إن آباء الكنيسة في تعليمهم الرعوي عن الصوم لم يكونوا يكتفون بالصوم الجسداني المادي (الصوم عن بعض أنواع الأطعمة)، بل كانوا يؤكدون دائما على اقترانه بالصوم الروحي، لان فعل الصوم عمل روحاني بالأحرى.
الله لا يرغب في الصوم الباطل، لأن الصائم بهذه الطريقة لا يصنع شيئًا لحياة البر، إنما صوم الله صوما مثل هذا: لا تفعل شرًا في حياتك، واعبد الرب بقلب طاهر، واحفظ وصاياه سالِكًا في تعاليمه، ولا تدع شهوة الشر تصعد في قلبك، وآمن بالله، فإن فعلت هذا فإنك تصوم صومًا عظيمًا ومقبولًا أمام الله.
(كتاب الراعي - هرماس)
الصوم هو امتناع عن كل الشرور الشائعة عموما سواء تلك التي بالفعل أو بالقول أو بالفكر.
لا تظن أن هكذا ببساطة يكون الصوم، لأنه ليس المنقطع عن الأطعمة وحده هو الصانع خيرًا، بل المنقطع عن كل فعل شرير، بهذا يدعى صوم، لأنك طالما أنت تصوم تحفظ فمك عن الثرثرة بالكلام الشرير، فإن كنت لا تطرد الكلام الشرير من فمك الصائم، فلن تنتفع شيئًا.
(القديس أثناسيوس - رسالة إلى العذارى)
الانقطاع عن الأطعمة لا يكفى في ذاته ليكون صومًا ممدوحًا، بل لنصم صومًا حسنا مقبولًا لله. الصوم الحقيقي هو الابتعاد عن الشر ومجانيته، ضبط اللسان، الكف عن الغضب، وغياب الرذائل هو الصوم الحقيقي. وبهذا يكون صومك حسنًا.
(القديس باسيليوس الكبير - عظة 2: 7)
فالصوم ليس هو فقط الامتناع عن أنواع من الأطعمة وليس فقط الانقطاع تمامًا من الصباح حتى المساء ولكن الاثنين معًا.. على أن الآباء يؤكدون على الصوم الروحي بجانب الصوم الجسدي.
الصوم ليس مجرد امتناع عن الأطعمة، بل الخطايا، لأن طبيعة صوم مثل هذا، لا يجنى من يمارسونه ما لم يكن بحسب الوصية (لا يكلل أحد إن لم يجاهد قانونيًا) {2 تى 2: 5}.
لذلك فحينما نسلك طريق تعب الصوم، فلن نبلغ في النهاية إلى نوال إكليل الصوم، فالفريسيين صاموا لكنهم ارتدوا فارغين، والعشار لم يصم، لكنه كان مقبولًا أفضل من الذي صام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يجب أن نتعلم كيف نصوم ونعرف القوانين حتى لا نركض بغير يقين ولا نضارب الهواء ولا نصارع مع الخيال، الصوم دواء لكن الدواء قد يكون بلا نفع، وكثيرًا ما يصير عديم الفائدة بسبب قلة مهارة مَنْ يستخدمه.
(القديس يوحنا فم الذهب - عن التماثيل 3: 2)
لابد أن يكون الصائم ضابطًا لنفسه، ساكنًا، لطيفًا، متضعًا.
(القديس باسيليوس الكبير - عظة 8: 6)
هل أنت تصوم؟ أرني ذلك بأعمالك. فإن رأيت مسكينا فأشفق عليه. وان رأيت عدوا تصالح معه {ولكن لا يصم فمك وحده بل عيناك أيضا وسمعك وكل أعضاء جسدك}.
(القديس يوحنا ذهبي الفم - عن التماثيل 3: 4)
لا تصم بالخبز والملح وأنت تأكل لحوم الناس بالدينونة والمذمة، لا تقل أنا صائم صوما "نظيفًا" وأنت متسخ بكل الذنوب.
(الأنبا يوساب الأبح)
لو اعتقدنا أن الصوم من ضمن قائمة الفضائل، ومجرد الامتناع عنه صالح في حد ذاته، لكان الطعام أمرًا شريرًا.. فانه ليس فقط لا ننال نفعا من امتناعنا عن الطعام والشراب إنما نسقط في بدعة ميلان.. لأنه ليس شيء نجسا بذاته، ولا أحد سيلام من أجل تناول الطعام، إنما يدان من أجل ارتباطه به أو الاستعباد له، وكما أن هذه الأدوات مفيدة للذين يفهمونها، كذلك فهي غير نافعة للذين يجهلون استخدامها، وكما أنها تعين الذين يستخدمونها، تكون بلا نفع للذين لا يعرفون غرضها بل يتوقفون عن مجرد امتلاكها وليس العمل بها.
(الأب ثيوناس)
إننا مطالبون أن نصوم لا بالجسد بل بالروح أيضًا.. إن صومًا مثل هذا إذا حفظ مقدسًا لا يوصل إلى توبة النفس وحسب، لكنه يعد القديسين ويسمو بهم عن الأرضيات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/lent/real.html
تقصير الرابط:
tak.la/7f2q5sf