 |
نيرون وحريق روما واضطهاده للمسيحيين(53):
كان نيرون ذا شخصية عجيبة اختلط فيها جنون العظمة بالميل الجارف نحو الشر والدنس وسفك الدماء. ومن ثم فقد كان قتل جمهرة المسيحيين الأبرياء بيد هذا الشيطان المتأنس نوعًا من الرياضة الممتعة بالنسبة إليه... على أنه ينبغي الإشارة إلى أن الاضطهاد الذي أثاره نيرون ضد المسيحيين، لم يكن اضطهادًا دينيًا خالصًا، كما حدث فيما بعد، لكنه بدأ ضمن كارثة عامة أتهم بها المسيحيين الأبرياء.
بدأ الحريق ليلًا في ليلة 18/19 يولية سنة 64 م. وظلت ألسنة النيران تلتهم كل ما يصادفها لمدة ستة أيام وسبع ليالي، بعد أن فشل الجنود ورجال الإطفاء في إخمادها أو محاصرتها... وكانت نتيجة الحريق دمار عشرة أقسام من الأربعة عشر قسمًا، التي كانت تتألف منها مدينة روما عاصمة الإمبراطورية بل عاصمة العالم وقتذاك. وإن كان التاريخ لم يعط حكمًا قاطعًا في أسباب ذلك الحريق الهائل، لكن كل الشائعات التي ترددت والشهادات وكتابات المؤرخين القدامى، تشير بإصبعها إلى نيرون على أنه الفاعل، وأنه أراد أن يشبع طموحه وجنونه في إعادة بناء روما على نسق أفخم ويدعوها باسمه Neropolis أي مدينة نيرون.
حينما اندلعت ألسنة النيران، كان نيرون على شاطئ البحر في أنتيوم Antium مسقط رأسه... وحتى يبعد الشبهة عن نفسه في جريمة الحريق -وفي نفس الوقت يستمتع بقسوة شيطانية جديدة- ألصق تهمة الحرق بالمسيحيين المنبوذين، الذين أضحوا في تلك الآونة -وبخاصة بعد خدمة القديس بولس الناجحة في روما- مميزين عن اليهود.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وقد ترتب على تهمة الحريق، بدء كرنفال دموي لم تشهد له روما الوثنية مثيلًا، حتى قال البعض أن ما حدث كان بمثابة إجابة قوات الجحيم لحركة التبشير المثمرة التي قام بها الرسول بولس، والتي زعزعت أعماق الوثنية في أهم معاقلها. لقد حكم بالموت على أعداد ضخمة من المسيحيين بأبشع الوسائل... صلب بعضهم إمعانًا في السخرية بعقوبة السيد المسيح، ولف البعض الآخر في جلود الحيوانات الضارية، وألقوا للكلاب المسعورة في مسرح الألعاب الرياضية. وبلغت المأساة ذروتها ليلًا في الحدائق الإمبراطورية عندما اشتعلت النار في المسيحيين والمسيحيات، بعد أن دهنت أجسادهم بالقار أو الزيت أو الراتنج (صمغ الصنوبر)، وسمروا في أعمدة الصنوبر، يضيئون كالمشاعل لتسلية الجماهير... هذا، بينما شوهد نيرون يتجول بعربته، وقد ارتدى ثيابًا غريبة الشكل مرسوم عليها جواد سباق، وكأنَّى به يتباهى بِفَنّه.
كان حرق الإنسان حيًا هي عقوبة مَنْ يحرق عمدًا... وهكذا فإن ما أنزله نيرون من ضروب الوحشية بالمسيحيين لم تكن -من الناحية الرسمية الشكلية- عقابًا على ديانتهم بل التكتل الجماعي في إحراق روما عمدًا!!
كان هذا الاضطهاد المروع الذي أثاره نيرون ضد المسيحيين بمثابة تعبئة لمشاعر جماهير الوثنيين ضدهم. ولا بد وأن موجة الكراهية ضد المسيحيين واضطهادهم قد انتقلت إلى أقاليم الدولة الأخرى في عهد نيرون أيضًا. وقد أيد هذه الحقيقة كبار المؤرخين الموثوق بهم(54)... ومن هول ما ذاقه المسيحيون على يدي هذا الطاغية، اعتقدوا أنه سيظهر ثانية كالمسيح الدجال الذي أشار إليه العهد الجديد. على أن التاريخ مع الأسف لم يحفظ لنا أسماء الشهداء الذين سفكوا دماءهم وجادوا بأرواحهم على يد هذا الطاغية. لكن من المؤكد أن الرسولين بطرس وبولس كانا في مقدمة مَنْ استشهدوا(55).
_____
(53) عن هذا الموضوع بالتفصيل، انظر: الاستشهاد في المسيحية ص 48-52 للمؤلف.
(54) Schaff, Vol. 1, p. 384.
(55) انظر: رسالة إكليمنضس الروماني إلى كنيسة كورنثوس ف 95.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/rome-nero-fire.html
تقصير الرابط:
tak.la/brs4ar6
