6 - الأسر الثاني في روما:
يتوقف القديس لوقا كاتب سفر الأعمال في سرده لجهود بولس الرسول التبشيرية عند ربيع سنة 63 ولا يمدنا بمعلومات أخرى عن حياته بعد ذلك التاريخ... لكن ليس معنى هذا أن رسالة بولس انتهت عند هذا الحد الذي ختمه لوقا بقوله: "كارزًا بملكوت الله ومعلمًا بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع" (أع 28: 31)... ولم يذكر لوقا شيئًا عن استشهاد بولس أو نهاية حياته...
هناك تساؤلات كثيرة، أثير حولها جدل كبير، لم يصل المؤرخون وكبار مفسري الكتاب المقدس إلى رأي موحد إزاءها، وهي تختص بحياة بولس وجهوده في الفترة من ربيع سنة 63 إلى استشهاده في سنة 67 أو 68.
المرجح أن بولس أطلق سراحه لفترة قصيرة أعيد بعدها إلى السجن في روما... وفي هذه المرة ظل مسجونًا تحت حراسة مشددة وبصورة أعنف من الأولى (2 تي 4: 16، 17)... ورسالة القديس بولس إلى تلميذه تيطس هي إحدى الأدلة على إطلاق سراح بولس بعد أسره الأول. يقول له: "من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة.." (تي 1: 5) لم يذهب بولس في رحلاته التبشيرية الثلاث إلى كريت. لكن السفينة رست عليها وهو في طريقه إلى روما أسيرًا (أع 27 : 7، 8). وفي تلك المرة لم يكن معه تيطس... فلا بُد وأنه بعد إطلاقه ذهب لتبشيرها وكان معه تيطس. لقد كانت كل ظروف بولس في أسره الأول في صالحه، مما يؤيد فكرة إطلاق سراحه. كما أن الرسائل التي كتبها في مدة الأسر الأول تعكس نفسيته وتظهرها بمظهر الرجاء والفرح.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
في الفترة القصيرة التي أطلق فيها سراحه بعد الأسر الأول كتب الرسالة إلى العبرانيين من مكان ما بإيطاليا، كان يستعد منه للسفر للشرق... ويعود بولس للظهور أسيرًا للمرة الثانية في روما في أواخر سنة 66... في الفترة ما بين الأسرين ذهب إلى كريت، وعهد إلى تلميذه تيطس العناية بشئون كنيستها، وذهب إلى أفسس وغادرها إلى مكدونية حيث كتب رسالته الأولى إلى تلميذه تيموثاوس من إحدى مدنها... وربما عرج على كورونثوس وميليتس وأمضى شتاء سنة 65، سنة 66 في مدينة نيكوبوليس بإقليم إبيروس، حيث كتب رسالته إلى تيطس يستدعيه (تي 3: 12). ويبدو أنه عرج على ترواس حيث أودع قسمًا من أمتعته (2تي 4: 13)... وفي رأي آخر أنه قبض عليه في ترواس ورحل منها أسيرًا إلى روما ليؤسر أسره الثاني. ويستدلون على ذلك من أنه لم يتمكن من أخذ متاعه ورقوقه التي لا يستغنى عنها. وهناك احتمال أنه ذهب إلى أسبانيا...
وفي هذا الأسر الثاني والأخير كتب بولس آخر رسائله وهي الثانية إلى تيموثاوس، وفيها يقول له: "فإني أنا الآن أسكب سكيبًا، ووقت انحلالي قد حضر. قد جاهدت الجهاد الحسن... وأخيرًا وضع لي إكليل البر" (2تي 4: 6 - 8)... ومهما يكن من أمر، فإن هذه الفترة الأخيرة من حياة ذلك الرسول المجاهد يكتنفها الغموض ويجمع المؤرخون القدامى على أن بولس قضى شهيدًا بقطع رقبته بحد السيف في عهد نيرون الطاغية في مدينة روما، في سنة 67 أو 68 م.
هذا العرض التاريخي المقتضب أقل من أن يصور لنا أن هذا الرسول العملاق على حقيقته... إن من يريد أن يقف على سيرة كاملة له، عليه أن يدرس حياة هذا الرجل القديس المجاهد من واقع كتاباته، التي تبرز قوة شخصيته وجمال فضيلته وعمق إيمانه وفرط اتضاعه وأصالة نسكه ووفور غيرته وكنوز محبته... كم من الأكاليل وضعت لذاك الذي تعب أكثر من جميع الرسل، ودعا الناس أن يمتلئوا إلى كل ملء الله، وكان كل همه أن يحضر كل إنسان كاملًا في المسيح يسوع، وأخيرًا قدم حياته ثمنًا لحبه لإلهه ومخلصه..؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/paul-jail-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/tg6a6p9