St-Takla.org  >   books  >   fr-athnasius-fahmy  >   st-magdalene
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب مريم المجدلية، قديسة القيامة: رؤية آبائية - القمص أثناسيوس فهمي جورج

7- مريم المجدلية تلميذة للمسيح

 

تركت المجدلية منزلها في مجدلة، وتبعت المسيح المخلص، الذي خلصها من السبعة أرواح وحررها من عبودية الشياطين وطرحهم خارجًا مستردًا إياها لتكون بيته وهيكله، فصارت مديونة له بكل حياتها، تتحد به لأنه كل الحق ورأس كل الخيرات، الذي لا تستطيع أن تفارقة تاركة الأمور السفلية، منطلقة نحو الأمور السمائية غير المنظورة.

قدمت له بإخلاص ذبيحة شكرها، بعد أن كانت في حوزة الشرير مبيعة تحت الخطية، فأنعم عليها بذاته لتسكن فيه بثبات، وبالاختصار انتقل قلبها البشرى إلى السيرة السمائية بعد أن أضاء إفهامها محب البشر الصالح، وهو الذي يضيء الإفهام لتتقبل الحق الحقيقي الذي يداوى أنفسنا وأجسادنا وأرواحنا.

ويا له من تحول (من وإلى.. )، فبعد أن احتلها الشيطان وحسبها بيته، ونهب كل طاقاتها لحساب مملكة الشر، سحب الرب منه مسكنه الذي اغتصبه، معلنًا عمليًا سلطانه الإلهي، وبدلًا من أمتعة إبليس وآنيته منحها بركاته الإلهية داعيًا إياها لتكون إناء مقدسًا وأمتعة مكرسة للسيد، تبعت يسوع من الجليل وكانت تخدمه (مت 55:27، مر 15:40)، تاركة كل ضروريات الحياة في محبة عظيمة فائقة وعجيبة للرب، عبرت فوق بحر الشهوات وتزينت بالبر والتقوى، فنالت معرفة الحق، مهمته فيما للرب مكرسة له النفس والجسد والروح، لها تمتع مستمر بالتبعية والإقتداء به كل حين مع باقي تلميذات الرب، ملازمة له لزوم الظل!! فكما كانت قريبة منه بالجسد تسمع كلامه الإلهي، كانت قريبة منه بالروح في تنفيذ الوصايا والتلمذة الحقيقية، يعمل معها ويسندها ويدخل بها إلى أسراره القلبية لتتعلم أسرار حبه العجيب وعنايته التي لا تفسر وحنانه غير المدرك وصلاحه الذي لا يحد وحبه الذي لا يستقصى وهي تجاهد بشوق لتحصل عليها، ولتظهر حياة تليق بعمل نعمته، إذ لم يعد لها سلطان على ذاتها لكنها على أتم استعداد لخدمته.

والنعمة دائمًا مستعدة وتطلب الذين يقبلونها ويتجاوبون معها، فعندما يجد سيدنا نفسًا ساهرة عاملة ملتهبة حبًا، يسكب عليها غناه بفيض وغزارة كل طلباتها.

St-Takla.org Image: Bible Image: Gustave Doré's Bible Illustrations - 081 - Mary Magdalene صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحات الكتاب المقدس - رسم الفنان جوستاف دوريه - مريم المجدليه

St-Takla.org Image: Bible Image: Gustave Doré's Bible Illustrations - 081 - Mary Magdalene

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحات الكتاب المقدس - رسم الفنان جوستاف دوريه - مريم المجدليه

إن النمو يتم بالتدريج من الطفولة حتى النضوج والكمال في المسيح، وتبعًا لذلك تتحطم تدريجيًا حصون الأفكار الشريرة إلى أن تنهدم كلية (2 كو 4:10)، وهو ما سعت إليه مريم المجدلية بعد شفائها من سجن الظلمة.

قطعت كما بمنجل كل رباطات العالم، ونمت في محبة المسيح، الذي فتح أمامها باب الرجاء لتنعم بإمكانية تغيير شجرة حياتها، لتتغير أعمالها فتصبح أعمالًا صالحة لا تحمل ثمرًا شريرًا وتكون محبتها للرب الذي حررها وشفاها هي أصل صلاحها، الذي جعلها تتغير هي أولًا حتى تتغير أعمالها، لها إرادة في أن تدخر ما تحبه هناك في السماويات، حيث أرسلت أمتعتها مقدمًا إلى حيث سيكون الرحيل.

فلم تقف المجدلية أمام قوة العمل الإلهي متفرجة، لكنها سلمت ذاتها بين يديه كسر خلاصها وحياتها ليعمل فيها بسلطانه تتحرر من العبودية وتأتى إلى الطفولة الروحية، تسلك في الطريق الملوكي الحقيقي والأعمال الحية لتنمو حتى تبلغ كمال الزمان، تتبع المسيح وتخدمه من أموالها، وهذه هي ذروة الفضيلة الكاملة الرسولية، أن تتبع المسيح وتتلمذ له وتخدمه متحررة من كل عائق لتعبر إلى الممالك السماوية معه، ليس لها شيء بجانبه، بعد أن هجرت كل ما أحبته سابقًا وأخلت نفسها عن كل ما اقتنته وبددت كل ما قد جمعته إذا لا يوجد لشيء ما قيمة أمام غنى ومحبة المخلص سر الحياة والخلاص.

أخذت لنفسها قوة المسيح فصار إبليس كلا شيء، هذا الذي كان في حرب بلا هوادة ضدها، الآن لا يقدر أن يقيم فيها عملًا من أعماله، لأنها قادرة أن تجاهد ببسالة ضده، تختار لنفسها الصلاح حتى يتحقق كمال الحياة، إذ صار المسيح قوتها وسلاحها لأنه أهلك العدو، فلا يصح لها أن تعبد هذا العدو إلى داخل نفسها في صلوات في دموع في سهر في تدقيق فهمت وأيقنت أن المسيح نورها الذي لا ظلمة فيه البتة فاستنارت حياتها بأشعة نوره وضيائه الإلهي، سالكة في النهار بثبات بعد جحدت الأعمال المخزية ورفضت الخطية -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- فصارت كل أعمالها في النور وصارت هي نورًا في نفسها، تعترف بقوة تقديسه وغفرانه، ليس بالكلام بل بالأعمال المثمرة والتوبة المستمرة ورفض طاغية نفسها الشرير الذي هو رئيس هذا العالم.

لا يمكن لمملكة الخطية والشيطان أن تعايش ملكوت الله، لذلك حالما ملك الرب على المجدلية، لم تتملك الخطية في جسدها المائت إذ إنها مسحت لتميت كل ما هو أرضى فيها لتثمر ثمار الروح ويصير الله فيها كما في بستان روحي ويملك بمفردة عليها، ويجلس فيها بقوة روحية، فهو يجلس حتى يصير كل أعدائه فينا موطئًا لقدميه، وكل الرئاسات والسلطات فينا تبطل.

وهكذا كل نفس تقية عاملة في الوقت الحاضر تدخل في صراع في حلبة سباق ليكون نصيبها على الدوام هو الجهاد بلا تراخى بل كمن في حلبة صراع، تنال بنعمة ومعونة إلهنا، التعزية العظيمة والقوة الحقيقية تلك المحبة والقوة التي جعلت مريم المجدلية تتجاوب مع عمل النعمة الإلهي وتسلك في الطريق الواحد والدرب الواحد، في ديناميكية الحب والتلمذة المستمرة بغير توقف، ملتصقة به بلا قيود، برباطات لا تنفك.

تبعت المسيح الطريق الحقيقي، تبعت الينبوع مصدر كل شيء، تبعت الأصل الذي فيه ومنه قوة النمو، تبعت النور الذي أنقذها من الظلمة.

وقد احتلت المجدلية مكان الصدارة بين خادمات الرب، فلا توجد امرأة تعادلها في تكريسها سوى العذراء مريم والدة الإله، تسمعه بأذنيها تشاهده بعينيها تلمسه وتتعامل معه، مشتاقة إليه، مقدمة نفسها عروسًا له بعد أن أظهر لها ذاته كحياة لنفسها ومخلصًا لها من الموت الروحي.

تبعته في الأيام الحالكة الظلام أثناء المحاكمة أثناء المحاكمة بالرغم من نكران وخيانة كثيرين فصارت رمز الوفاء والأمانة النادرة، بعد أن دخلت إلى هيكل نفسها، وفيه نظرت ذخيرة الحياة المخفية.. شاخصة إليه دائمًا في داخلها متمركزة حوله في كل حين، ليشرق فيها بالحواس المضيئة والأفكار النورانية، فتشتعل شوقًا ورغبة واجتهادًا وتزداد رغدًا وسعيًا، تحمل ثمر الإرادة والعزم، ترد للرب مقابل محبته التي نالتها.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-magdalene/christ.html

تقصير الرابط:
tak.la/ry52gq5