"فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا..." (تك1: 25).
إن أعداد الأجناس المعروفة من الحيوانات كثيرة. لقد خلق الله أجناس عديدة من الحيوانات والنباتات، ولكن الإنسان خلق من جنس واحد، فهل هناك حكمة من وراء ذلك؟
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي لم يذكر الله أن له أجناس متعددة. هو جنس ونوع واحد، لأن البشر كلهم متشابهين في التركيب الوراثي. كل الرجال وكل النساء لهم نفس التركيب الوراثي، بدليل إمكانية زواج أي رجل من أي امرأة على وجه الأرض، وإنجابهم ابنَا مشابهًا لهم في التركيب الوراثي.
إن الطبيعة الواحدة المشتركة بين بني البشر وراء العمل الخيري والتقدم العلمي والتكنولوجي الكبير، الذي أتمه الخيرون من البشر. فقد قام الخيرون من البشر بإقامة المستشفيات ودور الأيتام، وقام العلماء الذين أحسوا بحاجات وأتعاب إخوتهم من المحتاجين المتألمين، باختراع أدوية طبية شافية ونافعة، وأيضًا أجهزة تعويضية، وما إلى ذلك من اختراعات نافعة.
لم يكن الدافع من وراء هذه الاختراعات الكثيرة هو النفع الشخصي لمخترعيها فقط، بل حل مشاكل المجتمع، وتخفيف آلام وأوجاع البشرية. كان هذا مبررًا قويًا، لدفع هؤلاء المخترعون للجدِ والاجتهادِ من أجل جسد البشرية الواحد.
يجتمع البشر فيما يلي:
1. الطبيعة الجسدية والنفسية المشتركة
وهو ما يسميه الكتاب اللحم والدم، كقوله: "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ" (عب2: 14).
2. طبيعة روحية مشتركة
لأنهم خلقوا على صورة الله ومثاله، كقول الكتاب: "وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا..." (تك1: 26).
يرث الابن كل ما لأبيه من صفات سواء كانت نقاط قوة أو ضعف، وبهذا يتشابه الأب وابنه، وهذا ما عبر عنه أبونا آدم حينما خلقت حواء امرأته بقوله: "فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي..." (تك2: 23). وهكذا صار أبناء آدم جميعهم مشتركين في اللحم والدم.
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
خلق الله البشر من واحد حتى يربطهم رباط الحب والمسئولية تجاه بعضهم بعض. إن البشر يتأثرون، ويؤثرون على بعضهم البعض، لأنهم من أب واحد، ويحملون طبيعة واحدة مشتركة، فيا ليت البشر يحفظون بالحب وحدانيتهم، التي جبلوا عليها على مثال الله، كقول الكتاب: "وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ" (يو17: 22).
شابهنا الرب يسوع في كل شيء، ولهذا دعيَّ بجدارة آدم الثاني، كقول الكتاب: "الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ" (1كو15: 47).
افتراض تعدد أجناس البشر تجعل وحدانية البشر مستحيلة، وتقف عائقًا في سبيل فدائهم وخلاصهم، لأنه في حال وجود أكثر من جنس يحتاج فدائهم لأكثر من مسيح. وهذا غير معقول لأن الرب يسوع المسيح هو إله واحد، ووسيط واحد بين الله والبشر، يحمل جسد بشريتنا، وينوب عن كل نفس، لأنه شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، كقول الكتاب: "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ. لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1تي2: 5-4).
لا يصلح أن يفدي البشر أحد الملائكة أو الخلائق، لكن الرب يسوع المسيح الفادي صار رحيمًا، لأنه حمل طبيعتنا، ولهذا فهو يشعر بآلامنا، ويرثي لضعفنا كقول الكتاب: "مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ" (عب2: 17).
لقد صار الرب يسوع المسيح رئيس كهنة وذبيحة حية ثمينة مقبولة عنا، لأنه ينوب عن كل إنسان بفضل الطبيعة الإنسانية الواحدة المشتركة (اللحم والدم).
علمنا الرب يسوع المسيح أن نشارك الجميع آلامهم وأفراحهم، وقد شارك الرب أسرة لعازر (الذي أقامه بعد أربعة أيام من موته) آلامهم، وحضر الرب مع أمه العذراء العرس بقانا الجليل.
لقد أكد الوحي الإلهي ضرورة ذلك، بقوله: "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ" (رو12: 15). إن الطبيعة الواحدة تعطي الإنسان سببًا ودافعًا لمحبة القريب، التي أوصى بها الرب بقوله: "وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (مت22: 39).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/human.html
تقصير الرابط:
tak.la/nqkx99p