* APHRAHAT, The Persian Sage
كان لمؤلف هذه المقالات تاريخًا أدبيًا فريدًا، فقد كان فارسي الجنسية في عصر كانت فيه الزرداشتية هي الديانة الرسمية لبلاد فارس، ومع ذلك كتب كلاهوتي مسيحي، ومن أعماله يتضح لنا أنَّه وُلد في مبادئ القرن الرابع من أسرة وثنية، وأنَّه صار مسيحيًا واعتنق الحياة الرهبانية وسيم أسقفًا، وهو أول مَنْ نشر الرهبنة في سوريا وما بين النهرين، وفي زمن الإمبراطور الآريوسى ڤالندس Valents مضى إلى أنطاكية، وجاهد ضد الآريوسية، ويبدو أنَّه أخذ في الرسامة الأسقفية اسم يعقوب ومن هنا خطأ مساواته بيعقوب أسقف نصيبين (+338) وقد تنيح أفراهات ܐܦܪܗܛ بعد عام 345 م. ويقول عنه ثيودورت المؤرخ "طعامه لم يكن يُعجن أو يُخبز، ولكن ممَّا ينبت طبيعيًا من ثمر الأشجار والبقول والنبات متجنبًا كل استعمال للنار".
وقد كانت الأعمال المعروفة الآن باسم أفراهات، تُسرد وتُروى وتُترجم لمدة قرنيْن على الأقل بعد نياحته، ومع ذلك ظل اسمه منسيًا ومجهولًا لمدة من الزمان، لذلك في مخطوطات القرن الخامس والسادس تُوصف المقالات بأنَّها من وضع "الحكيم الفارسي The Persian Sage" أو "مار يعقوب الحكيم الفارسي" وقد نتج عن نسبة هذه المقالات إلى يعقوب حدوث خلط ولبس كبير بين الشخصيات.
فنُسبت أعماله لمئات السنوات إلى يعقوب أسقف نصيبين في أيام قسطنطين الكبير، ولم يظهر اسم أفراهات ويُعرف أنَّه هو الكاتب الحقيقي لهذه المقالات وأنَّه هو عينه "الحكيم الفارسي" إلاَّ في القرن العاشر كما يؤكد العديد من الدارسين المدققين.
ويبلغ عدد هذه المقالات 22 مقالًا بحسب عدد حروف الأبجدية السريانية إذ تبدأ كل مقالة بحرف من حروف الأبجدية، والمقالات العشرة الأولى تمثل مجموعة بذاتها وهي عن: "الإيمان، المحبة، الصوم، الصلاة، الحروب، الرهبان، التائبون، القيامة، الاتضاع، الرعاة".
أمَّا المجموعة الأخرى فنجد فيها ثلاث مقالات عن اليهود "الختان، الفصح، السبت"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ثم مقالة تُوصف بأنَّها نصيحة أو تحذير، ويبدو أنَّها رسالة توبيخ أرسلها أفراهات بالنيابة عن مجموعة من الأساقفة إلى إكليروس وشعب سلوقيًا وطيسفون Ctesiphon وبعدها تكتمل السلسلة اليهودية بخمس مقالات عن: "الأكلات المتنوعة، دعوة الأمم، يسوع المسيا، البتولية، تشتيت إسرائيل".
وآخر ثلاث مقالات هي: "العطاء، الاضطهاد، الموت والأزمنة الأخيرة".
ويُضاف لهذه المجموعة مقالة رقم 23 وهي عن "السُّلاف" (العنب) ويتحدث فيها عن البركات المعطاة منذ البدء بالمسيح في تلميح إلى كلمات إشعياء النبي "كَمَا أَنَّ السُّلاَفَ يُوجَدُ فِي الْعُنْقُودِ فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ" (أش 8:65).
وتقدم هذه المقالات دليلًا كافيًا على تاريخ كتابتها، ففي نهاية المقالة الخامسة "الحروب" يذكر المؤلف أنَّ الأعوام منذ عصر الإسكندر الأكبر (311 ق.م.) وحتى أيام كتابته 648 سنة إذًا كتب هذه المقالات عام 337 م. أيّ نفس عام وفاة قسطنطين الكبير.
وقد كُتبت أول عشرة مقالات عام 337 م. أمَّا الاثني عشر التالية فكُتبت عام 344 م، والمقالة 23 كُتبت عام 345 م، وهكذا اكتمل العمل كله في تسع سنوات.
ورغم أنَّها لم تحظ بالانتشار ولا الشهرة التي نالتها أعمال القديس مار أفرآم السرياني المُلقب بقيثارة الروح، إلاَّ أنَّها قد حظيت بمكانة خاصة في الأدب السرياني، وكل ما وصلنا من مخطوطات تتضمن هذه المقالات هو مجموعة واحدة كاملة، ومجموعتان غير كاملتين، إلاَّ أنَّه من الواضح أنَّه طالما أنَّها قد تُرجمت إلى لغة أجنبية، فلابد أنَّه كان لها انتشار وشهرة في موطنها الأصلي، وفي الغالب هذه المجموعة الكاملة (من القرن الخامس والسادس) هي ما تبقّى من عدد ضخم من مخطوطات فُقد معظمها.
وتُعد الترجمة الأرمنية هي الدليل المبكر الموجود الآن على ذيوع وانتشار هذه المقالات، وهي تتضمن 19 مقالًا فقط ويتفق الدارسون على أنَّها تُرجمت في القرن الخامس، كما وصلتنا ترجمة أثيوبية للمقالة "عن الحروب" وتوجد أقدم المخطوطات في المتحف البريطاني.
ورغم أنَّه كتب هذه المقالات بعد ارفضاض مجمع نيقية بعشر سنوات بينما كانت الآريوسية لا تزال تزعج الكنيسة، إلاَّ أنَّه لم يتعرض للجدالات اللاهوتية الحادثة في أيامه، ولم يرد -مثلًا- على الفكر الأريوسي، ولعل ذلك كان بسبب بُعد كرسيه عن مواضع الجدال والفكر، ولأنَّ القراء في ذلك الوقت كانوا يهتمون بالكتابات اللاهوتية والجدلية وبالرد على أصحاب البدع والهرطقات، لذلك لم تلق مقالاته إلاَّ انتشارًا محدودًا بينهم.
كما تأثر انتشار أعماله بشهرة النساطرة الفارسيين، ذلك أنَّه كان في أديسا "مدرسة للفارسيين" وكان يتوافد إليها الطلبة من فارس من أجل التعلم، وحدث أنْ سقط إبياس Ibas أسقف أديسا (435-457 م.) في البدعة النسطورية، ومنه انتقل الفكر النسطوري إلى ماريس Maris الفارسي ومنه إلى فارس كلها، وأيضًا انتقل الفكر النسطورى إلى مارو Maro أحد أساتذة هذه المدرسة، وبعد موت إبياس، نُفى أتباعه من أديسا على يد نونوس Nonnus الأسقف الأرثوذكسي الذي جلس على كرسى أديسا بعده، وبعد نونوس، أغلق كورش وهو الأسقف الذي خلفه، المدرسة في عهد الإمبراطور زينو، وقد نتج عن ذلك كله أنَّه كان هناك رفض وحذر من أيّ كتابة من مصدر فارسي، وقد تأثرت أعمال "الحكيم الفارسي" بهذه الحقيقة.
ويرى بعض الدارسين أنَّه كان نسطوريًا، وبالفعل نجد اتجاهًا نسطوريًا في بعض عبارات أفراهات، خاصة في مقاله عن "المسيح".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-afrahat/sage.html
تقصير الرابط:
tak.la/smv2ydy