* وتضم هذه الفئة كافة العذارى من الرجال والنساء على السواء (فكلمة عذراء يقصد بها النفس البشرية عامة التي نذرت البتولية) إذ كان لقب عذراء يُطلق على كلا الجنسين منذ القديم.
* ويؤكد ذلك ما ذكره أحد المؤرخين من أن آباء الكنيسة وهم يناقشون مسألة العُذرية (البتولية) كانوا يقصدون العُذرية (البتولية) كحالٍ مُثلى للذكور أيضًا. وقد شاع استخدام هذا المعيار المزدوج بالنسبة للمرأة والرجل لدرجة أن آباء الكنيسة أنفسهم لم يتمكنوا من التحرر من تأثيره حين كان يتعين عليهم أن يُدلوا بآرائهم في المسائل الجنسية.
* وقد جاء هذا الخلط عند الآباء مقصودًا أحيانًا في معظم كتاباتهم، لأنهم كانوا لا يُوجهون كلامهم إلى الجنس بل إلى النفس البشرية، التي هي في الحقيقة قد أستحقت جل أهتماماتهم. حيث أن المسيحية قد ألغت في المسيح يسوع جميع الفوارق بين جميع الأجناس.
* تغلغلت الحياة النسكية بقوة داخل الأسرة الواحدة، ففي تلك القرون الثلاثة الأولى للميلاد وُجدت موجة عارمة من العزوف عن كل شيء مادى، حتى المعاشرات الزوجية المقدسة بين الزوجين فقد أصبحت أيضًا زهيدة في اعينهم. وعاش الرجل مع زوجته في عفاف كامل، متخذين الطريق النُسكى حياة ً داخل الأسرة الواحدة.
* وكما أكد أحد المؤرخين أنه ظهرت في تلك الفترة ما عُرف بالزواج الروحي، وهو أن يعيش رجل مع إمرأة في بيت واحد، في أخوية روحية تَقَوِيّة دون علاقة جسدية (ولكن يربطهم سر زيجة مقدس).
* وإزاء هذا فقد سنت الكنيسة القوانين، التي تنظم هذه العلاقة المقدسة في الأسرة، ولمنع التطرف أو المغالاة فقد أشار القديس إكليمندس الرومانى في قوانينه إلى أنه لا يحل للمتزوج من الأساقفة أو القساوسة أو الشمامسة أن يترك إمرأته لعلة الزُهد أو الخروج للتنسك تأنفًا منه، ومن ثم يعتبر أن ملامسته لها نجاسة، لهذه العلة لا يُخرجها من منزله وأى أسقف أو كاهن أو شماس أو علمانى، امتنع عن المعاشرة الزوجية على أنها نجاسة ففعله ذلك جهالة وطُغيان. ولكن إن ترك ذلك جميعه بعد إقراره أنه حلال وما هو إلا ترك للذات، فذلك مباح له.
* أما عن الحياة النسكية في هذا القرن، فقد امتازت ببداية ممارسة هذه الحياة بعد أن أسسها الرب يسوع ذاته، حيث أخذ النساك هذه الحياة عنه وليس عن آخرين، سواء من تعاليمه أو من سلوكه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي هذا القرن سمعنا عن السيدة العذراء التي استأجرت منزلًا جمعت فيه بعض العذارى، اللواتى عشن تحت إرشادها في شبه دير، مكونين في هذا أول مجمع نسكى لحياة الشركة، والآباء مارسوا أيضًا هذه الحياة، فالقديس متى الرسول يبشر بها، حتى إن بعض المؤرخين لقبوه بالمبشر الأول لرهبنة العذارى، والقديس مرقس الرسول عن طريق كرازته امتلأت أرض مصر بالنساك قاطبة. والآباء الرسوليون وهم تلاميذ الآباء الرسل، قد مارسوا وشجعوا هذه الحياة أيضًا. فنسمع عن القديس إكليمندس الرومانى أنه أسس جوقات من العذارى في كنيسة روما، وآخرين من الذين وضعوا اللبنة الأولى في البناء النسكى بسلوكهم أو بتشجيعهم. هذا البناء الذي أُسس على صخر الدهور شخص السيد المسيح له كل المجد.
* وفي الحقيقة لم يكن هؤلاء نساكًا بالمعنى والشكل الذي نراه اليوم في الآباء الرهبان، بل كانت حياة نسكية كاملة في السهر والصوم والصلاة والإعتكاف والترك، ولكن في الكثير منهم بدون صفة رسمية، ولكن أصبحوا قادة بالمعنى الروحي، لآن سيرهم ملأت العالم المسيحي. فقلد البعض سيرة جهادهم النسكى فأصبحوا مثلًا وقادة بهذا المعنى.
* وهكذا على مدى ثلاثة قرون ظهرت ووضحت الحياة النسكية حتى أخذت شكلها الأخير في الرهبنة المسيحية التي نشأت على أيدى أبيها الروحي القديس الأنبا أنطونيوس في عام 350م وبهذا كانت الحياة النسكية في القرن الأول كجنين في رحم الكنيسة ينمو قليلًا قليلًا حتى أخيرًا ظهر في شكل الرهبنة المسيحية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/nicea-church/asceticism-three.html
تقصير الرابط:
tak.la/rkk8s3r