إن ما يُعصرَ يُخْرِجُ ما بداخله، كقول الكتاب: "لأَنَّ عَصْرَ اللَّبَنِ يُخْرِجُ جُبْنًا، وَعَصْرَ الأَنْفِ يُخْرِجُ دَمًا، وَعَصْرَ الْغَضَبِ يُخْرِجُ خِصَامًا" (أم 30: 33). كذلك الضيق يكشف ما بداخل الإنسان، ذلك لأن وقت الشدائد يكشف معدن الإنسان.
أظهر صليب المسيح -بكل ما فيه من آلام نفسية وجسدية قاسية- ما بداخل قلبه من قداسة وطهارة وحب. ولهذا ارتعب قائد المئة المكلف بصلب الرب يسوع لما عاين فيه وداعة ولطف، لم يرّْ مثلها من مصلوب من قبل. فقد كان معتادًا أن يسمع ألفاظ السبّاب واللعن والتذمر من أفواه المحكوم عليهم بالصلب، ولكنه هذه المرة رأى إنسانًا وديعًا لطيفًا يطلب الغفران لصالبيه.. رأى المصلوب مُحبًا لا يهتم بمعاناته، لكنه يهتم بتدبير حياة أُمَهُ من بعده.. رآه قائد المئة أيضًا شفوقًا رحيمًا يُنصت ويستجيب لطلبة مجرم مصلوب تائب. لقد كان الصليب أعظم امتحان أظهر للبشرية استحقاق الرب يسوع للمجد والكرامة، كقوله: "وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ" (يو 17: 5).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
القارئ العزيز.. لا تستغرب متسائلًا، لماذا تصيب الأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية والحروب الجميع أبرارًا وأشرارًا؟! إن الضيق امتحان أو معصرة تُخرج ما بداخل الإنسان من خير أو شر. وكثيرًا ما أظهرت ضيقات (مثل ضيقة كورونا الحالة هذه الأيام) إيمان الكثيرين الذين ألقوا رجاءهم على الله، وأظهرت أيضًا حب من مدَّ يد المساعدة للفقراء الذين فقدوا وظائفهم، وأظهرت أيضًا أمانة الكثيرين من العاملين بالقطاع الطبي، وأظهرت اهتمام وتمسك البعض برعاية غير القادرين على رعاية أنفسهم، وهكذا...
إن مثل هذه الضيقات فرصة للشهادة عن حب وطبيعة المسيح القدوس الذي يؤمنون به، كقول الكتاب: "فَيَؤُولُ ذلِكَ لَكُمْ شَهَادَةً" (لو 21: 13). في النهاية.. اعلم أيها القارئ العزيز أن المجد والضيق في حياة أولاد الله المباركين أمران متلازمان، لا يفترقان أبدًا.
قل لنفسك إذا أصابتك ضيقة: إنَّ الله شاء أن يهبني شيئًا من مجده من خلال هذه الضيقة، لأنه هكذا وصف الكتاب المقدس آلام صلب الرب يسوع المسيح، قائلًا: "... لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ" (يو 7: 39)، ولكن أنصحك أن تصلي وتسهر دائمًا، لتكون مستعدًا لمثل هذه الأوقات، لأن الضيقات تأتي فجأة، لتغربل، وتفرز البشر، كقول الرب لبطرس الرسول: "وَقَالَ الرَّبُّ: سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ..." (لو 22: 31-32).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beneficent/press.html
تقصير الرابط:
tak.la/88tf9gm