هل هناك تناقض؟:
أولًا: هل يظهر تناقض في كلام ربنا يسوع المسيح؛ إذ قرر في إنجيل القديس متى: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ." (مت 5: 22). وفي إنجيل القديس لوقا وصف الرب تلميذي عمواس بالغبيان قائلًا: "" فَقَالَ لَهُمَا:«أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ " (لو24: 25- 26).
ثانيًا: وبخ الرب الكتبة والكهنة والفريسيين في الإنجيل واصفًا إياهم بالرياء أو بالعمى أو.. أو... ألا يُعتبر ذلك نوع من الشتيمة والتي تنهي عنها وصايا الإنجيل؟
الإجابة:
الجزء الأول من السؤال:
لا ينطبق كلام الرب في الحالة الأولى في إنجيل القديس متى على حديثه مع تلميذي عمواس في إنجيل القديس لوقا؛ وذلك لأن موضوع كلام الرب مختلف في الحالتين: ففي الموعظة على الجبل في إنجيل القديس متى ينهى الرب عن الغضب باطلًا، أي بدون وجه حق؛ لأن ذلك شر ينشأ عن خطايا حب الذات والأنانية، ويَنتُج عنه الإهانة والتحقير والازدراء بالآخر. أما الغضب على الشر فهو من أجل الله، ومن أجل الحق ويُسَمىَ بالغيرة المقدسة، وهذا لم يُحَرِمَهُ الله بل قال عنه : "اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ." (أف4: 26). أما موضوع حديث الرب في إنجيل القديس لوقا فهو توبيخ تلميذي عمواس، والتوبيخ لازم ومطلوب في أحيانٍ كثيرة. إن التوبيخ واجب من الأكبر نحو الأصغر؛ نظرًا لفائدته؛ وذلك لتوجيهه، أو تأديبه. وقد أرسل معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاؤس يطلب منه ألا يتهاون في توبيخ المخطئين قائلًا له: "اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْف" (1تي 5: 20).
كان كلام الرب في نص بشارة القديس متى صادرًا من الأخ، وإلى الأخ. أما في بشارة القديس لوقا فما قاله السيد الرب بعد صلبه وقيامته من الأموات، وهو صادر من الرب المعلم إلى تلميذيه، وبالطبع تختلف لغة الحوار عندما تصدر من الرب، أو من المعلم، أو من السيد، أو من الأب عنها عندما تصدر من الأخ، ومن غير اللائق بالأخ أن يأخذ منصب المعلم فيوبخ إخوته بشدة؛ لأنه هو أيضًا مُعَرض للخطأ كإخوته، وقد حذر الوحي الإلهي من التعالي على الإخوة قائلًا: "لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!" (يع3: 1). أما الرب فهو السيد والمعلم الكامل والقدوس، وأيضًا هو الديان العادل العالم بكل شيء، ولذلك له كل الحق في توبيخ خليقته. فكيف ينكر أحد عليه حقه هذا!
لقد أرسل معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاؤس، الذي كان أسقفًا ومعلمًا لشعبه يأمره، ويشجعه، لكي لا يتراخى في استعمال سلطانه في التعليم، وذلك بتوبيخ المخالفين لتعليمهم قائلًا: "اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ" (2تي4: 2). أما إن أراد الأخ أن يُحَذر، أو يُنذر أخاه على خطأٍ ما فَليُظهر له وداعة وحبًا له كقول معلمنا بولس الرسول لأهل تسالونيكي: "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُطِيعُ كَلاَمَنَا بِالرِّسَالَةِ، فَسِمُوا هذَا وَلاَ تُخَالِطُوهُ لِكَيْ يَخْجَلَ، وَلكِنْ لاَ تَحْسِبُوهُ كَعَدُو، بَلْ أَنْذِرُوهُ كَأَخٍ." (2تس 3: 14- 15).
· لم يشتم الرب أبدًا ولم يعرف فمه خطيئة بحسب شهادة الكتاب القائل: "الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل" (1بط2: 23). وإن كان الرب لم يشتم، وهو يعاني مرارة الألم (أثناء صلبه)، بل كان يسلم لمن يقضي بعدل -كما شهد معلمنا بطرس الرسول- فكيف يشتم السيد القدوس تلميذيه.
· تحدى الرب اليهود قبل آلامه وصلبه قائلًا: "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" (يو8: 46). فماذا يجعله يتراجع عن ذلك بعد قيامته المجيدة، وهو في جسد القيامة الممجد النوراني الكامل؟! وكيف يفعل ذلك وهو الذي أوصى بذلك في الموعظة على الجبل؟!
· الشتيمة في قواميس اللغة هي إلصاق صفة قبيحة بإنسان دون سند واقعي، وقد جاء في تعريف السب وعقوبته في المادة 306 من قانون العقوبات المصري ما يلي: "كل سب لا يشمل على إسناد واقعة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه خدشًا للشرف والاعتبار يعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171 بالحبس مدة لا تجاوز سنة، وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
· تطبيق عملي
مما سبق يتضح أن السب يكون بغرض الإهانة، والتحقير للغير، والازدراء به، وأنه لا يستند على دليل يؤيد اتصاف الشخص المعتدى عليه بهذه الصفة القبيحة، ولذلك لا تعتبر أمثال الحالات الآتية سبًا أو شتمًا:
1. عندما يصف الأب ابنه موبخًا بالجهل؛ وذلك لأنه يحثه على الاستنارة بالعلم.
2. عندما يصف القاضي المتهم بأنه سارق، أو زانٍ، أو يتهمه بأنه وحش غادر، أو ذئب بشري؛ لأنه يستند في وصفه للمتهم على جرم فعلي قام به الجاني.
3.عندما يخبر الطبيب مريضه بنقصه بأنه أعمى، أو أعرج أو.. أو..).
4.أيضًا يمكن للمعلم أن يوبخ تلميذه، أو الرئيس مرؤوسيه. وهكذا...
لم يسخر الرب، ولم يزدر بالتلميذين، ولم يتهمها بالغباء، أو التخلف العقلي، والدليل على أن توبيخ الرب لهما لفائدة، وليس لازدراء أو الإهانة هو مايلي:
1. ترجمت كلمة الغبيان في ترجمة أخرى هكذا: "يا قليلي الفهم"
2. حدد الرب هذا الغباء في: بطء الفهم في الإيمان فقط فيما تكلم به الأنبياء عن شخصه، ولم يلصق الرب بهما صفة الغباء عمومًا، وذلك بحسب قوله: "أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!"، وهذا يعني عدم فهمهما للأحداث بسبب عدم تصديقهما النبوات.
3. لقد كان تقصيرهما في الفهم عيب يستحق التوبيخ لعلهما ينتبهان لخطئهما، ودليل ذلك قول الرب: "في جميع ما تكلم به الأنبياء"، وهذا فيه إشارة إلى أنهما لم يفهما نبوة واحدة من نبوات جميع الأنبياء الكثيرة، والسبب هو عدم الإيمان.
4. يؤكد الرب تقصيرهما في فهم النبوات التي تشهد أنه كان ينبغي أن تتم الأحداث هكذا كما حدثت بحسب نبوات الأنبياء قائلًا: "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟"؛ فكلمة ينبغي تكشف أنهما لو درسا النبوات بإيمان لكانا قد اكتشفا ذلك بسهولة.
الجزء الثاني من السؤال:
بالقياس وتطبيق ما أوضحناه في الجزء الأول من السؤال لا يكون هناك تناقض، أو شيء يعيب توبيخ الرب لرؤساء الكهنة لما يأتي:
· الرب هو السيد والمعلم، الذي تكلم بكل الحق، وله الحق في توبيخ هؤلاء المعلمين الفاسدين.
· أسند الرب مع كل ويل من هذه الويلات دليلًا من واقع معاملات هؤلاء المُعَلِمينَ الفاسدين مع رعيتهم، وعلى سبيل المثال نعرض بعض نصوص هذه التوبيخات:
1. «لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ،.."
2. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامل، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ.
3. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا."
كانت هذه بعض من الويلات الكثيرة، التي أعطاها الرب للكتبة الفريسيين، ونلاحظ أن كل واحدة منها ملحق بها صفة ذميمة، وهي الرياء وأيضًا سبب استحقاق ذلك الويل.
فأين هذا التناقض المزعوم؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/question-2/03.html
تقصير الرابط:
tak.la/n7y3mmh