+ إن عقيدة الثالوث القدوس – أي الآب والابن والروح القدس – الأقانيم الثلاثة المتساوون في الجوهر الإلهي وأيضًا متساوون في القداسة هي الأساس الراسخ عندنا في كل فكر ديني، فالنفس البشرية المسيحية عامة في بحثها عن الله إنما هي في الواقع تبحث وتفتش جيدا عن الثالوث القدوس.
+ فعقيدة الثالوث هي ليست من اختراع بشر ولا نادى بها أحد القديسين القدامى معلمي الكنيسة بل هي حقيقة أعلنها الله نفسه لأجل خلاص كل البشرية فيسميها القديس غريغوريوس النيصي بـ(العقيدة الخلاصية) فهي عطية من الله لنا لأجل خلاصنا.لذلك فعقيدة الثالوث مثلا مثل أي عقيدة تخص إيماننا ليست من فكر بشرى.
+ وحسب تعليمنا الأرثوذكسي نؤمن أن كل العقائد نابعة من الإعلان الإلهي الذي تعرف السيد المسيح الله لم يعرفه أحد قط، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبَّر (يو8:1).
+ والابن (كلمه الله) عندما استعلن كشف لنا سر الثالوث فهو الذي اظهر لنا نور الآب الذي انعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية (القداس الغريغوري).
+ وعقيدة الثالوث ليست نتيجة لأفكار بشرية وأيضًا ليست لها علاقة بالمعرفة والحكمة البشرية والمعرفة البشرية ليست بالتالي هي مصدر عقيدة الثالوث.
+ عقيدة الثالوث ليست ثمرة تجارب أو خبرات تاريخية ودينية.. فالإنسان لا يستطيع أن يصل إلى هذه العقيدة بل هي أعطيت له من الله.. فأصلها أبعد من قدرات الإنسان إذ هي واقع آخر يفوق واقعه الحالي.. فالسيد المسيح إلهنا الحي هو الذي أعلن وكشف لنا عن هذه الحقيقة..
+ ولقد أدرك آباء الكنيسة تلك الحقيقة وعاشوها..لذلك نجد القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات يصف عقيدة الثالوث القدوس بأنها (رأس الإيمان).
+ ويشدد القديس أثناسيوس أيضًا على أن الكنيسة قد أسست الإيمان بهذه العقيدة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. والتي بدونها لا يمكن للإنسان أن يكون مسيحيا فيقول (دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة وتعليمها وإيمانها الذي هو منذ البداية والذي أعطاه الرب، وكرز به الرسل وحفظه الآباء. وعلى هذا الأساس تأسست الكنيسة ومن يسقط منها فلن يكون مسيحيا ولا ينبغي أن يدعى كذلك فيما بعد. وإذن يوجد ثالوث قدوس وكامل يعترف بلاهوته في الآب والابن والروح القدس).
+ إن عقيدة الثالوث لم تبدأ بتجسد الابن الوحيد بل هي حقيقة أبدية لأننا نجد في العهد القديم نصوصًا أخذها الآباء واستشفوا منها ما يوضح حقيقة الثالوث مثل قول الرب بصيغة الجمع في سفر التكوين نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا (تك26:1).
+ غير أن بتجسد الابن الوحيد الجنس استعلنت طبيعة الله وحقيقته.. وأيضا كشف لنا سر الثالوث القدوس كاملًا واضحًا..
+ ومن أكثر العقائد التي تعرضت لهجوم شديد ولكثير من الهراطقة هي عقيدة الثالوث.. فمن بين هؤلاء الهراطقة من أتهم المسيحيين بأنهم يعبدون ثلاثة آلهة مثلهم مثل الوثنين ومازال هذا الفكر موجود عند البعض حتى الآن..
+ ومنهم من أنكر إيمانهم بألوهية السيد المسيح الابن المتجسد فأنكروا علاقته الجوهرية بالأب..
+ ومنهم الذي بعدما أنكر ألوهية الابن حاسبين إياه من بين المخلوقات تحول هجومهم ضد الأقنوم الثالث فأنكروا ألوهية الروح القدس..
+ وهنا نجد القديس أثناسيوس الرسولي أول من دافع عن عقيدة الثالوث.. غير أن دفاعه عن ألوهية أقانيم الثالوث قد تميز ببعده الخلاص والكياني.. فمن الواضح تمامًا أن مدخل القديس أثناسيوس إلى فهم وشرح عقيدة الثالوث القدوس كان يقوم على أساس أعمال الله الخلاصية والإعلانية التي تحققت في ظهور الابن الوحيد الجنس بالجسد.. ومن خلال كلمة (هومواوسيوس ὁμοούσιος) كان القديس أثناسيوس يصل إلى العلاقات الأزلية والتمايز داخل جوهر اللاهوت الواحد..
+ ولقد اقتضى القديس كيرلس الكبير أثار من سبقوه من الآباء في محاولاتهم في الدفاع عن الثالوث القدوس والإيمان به وان الثلاثة أقانيم إله واحد.. غير إنه تأثر تأثيرا كبيرا بكتابات القديس أثناسيوس الرسولي خصوصًا تلك التي دافع فيها عن إلوهية الروح القدس مثل رسائله إلى الأسقف سرابيون وذلك لان القديس كيرلس على قناعة تامة بأن الدفاع عن ألوهية أحد الأقانيم الثلاثة هو دفاع عن عقيدة الثالوث القدوس كله.
إن الدخول إلى الأمور الإلهية هو أمر صعب بكل تأكيد حتى بالنسبة لأولئك الذين لديهم الحواس المدبرة على إدراك الأسرار الإلهية.
أو حسب ما يقول بولس الرسول الحكيم جدا كأنهم ينظرون إلى الأمور التي تفوق كل إدراك كما في مراه في لغز (1 كو12:13)
لعل السبب وراء تلك الصعوبة يكمن في أن ذهن الإنسان مثقل جدًا وغير قادر على إدراك الأمور الدقيقة.. ولهذا رغم إنه من الواجب أن نتحدث عن الأمور الإلهية. إلا أن الأكثر حكمة هو أن نصمت وبالنسبة للمكلفين بتعليم هذه الأمور فإن الأمر لا يخلو من مخاطر.
والرسول بولس القديس حينما صرخ فويل لي إن كنت لا أبشر (1كو16:9) كان على دراية كاملة بصعوبة التبشير بالإلهيات.
_____
(1) هذا المقال تم نشره في كتاب القديس البابا كيرلس الكبير عامود الدين: بابا الإسكندرية الرابع والعشرون (412-444 م.)، إصدار مجموعة الحياة الكنسية بأسقفية الشباب - أعمال المؤتمر السنوي الثالث عشر للحياة الكنسية - 30 يوليو - 4 أغسطس 2008 م. ببيت مارمرقس بأبو تلات، ص. 32.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-botros-elbaramosy/ebooks/cyril-quaternity/trinity-unity.html
تقصير الرابط:
tak.la/jds5fy5