![]() |
11- لكن ذهني غَدَا مشوشًا وتفكيري مضطربًا عندما أنظر كوننا نسير في الاتجاه العكسي لكل هذا. فهؤلاء الأبرار نالوا وعدًا بخيرات مرئية لكنهم جعلوا شهوتهم على الأمور الروحية. ونحن الذين نلنا وعدًا بخيرات روحية، نصير قلقين على الأشياء المرئية وأخفقنا في سماع بولس الطوباوي عندما يقول "لأن الأشياء التي تُرى وقتية وأما التي لا تُرى فأبدية" (2كو 4: 18). وأيضًا في موضع آخر -مُظهرًا أي نوع من البركات قد أعدها الله للذين يحبونه- فقال "ما لم تر عين ولن تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر" (1كو 2: 9). لكن بالرغم من كل هذا فنحن نلهث وراء خيرات هذا العالم وأعني بها الثروة ومجد هذه الحياة؛ الترف والتكريم الذي يقدمه الناس. لأن هذه تبدو أنها الأشياء التي تجعل الحياة الحالية بهية. إنني أقول -تبدو- لأنها ليست سوى ظلال و(أضغاث) أحلام.
12- لأن الثروة نفسها كثيرًا ما لا تبقى إلى المساء حتى لأولئك الذين يظنون أنهم ممسكين بها، بل هي كعبد شارد قاس القلب تمر من سيد لآخر. أولئك الذين اشتاقوا جدًا أن يعاملوها بكل احترام ترسلهم عراة ومقفرين. إن نفس خبرة الشئون المالية تعلّم كل إنسان أن الثروة كثيرًا ما تلتهم أولئك الذين لهم هوى بها وتحوطهم بمخاطر لا يمكنهم مقاومتها (أو الإفلات منها). إن المجد البشري هو أيضًا شيء ما مثل هذا. من يسطع بأكثر بهاء اليوم ويبدو مشهورًا في أعين الناس، فجأة يهوي إلى الخزي ويحتقره كل إنسان.
13- أي شيء يمكن أن يكون عديم القيمة أكثر من هذه الأشياء؟ إنني أقصد تلك الأشياء التي تتلاشى قبل أن تُرى والتي لا يمكنها الثبات على الإطلاق بل تسبق وتهرب من أولئك الذين سبقت وأنارت فيهم الأهواء. لا يمكنك أن ترى العجلة باقية على نفس الجزء من الإطار بل هي دائمة اللف والدوران ولا يمكنك أيضًا أن ترى عجلة الحظ. إن الأقدار (الحظوظ) البشرية تتبدل بسرعة وتنقلب وتغيراتها سريعة ولا يوجد شيء ثابت أو راسخ. فكل شيء يمكن أن ينقلب بسهولة وله ميل شديد أن يسير في الاتجاه العكسي. إذًا أي شيء أكثر سخرية من الإنسان الذي يلهث وراء خيرات الحياة الحاضرة التي يقيد نفسه بها ويحكم لها أن تكون موضع تكريم أكثر من الخيرات الخالدة التي تبقى إلى الأبد؟
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
14- لهذا السبب فإن النبي كان عنيفًا في لوم أولئك الذين يستثيرون أنفسهم على الخيرات الوقتية فيقول "إنهم يعتبرونها خالدة وليست زائلة" [(عا 6: 5) بحسب النص](102). انظر كيف أنه في عبارة واحدة يريد أن يقرر تفاهة هذه الأشياء. إنه لم يقل: عابرة أو متغيرة أو مجتازة بسرعة، بل ماذا قال "زائلة" وذلك لأنه كان يرغب في أن يشير إلى سرعتها وتغيراتها الكثيرة المتلاحقة بشدة. وهو أيضًا يرغب أن يعلّمنا ألا نتعلق إطلاقًا بالأشياء المرئية بل نصدق ونثق فقط في تلك الأشياء التي وعد بها الله.
15- إن وعود الله لا يمكن أن تخيب حتى لو اعترضت طريقها عشرة آلاف عقبة. وكما أن الله نفسه غير متغير وغير متبدل بل دائم باستمرار، كذلك أيضًا وعوده أكيدة ولا تتغير أبدًا.
لكن في الأمور البشرية العكس هو الصحيح. وكما أن طبيعة الإنسان فاسدة وخاضعة للموت، كذلك أيضًا العطايا التي تأتي من إنسان فاسدة وتذبل بسرعة. وهي ينبغي أن تكون هكذا إذ أننا نحن البشر فاسدين وطبيعة العطايا البشرية تقتدي بطبيعة الكائنات البشرية. (لكن) نحن لا يمكن أن نتوقع شيئًا مثل هذا فيما يختص بوعود الله. إن وعود الله، وعوده فقط باقية وتظل راسخة وثابتة ومتينة.
_____
(102) ينبغي الإشارة إلى أن كل اقتباسات ذهبي الفم من العهد القديم هي من الترجمة السبعينية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dj4mcqw