"وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا... وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا.. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا رَابِعًا.. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا خَامِسًا... وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا" (تك1: 5- 31).
قَسَّمَ الله زمن خلقة الكون لأيام في تسلسل زمني، ولكن ما هو المعنى من وراء ترقيم أيام الخليقة المختلفة؟
إن الترقيم ينم عن ترتيب ونظام، وهو يعبر عن حكمة ومعرفة الخالق بأمور خليقته، وما تحتاج إليه لتحيا في سلامة وآمان. فيما يلي نتأمل في ذلك من خلال النقاط التالية:
لقد أعطى الوحي الإلهي كل يوم من أيام الخليقة الستة رقم معين بحسب ترتيب زمني محدد، وبأسبقية حدوثها، فالنور خُلق أولًا، والإنسان خُلق أخيرًا بعد المخلوقات الأخرى من الجماد والنبات والحيوان، وهكذا.. لم يكن ممكنًا أن يخلق الله أي من تلك المخلوقات، التي خُلقت بترتيبِ زمني مخالف لما خلقت فيه.
إن هذا الترقيم يعبر عن ترتيب. والترتيب هو نظام فيه يجب أن تكون الأمور متتالية واحد بعد الآخر، فلا يصح مثلًا أن يخلق الله الإنسان الذي خلق في اليوم السادس قبل النور، الذي تمت خلقته في اليوم الأول، ولا قبل ظهور اليابسة والمزروعات التي يتغذى عليها الإنسان، وإلا ما أمكن لله أن يقول الله للإنسان: "وَقَالَ اللهُ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا" (تك1: 29).
النظام يعبر عن حكمة وفكر. وما يُعمل وفق نظام معين فهو يعمل وفق قواعد، قد بنيت على علم وفهم، وهو أيضًا يتفق مع الحسابات التي تضمن للعمل النجاح في نهاية الأمر. أما ما يعمل بطريقة عشوائية فيعمل دون الاهتمام بالفهم أو بالحكمة. إن إلهنا هو إله الحكمة لذلك فهو يعمل أعماله بنظام، ولهذا كل أعماله صالحة ونافعة كقول الكتاب: "مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ" (مز104: 24).
في العشوائية تتضارب الأمور معًا، ليهدم بعضها الآخر، أو يبطل أحداهما منفعة وفائدة الآخر. إن النظام يضمن النجاح، لأن الأمور التي يحكمها نظام تسير في سلامة وفي تجانس وتوافق، ولا تتضارب معًا. إن إلهنا هو إله السلام والنظام، الذي خلق الكون في توافق عجيب، دون تشويش أو تضارب أو تناقض، كقول الكتاب: "لأَنَّ اللهَ لَيْسَ إِلهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ" (1كو14: 33).
← اقرأ هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت كتب أخرى لنفس المؤلف.
وضع البشر الأنظمة المدنية، التي تضمن للناس العيش سويًا في سلام، وتجنبهم الفوضى والخراب الناتج من تضارب مصالحهم وأهوائهم مع بعضهم البعض، وهكذا ساد القانون المجتمعات. لقد اخترع البشر أيضًا القانون الدولي الذي ينظم علاقة الدول ببعضها. وقد ألزم الله المؤمنين بالخضوع للأنظمة والملوك والسلاطين، كقول الكتاب المقدس: "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ" (رو13: 1).
إن النظام هو منهج إلهي متكامل يخص الحياة بكل تفاصيلها. لقد وضع الله للإنسان نظام (شريعة) لكي يسلك، ويحيا به. إن الشرائع تحتوي على الوصايا الإلهية التي تحدد علاقة الإنسان بالله وبأخيه الإنسان، وتضمن خيره وسلامته. وقد مدح الوحي الإلهي الوصية الإلهية كنظام يضمن للإنسان الحياة، ويجنبه الهلاك قائلًا: "لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ الأَدَبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ" (أم6: 23).
يتضمن الكتاب المقدس وصايا الله وتعاليمه التي وضعها كأنظمة ضامنة للحياة الأبدية، والتي تقود من يحيا بها في طريق الحق المؤدي للحياة الأبدية، كقول الرب: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي" (يو14: 6). أما الكنيسة فقد شهد الكتاب المقدس لها، قائلًا: "... فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُه " (1تي3: 15).
إن العمل بالوصايا الإلهية أمر حيوي، وليس أمر ثانوي يجوز العمل به أو إهماله، ذلك لأن حفظ الوصايا يؤدي بالإنسان للحياة الأبدية، وفي التعدي عليها وإهمالها الموت والهلاك الأبدي، كقول الحكيم: "حَافِظُ التَّعْلِيمِ هُوَ فِي طَرِيقِ الْحَيَاةِ، وَرَافِضُ التَّأْدِيبِ ضَالٌّ" (أم10: 17). إن الله لا يُجبر أحدًا على حفظِ وصاياه، لكنه أمين، ولهذا يعلن مرارًا وتكرارًا بطرق كثيرة عن نفع الالتزام بالوصايا، كنظام يضمن الحياة والخير لمن يقبله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-bishoy-fayek/beginning-of-time/arrangement.html
تقصير الرابط:
tak.la/7229zhm