St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   john-chrysostom-virginity
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب البتولية: للقديس يوحنا ذهبي الفم - القمص أنجيلوس المقاري

17- عن التعطف الإلهي

 

1- اليوم نحن نشبه صغار الطيور عندما تغذيهم أمهم وهي تدفعهم لحافة العش، فإن رأت ضعفهم ورخاوتهم وإنهم لازالوا بحاجة الاستمرار داخل العش، فهي تتركهم لا إلى ما لانهاية داخل العش بل لبضعة أيام أخرى لكي يكتمل نمو أجنحتهم ويكتسبوا القوة الكافية التي من شأنها أن تجعلهم يفردون أجنحتهم للطيران بكل أمان، وعلى نفس الوتيرة يجتذبنا معلّمنا الإلهي من البدء للسماء ويبيّن لنا الطريق المؤدي إليها، وهو لا يجهل بل بالحري يعلم تمامًا أننا لازلنا غير قادرين على طيران مثل هذا، ولكن يريد أن يبيّن لنا أن سقطتنا وضعفنا هما السبب وليس مشيئته. وهو على مثال هذا الدرس المُعطى ترك الجنس البشري ينمو داخل عش هذا العالم الأرضي والزواج، وذلك لفترة طويلة.

 

St-Takla.org Image: "And as I knew that I could not otherwise be continent, except God gave it, and this also was a point of wisdom, to know whose gift it was: I went to the Lord, and besought him, and said with my whole heart" (Wisdom 8:21) صورة في موقع الأنبا تكلا: آية "ولما علمت باني لا اكون عفيفا ما لم يهبني الله العفة وقد كان من الفطنة ان اعلم ممن هذه الموهبة توجهت الى الرب وسالته من كل قلبي قائلا" (سفر الحكمة 8: 21)

St-Takla.org Image: "And as I knew that I could not otherwise be continent, except God gave it, and this also was a point of wisdom, to know whose gift it was: I went to the Lord, and besought him, and said with my whole heart" (Wisdom 8:21).

صورة في موقع الأنبا تكلا: آية "ولما علمت باني لا أكون عفيفا ما لم يهبني الله العفة وقد كان من الفطنة ان اعلم ممن هذه الموهبة توجهت الى الرب وسألته من كل قلبي قائلا" (سفر الحكمة 8: 21).

2- وهكذا في نهاية هذا الزمن الطويل كانت تدفعنا أجنحة الفضيلة بلطف قليلًا، قليلًا والتي أتت لتخرجنا من هذا المربض الأرضي وتعلّمنا التحليق في العلا. وما من شك فإن هؤلاء الذين لازالوا متهاونين أو يغطون في نوم عميق يسرّهم أيضًا البقاء في العش مرتبطين بأمور العالم، ولكن القادة الحقيقيين وعاشقي النور يتركون العش بسهولة كاملة محلّقين في الأعالي، ملامسين السماء، تاركين تحتهم الأرضيات والزواج والثروة والاهتمامات وكل ما من شأنه أن يجذبهم للأرض.

 

3- ومع ذلك فلن نذهب للاعتقاد بأن هذا التصريح بالزواج الذي أُعطي في البدء يتحتم مع مرور الوقت أن يكون مُلزمًا بحيث يعوق الامتناع عن الزواج، لأنه يريدنا أن نتخلى عنه، اسمعه وهو يقول "من يريد أن يفهم فليفهم" (مت 19: 12).

أما كونه لم يعطي هذه الوصية في البدء فهذا شيء لا يدعو للدهشة، فالطبيب -على سبيل المثال- لا يعطي لمرضاه كل تعليماته دفعة واحدة، وفي نفس اللحظة فإن كانوا محمومين فهو يمنع عنهم الأطعمة الصلبة ويكتفي بالسوائل، ولكن ما أن تتركهم الحمى ويدخلوا بالتالي في فترة النقاهة، فهو يمنع عنهم الأطعمة غير المستحبة لكيما يعودوا بسرعة إلى سابق صحتهم... وهكذا الأمر بالنسبة للنفس فإن التخبط في الشهوات يدمر صحتها، وهكذا أيضًا ينبغي أن يكون لنا في الوقت المناسب الترتيب المناسب لكبح الشهوات الفاعلة فينا وإلا فالشريعة نفسها ستكون عاجزة عن تصحيح أعطاب النفس. وهكذا فإن الفضيلة بمفردها كالأدوية ستكون عاجزة عن شفاء جرح الخطية، لأنه كما أن الأدوية للجروح، هكذا الوصايا للخطية.

 

4- وأنت ماذا فاعل؟ عندما الطبيب غالبًا ولنفس الجرح يلجأ أحيانًا للمشرط وأحيانًا للكي، وأحيانًا لا يستخدم هذا ولا ذاك، ومع ذلك فأنت لا تهتم بالأسئلة التطفلية ولا تجرؤ أن تقول له إن علاجك هذا غير فعّال لأننا استخدمناه مرات كثيرة دون جدوى، ولكننا الآن أمام الله وما أنت إلا إنسان مخلوق، والله منزه عن كل خطأ وهو يدبر كل شيء بالطريقة التي تليق بحكمته، وأنت تريد أن تتداخل في شئونه طالبًا منه تفسيرًا لما يعمله بدلًا من الخضوع لحكمته اللانهائية. ألا يكون هذا منتهى الجنون؟

قال الله: "انموا وتكاثروا" لأن ذلك الوقت كان يتطلب ذلك، ذلك الوقت الذي كانت فيه الطبيعة البشرية غبر مروضة وعاجزة عن احتواء حدة الشهوات، ولم يكن لها مرفأ آخر تستطيع الهروب إليه وسط تلك العاصفة.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

5- إذ ذاك ما الذي كان يجب أن يؤمر به البشر؟ هل أن يحيوا في العفة والبتولية؟ ولكن هذا سيجعل السقوط أكثر سوءًا ويجعل الشهوات تشتعل بأكثر حدة.

انظروا إلى الأطفال الذين لا يحتاجون إلا إلى اللبن غذاء لهم. امنع عنهم اللبن وأجبرهم بدلًا من ذلك على أكل طعام الكبار، فلن يستطيعوا على الإطلاق وسيموتون بسرعة، لأنه لا شيء أسوأ من أن يكون التصرف في غير وقته المناسب. ولهذا السبب فإن البتولية لم تُعط منذ البدء أو بالحري لو كانت البتولية قد ظهرت في البدء وقبل الزواج، ولكن لذلك السبب المعين (يقصد السقوط) فإن الزواج قد أُدخل مؤخرًا واُعتبر شيئًا ضروريًا(54). ولو استمر آدم حينئذ في الطاعة لله لما كان هناك احتياج لهذا ولكن أنتم تعترضون عليّ قائلين: فمن أين إذن كان لهذه الملايين من البشر أن يولدوا وأنا بدوري سأعيد سؤالي لأني أرى أن هذا الخوف يربككم بشدة: كيف ولد آدم وحواء حيث لم يكن الزواج قد تقرر بعد؟ ولكن هل كانت كل البشرية ستولد على نمط آدم وحواء؟ سواء بهذه الطريقة أو بأخرى فأنا لا أعرف، ولكن النقطة التي تهمنا الآن هي أن الله لم يكن بحاجة للزواج من أجل تكاثر البشر على الأرض.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(54) لقد خُلق الإنسان بتولًا ولكن بعد السقوط فقدها وصار خاضعًا للشهوات وظهر الزواج كوضع طبيعي.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/john-chrysostom-virginity/divine-concession.html

تقصير الرابط:
tak.la/7cv27h8