لا تتوقع خدمة بدون أعداء ولا تنتظر ثمر بغير جهاد..
1- الأنا.. Ego:
وحين نتحدث عن الأعداء ربما يتوجه عقلك إلى الظروف والإمكانيات والمكان.. ولا تتوقع
أبدًا أن أكبر عدو لك هو ذاتك.. هو نفسك أنت.. كما ذكر أحد الآباء أن ليس لي عدو
إلا ذاتي ولا أكره إلا خطاياي..
ولنتذكر دائمًا أن أصحاب الرتب الملائكية سقطوا من شرف مكانتهم بسبب كبرياء
قلوبهم..
فالأنا هي أخطر السلوك والتوجه الإنساني.. حيث تصير الذات مركز الحياة تسيطر وتبطش
حيث تتحول كل الأمور إلى مجرد وسائل لخدمتها.. حيث تصبح هي الهدف الأعلى للحياة
وغايتها..
وما أخطر أن تأخذ الأنا الغطاء الروحي وتتظاهر بالشكل الإلهي للتأله بالأكثر وتتعظم
على حساب الله..
وقد يتربص هذا العدو بالأكثر بالخدام.. هؤلاء الذين قال عنهم الكتاب سُرَّاق الهياكل..
وأنهم رعوا أنفسهم..
فتجد في الخدمة من يرغب في أن يربط العمل باسمه ويخشى أن يشاركه خادم غيره.. ويسعى
ليظهر عمله فقط بين الناس.. وكأنه يريد أن يأتوا له ببوق ليتحدث عن إنجازاته
الفريدة.. وفي ذات الوقت يقلل من قيمة عمل غيره ويسخر منه ويسعى في إعلان سلبياته..
ولا يدري أنه يخسر بذلك أكثر مما يكسب.
وحين تسيطر الذات البشرية الكثيرة الخداع على خدمة الخادم.. تجده يستخدم سمو الكلام
لصالح إشباع ذاته.. ويتعمد إبهار الآخرين بالعلم والمعرفة.. ولا يدري أن السامع
يدرك ما وراء الكلام.. فيتعجب كيف لم تنجح الوسيلة؟؟ ويلجأ لوسائل أخرى متعددة..
ولا يعرف أن الخدمة عمل إلهي وحركة سماء وفعل روحاني.. وما الخادم إلا حضرة شفافة
لصورة الله والذي عرفنا على الله هو إخلاؤه الذي بدونه لظل محتجبًا بالنسبة لنا..
وهذا العدو يدفع إلى الإنفراد بالعمل وتقليل شأن الأجيال الجديدة ولا يؤمن بمواهب
الآخرين ولا يشجع على توزيع المهام.. ولا يرغب في طاعة الكبار ويستعف أن يسمع أي
تعليم ولا يعترف بخطأه ويتعالى على الاجتماعات التي يحضرها كمخدوم..
وبدل من أن يشارك في حمل المسئوليات يسرع بالنقد وإعلان السلبيات ويساعده في ذلك ما
حصل عليه من معرفة أو وعي بظروف الخدمة والخدام..
ما أخطر ذلك العدو الخفي الذي يهزمنا دون أن ندري أننا انهزمنا.. بل يجتهد أن
يقنعنا أننا الأفضل دائمًا.. وكأنه يهمس في آذان كل واحد فينا دائمًا أنت تعرف
أكثر.. أنت تخدم أكثر.. أنت موهوب أكثر أنت محبوب أكثر.. أنت.. أنت.. أنت.. وللأسف
نصدق لأننا نميل أن نصدق..
أحبائي.. لو نظرنا إلى آبائنا الرسل وخدمتهم الجليلة العظيمة.. ندرك لماذا اختار
الله الجهال البسطاء ليعمل بهم ويتمجد بهم ليصير ضعفهم أعظم كرازة بمرسلهم..
أحبائي.. الخلاص من الذات ليس أمرًا هينًا ولكنه يتطلب جهاد وعناء وصراخ ودموع..
لأنها عدو شرس ومتحوِّر يظهر أحيانًا ويختبئ أحيانًا.. لذا علينا أن ننتبه ونطلب
انصفني من خصمي.. احميني من نفسي.. أما يهمك أن أهلك..
وحين تتراجع الذات يظهر
المسيح بنفس المقدار حينئذ يفرح الزارع والحاصد معًا..
← اقرأ كتب أخرى لنفس المؤلف هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
2- الناس.. وإرضائهم..
وهو الابن الأكبر والمدلل للذات.. والوارث الشرعي لميوله وأهدافه..
حيث تعلن الذات عن وجودها بشكل فاضح وتكّون غذائها من مدح الآخرين وتسعى إليه بلهفة
العطش.. وتجتهد في جذب الأبصار مثل الأطفال الصغار.. وترفض أي نقد أو تعليق أو
توجيه بثورة وغضب واحتداد.. ويسقط الأخطاء على ناقديه.. ويكيل لهم الاتهامات
والتقصيرات.. ويغير الحقائق إذ قد ابتعد عن الحق الذي هو
المسيح.. لأن الحق بالنسبة
للسالكين في جدة الحياة هو شخص وليس شيء هو
شخص المسيح وليس حقائق فلسفية متغيرة..
وحيث غياب
المسيح توجد الذات والناس.. وبحسب قول
القديس
بولس الرسول:
"أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ
النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا
لِلْمَسِيحِ" (غل 1: 10)
ويظهر هذا العدو (الناس) بالأكثر في تحويل هدف كل عمل في الخدمة من الله للناس..
ويصير أهم مؤشرات النجاح هي الأعداد.. ويسعى في ذلك بكل الطرق ويحزن ويكتئب ويحبط
في قلة الأعداد ولا يتحمس ولا يشارك.. وأيضًا رأي الناس ومديحهم.
وربما يقدم ما يرضيهم من موضوعات وأنشطة ليس لهدف بقدر إرضائهم لينال المزيد من
تمجيد ذاته في عيونهم وقد يقدم تنازلات ويشرح تبريرات ويتخذ شعارات أو حتى آيات
وأقوال أو مواقف آباء مشاهير ليبرر ما يفعل..
بينما الروح الساكنة فيه التي تفحص كل شيء تكلمه وتعلمه دائمًا ولكنه لا يسمع ولا يحب أن يسمع..
ويحب أن يؤمّن نفسه بالناس ويميل إلى عمل تحزبات ومجموعات ولا يشجع الفكرة التي
تأتِ من غير مريديه.. ويخشى من الانتقال إلى خدمة مجموعات جديدة.. إذ يعتبر أنه
أضاع تعب الماضي هباء.. لأنه اعتبر أن المجموعة أو المكان التي يخدم بها قد ارتبطت
باسمه وبشخصه..
دائمًا يشعر بعدم الأمان لأنه يلتمس أمان من فاقدي الأمان..
ودائمًا يتطلع لانتشار خدمته ليس لمجد اسم المسيح بل ليتمجد هو بين الناس..
ويتقن التودد للرئاسات ويكون شخصًا آخر تمامًا.. في قمة اللطف والوداعة والبشاشة..
ويبالغ في كلام المديح والهدايا.. ليس احترامًا وتوقيرًا لهم بل في الحقيقة له.. إذ
يعتبر الرئاسات بالنسبة له مصدرًا رئيسيًا لأمنه وسلامه.
إلى هذا الحد يمكن أن تتحول خدمة الملكوت لمجرد إرضاء الذات بالناس.
هذه التي سماها
معلمنا بولس الرسول خدمة العين:
"لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ
الْمَسِيحِ،
عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ" (أف 6: 6)
رأينا
القديس يوحنا ذهبي الفم وهو يصرخ بالحق أمام الإمبراطورة وسلطانها.. أمام
الأغنياء والمتمردين.. ولم يخشى الناس.. وحين هددوه بالنفي لم ينزعج مرددًا للرب
الأرض وملؤها..
سمعنا عن أبونا المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم أنه كان ينادي دائمًا بمنهج نحتاجه
كثيرًا (ليتمجد الله بيَّ أو بغيري.. ويفضل بغيري..).
فليعطنا الله أن نفحص طرقنا ونختبر خطواتنا ونرجع لنخدمه لا نخدم ذواتنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fahmy/servant/foes.html
تقصير الرابط:
tak.la/nwxq722