عندنا ثلاث آحاد: أحد المخلع، أحد السامرية، أحد المولود أعمى، فيها شيء أساسي مشترك هو التأكيد والتشديد على أن المسيح هو ابن الله، ولا بُد أن نلتفت إلى أن يوحنا الإنجيلي الحبيب عندما تحدث لم يقل شيئًا عفوًا، لكنه تحدث عن المخلع وبركة الماء، وعن السامرية وبئر الماء أيضًا، وعن المولود أعمى وبركة سلوام، إذا: ماء، ماء، ماء، ولا حاجة بنا أن نذكر أنه خلال ماء المعمودية نجد طريق الخلاص، وفي هذه الآحاد الثلاثة يضعنا الإنجيلي أمام المخلص إلهًا خالقًا، ويضعنا أمام كون لا يزال في حاجة إلى الخلق.
ليتنا ندرك نظرة ربنا إلينا، نظرته الرحيمة المخلصة، نظرته الحانية، أنها ليست نظرة عادية كما ينظر الناس، بل كما هو مكتوب (الإنسان ينظر إلى العينين، أما الرب فينظر إلى القلب)، ونظرة الرب تحتوي على كل مشاعر الأبوة نحونا.. تلك النظرة التي جعلته يتحنن على التي أمسكت في ذات الفعل، والتي جعلته يتحنن على زكا، تلك النظرة التي تطلعت إلى بطرس الرسول بعد أن أنكر.
تري أية نظرة هذه التي يوجهها الرب نحو هذا المريض المُلْقَى على الفراش لمدة 38 سنة، وقد أوضح الرب بعد ذلك أن الخطية هي السبب الرئيسي لهذا المرض المضني (لا تعود تخطئ). ومن المؤكد أن الرب نظر إليه نظر إليه نظرة السامري الصالح وهي نفس النظرة التي نظرها يسوع لأرمله نايين.
أن منظرنا ونحن منطرحين على فراش المرض، وشلل الأعضاء عن العمل الروحي وعدم القدرة على السير في طريق الفضيلة، أو تحريك اليدين للصلاة، أو الرجلين للسجود، أو العينين في النظر إلى فوق، وفقد كل مقدرة على الحركة نحو الله، هنا الشلل الروحي يثير شفقة الرب نحونا جدًا، فيوجه إلينا نظرة وحنان مملوءة شفاء ويقترب منا ليقول (أتريد أن تبرأ).
فالسيد لا يسألنا عن حالنا في الخطية، ولا يثير أسئلة كثيرة عن المرض، لكنه يتكلم مباشرة عن الشفاء وعن أدوية الخلاص.. أنها قضية خلاصنا وأرادتنا، هو جاء ليخلصنا ولكن ليس لنا أن نتمتع بشيء من كل من كل هذا إلا بإرادتنا الخاصة وقبولنا واستجابتنا وجهادنا، فإرادة الإنسان هي المسئول الأول.. فالمسيح لا يغصب أحد ولا يضغط على أحد، واقف يقرع على الباب، بل العكس قد جاء خصيصا ليمنحنا حرية إرادتنا التي أستعبدها الشيطان.. فالإنسان له أرادة الشفاء، والشفاء الحقيقي هو أن تقبل إرادتنا عمل نعمة المسيح الفادي وقوة خلاصه المحيي، حينئذ تصبح إرادتنا مقدسة وقوية بالمسيح قادرة على هدم حصون الشرير والخطية، وتصبح مشيئة الله فينا هي مسرتنا وإرادتنا لأنه هو العامل فينا أن نريد وأن نفعل، وهذا التوافق في أن تصبح مشيئة المسيح وإرادته هي ما نريده نحن، هو تمتعنا بالشفاء والخلاص والسلام، لذلك نصلي (لتكن مشيئتك)..
وفي هذه المعجزة (معجزة شفاء مفلوج بركة بيت حسدا) صورة حية لعمل السيد المسيح داخل الكنيسة، أنه الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وهو مدبر كل ذي جسد وهو الذي يتعهدنا بخلاصه، إذ يغفر الخطايا واهبا النفس الشفاء متمتعة بالبنوة لله وبأبوة الله لها، وفي هذا نجد مثالًا لأنفسنا الراقدة المريضة وقد خارت قواها، وها هي تتقدم في الأحد الخامس من الصوم إلى الطبيب الكامل ليهبها الشفاء، بعد استعدادها وطلبها للملكوت وبعد غلبتها ورفضها المشورة الشريرة، وبعد توبتها ورجوعها إلى بيت الآب، متمتعة بالماء الحي الذي من يشربه لا يعطش أبدًا.
لقد شفي الرب أولًا جسد مفلوج بيت حسدا (يوحنا 5)، ثم طالبه ألا يخطئ بعد أنه محب البشر الذي يقدم لكل ابن ما هو لبنيانه، يتعامل مع كل مريض حسب ما يتناسب معه، وهذا المفلوج الذي له 38 عامًا في المرض ليس له من يسنده ولا من يعينه، تحطمت نفسه، فهو محتاج إلى مجيء السيد إليه، وشفاء جسده وحياته الداخلية.
وهوذا مرض بيت حسدا يصرخ اليوم يشكو من أنانية الإنسان (ليس لي إنسان)، ولكن في الوقت الذي يتخلَّى فيه الجميع، نجد الرب واقفًا يحمل أمراضنا ويتحمل أوجاعنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. هو أقرب من الصديق، قريب للذين يدعونه، ينصف مختاريه الصارخين إليه، يأتينا في الهزيع الرابع وبعد 38 سنة لأنه رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين، يسعَى وراء الرافضين (السامرية)، يذهب إلى المقيدين (المفلوج)، ويعلن ذاته حتى لغير المؤمنين (المولود أعمى) إنه الخادم الحقيقي.
فلا يأس ولا فشل بعد، لقد قام المخلع وحمل سريره بعد 38 سنة مرضًا، بعد 38 شللًا وخطية، ولنسحب أنفسنا مع أصحاب الساعة الحادية عشر، لأنه ليس في المسيحية شيخوخة ولا يأس، بل أمل متجدد، أنها لا تعرف التوقف أبدًا أنها جديدة في كل صباح وهي من دور إلى دور.
ولنردد قائلين:
طبيب الرواح ساكن فينا
بعلاجه الشافي يداوينا
فلنسأل منه أن يعطينا
مرهما يشفي الجراحات
غناك يا نفسي عند فاديك
فهو من الأسقام يداويك
كمريض بيت حسدا يشفيك
من آلام الخطايا والمعصيات
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/lent/sunday5.html
تقصير الرابط:
tak.la/3wy7n2x