس على الاحتفال بالخبز الواحد والكأس الواحدة مما يجعلها شعب الله الواحد (1 كورونثوس 10: 16).
وهذا ما يجعلها "جماعة إيمان وجماعة عضوية، أعني أنها مؤلفة من إكليريكيين مرتسمين ومن غيرهم من المسيحيين، يرئسهم كاهن الرعية المسؤول، الذي يربط الرعية بالكنيسة،
. ان هذه الهوية اللاهوتية والإيمانية لا تلغي بالطبع دور الرعية الاجتماعي، بل بالعكس تعطيه مضمونا وروحانيّة، حيث ان هذه الرؤية الإيمانية لها انعكاساتها العميقة على المستوى الاجتماعي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/pastoral-work/introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/v5zptpv