St-Takla.org  >   books  >   anba-yoannes  >   apostolic-church
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل - الأنبا يوأنس أسقف الغربية

153- التنظيم المالي والرعوي في كنيسة الرسل

 

2 - التنظيم المالي والرعوي في كنيسة الرسل:

واضح أن المجتمع المسيحي الأول -على الأخص في أورشليم- كان معظم أعضائه من العناصر الفقيرة الكادحة(127) ويكشف لنا القديس بولس ذلك حينما يقول: "ليس كثيرون حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون شرفاء" (1كو 1: 26). وإزاء ذلك -ومع ازدياد عدد المؤمنين يومًا فيوم- أخذت مسئوليات الكنيسة المالية تتزايد... وأضحت الحاجة ماسة إلى تنظيم رعوي للفقراء، بالإضافة إلى تنظيم مالي...

فيما يختص بالتنظيم الرعوي، أقامت الكنيسة الأولى السبعة شمامسة كهيئة مسئولة عن خدمة الموائد، وهو اصطلاح يعني الخدمة الاجتماعية. وكانت الكنيسة في الفترة المبكرة جدًا تقدم وجبات طعام يومية لفقراء المؤمنين.

 

St-Takla.org Image: Dome of the church with the Holy Cross - Basilica di San Lorenzo (Basilica of St Lawrence) and the Laurentian Library, Florence (Firenze), Italy. Established in 1470. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 2, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: قبة الكنيسة مع الصليب المقدس - صور كنيسة القديس لورنس ومكتبة لورينتيان، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. أُنشئت عام 1470 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 2 أكتوبر 2014 م.

St-Takla.org Image: Dome of the church with the Holy Cross - Basilica di San Lorenzo (Basilica of St Lawrence) and the Laurentian Library, Florence (Firenze), Italy. Established in 1470. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 2, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: قبة الكنيسة مع الصليب المقدس - صور كنيسة القديس لورنس ومكتبة لورينتيان، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. أُنشئت عام 1470 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 2 أكتوبر 2014 م.

أما التنظيم المالي فكان الغرض منه، أن يحيا كل فرد في الجماعة حياة كريمة "لم يكن فيهم أحد محتاجًا" (أع 4: 34). هذه الحياة الكريمة جاءت نتيجة للحياة المشتركة، أو الحياة الاشتراكية كما تسمى "لم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركًا" (أع 4: 32). ونلاحظ على الاشتراكية المسيحية الأولى، أنها مفهوم روحي بالدرجة الأولى وليست بحسب المفهوم الاقتصادي في النظام الشيوعي الحديث... ونلاحظ على هذه الاشتراكية المسيحية الأولى ما يلي:

(أ) لم تكن إجبارية (أع 5: 4)... فالمسيحية تعلم أن الإنسان لا ينال جزاء عمل طيب يعمله إلا إذا عمله برضاه وبمحض إرادته ورغبته. وهكذا يقول مار بولس لفليمون: "لكن بدون رأيك لم أرد أن أفعل شيئًا، لكي لا يكون خيرك كأنه على سبيل الاضطرار، بل على سبيل الاختيار" (فل 14).

(ب) هذه الاشتراكية الأولى لم تكن تعني التجرد التام من كل شيء. فمريم أم يوحنا الملقب مرقس، استمرت تمتلك بيتًا في أورشليم، كانت تعقد فيه اجتماعات الكنيسة (أع 12: 12).

(ج) إن هذه الاشتراكية كانت وليدة مفهوم روحي جديد، ونتيجة عمل النعمة في القلب... لقد أصبح جميع المسيحيين أعضاء في جسد واحد رأسه المسيح، وكان لهم قلب واحد ونفس واحدة(128). فلا عجب إن كان لهم الإحساس الواحد بآلام البعض واحتياجاتهم. والكنيسة لم تطالب أعضاءها بأن يقدموا... لقد قدموا هم من تلقاء أنفسهم، بل كانوا يلتمسون من الكنيسة أن تقبل عطاياهم. هذا ما كشفه القديس بولس عندما تكلم عن المكدونيين "لأنهم أعطوا حسب الطاقة، أنا أشهد وفوق الطاقة من تلقاء أنفسهم. ملتمسين منا بطلبة كثيرة أن نقبل النعمة، وشركة الخدمة التي للقديسين"... أما السر في ذلك فيكشفه الرسول في الآية التالية مباشرةً، فيقول إنهم سبق وأعطوا أنفسهم أولًا للرب (2 كو 8: 1-5). ولا شك أن هذه هي مفاعيل النعمة.

(د) إن الحادث المحزن الذي تخلل هذه الروح الرائعة -ونعني به موت حنانيا وسفيرة بالصورة التي ماتا عليها- لم يكن عقابًا إلهيًا لهما لاحتجازهما جزء من ثمن الحقل، بل لأنهما كذبا على روح الله "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس... أليس وهو باق كان يبقى لك. ولما بيع ألم يكن في سلطانك... أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أع 5: 1-10)... هكذا لم يكن قصد الله من هذه التجربة إرهاب الأغنياء، إنما تأكيد حضوره وسط شعبه وإبراز أهمية الفضيلة، وأنه فاحص القلوب وعالم بالخفايا.

(ه) إن عبارة "لم يكن فيهم أحدًا محتاجًا"، هي تطبيق لما جاء في (تث 15: 4)، وهي صورة مثالية لمستقبل الكنيسة - إسرائيل الجديد. وكأن حالة الكنيسة في أورشليم إنما هو إتمام لتلك النبوة القديمة(129).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

أما ملامح هذا التنظيم المالي، فكانت كالآتي:

(أ) كانت جميع التقدمات وأثمان المبيعات يأتي بها أصحابها "ويضعونها عند أرجل الرسل، فكان يوزع على كل أحد كما يكون له احتياج" (أع 4: 34، 35)... ومعنى هذا أنه كان هناك صندوق عام تُحفظ فيه كل التقدمات. ولعل الرسل أخذوا هذا التنظيم عن مُعلمهم نفسه(130). فنحن نعلم مما أورده القديس يوحنا في إنجيله، أنه كان هناك صندوق للجماعة في عهدة يهوذا الإسخريوطي (يو 12: 6). وكان الغرض من هذا الصندوق أن ينفق على الجماعة ويعطى للفقراء "لأن قومًا، إذ كان الصندوق مع يهوذا، ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أن يعطى شيئًا للفقراء" (يو 13: 29).

(ب) كان المحتاجون يأخذون المعونات من الكنيسة وليس من الأفراد. ولا شك أن هذه طريقة كريمة تحفظ للفقراء كرامتهم كبشر وكأعضاء في الكنيسة، فضلًا عن ضبط عملية الإحسانات ذاتها. يقول القديس يوحنا الذهبي فمه: [لم يعط الأثرياء المحتاجين في أيديهم، ولم يقدموا تقدماتهم بتفاخر، لكنهم وضعوها عند أقدام الرسل، وتركوها للمدبرين، وأصبح مالًا عامًا، حتى يسدوا فيما بعد الاحتياجات، ليس من أموال خاصة بل من مال الجماعة](131).

(ج) ليس لغير حكمة ذكر سفر الأعمال أن أموال التقدمات كانت "توضَع عند أرجل الرسل" (أع 4: 34)... فلا شك أن هذا يوضح نظرة الآباء الرسل للمال... إنه دائمًا عند أرجلهم، كنايةً عن أن شهوة المال لا تسود عليهم... ألا يتمشى هذا التعبير -بما يحمله من مفهوم روحي- مع ما اشترطه مار بولس في الأسقف "ألا يكون طامعًا بالربح القبيح... ولا محبًا للمال" (1 تي 3: 3). ثم ألا تفسرها كلمات مار بطرس للكهنة في رسالته "ارعوا رعية الله التي بينكم... لا لربح قبيح بل بنشاط. ولا كمن يتسلط على ميراث الله، بل صائرين أمثلة للرعية" (1بط 5: 2، 3)..؟

(د) كانت الكنائس الأخرى تعاون في سد احتياجات الكنيسة الأم في أورشليم، إحساسًا منها بأنها مدينة لها بالإيمان(132) "لأنه إن كانت الأمم قد اشتركوا في روحياتهم، يجب عليهم أن يخدموهم في الجسديات أيضًا" (رو 15: 27)... فقد حمل القديس بولس تقدمات كنائسه الأممية عدة مرات إلى أورشليم. وحينما أعطوه الرسل يمين الشركة مع برنابا، أوصوهما بأن يذكرا فقراء أورشليم(133)... وقد غدا هذا تقليد ثابتا في الكنائس(134).

(هـ) يبدو أنه كانت هناك سجلات منظمة تسجل فيها أسماء الذين يستحقون ويتقاضون الإعانات المالية. ففيما يختص بالأرامل، يقول بولس الرسول: "لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة، امرأة رجل واحد..." (1تي 5: 9). والكلمة اليونانية التي تترجم "تكتتب" هي Katalego, ومعناها [يختار ويكتب في سجل أو قائمة](135)... وهذا يلقى ضوءًا على ناحية من نواحي التنظيم في الكنيسة الأولى.

 هكذا كانت الكنيسة الأولى، وهي مازالت في طور طفولتها من جهة عمرها الزمني -لكن في اكتمال رجولتها الروحية- تؤدى بالرعاية الاجتماعية لشعبها وأعضائها على خير وجه، بدقة متناهية، وبصورة كريمة لا تهدر شخصية الفقير ولا تؤذي شعوره، وفي اعتناء كبير بمن دعاهم الرب إخوته...

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(127) Karl Kautsky, foundations of Christianity, p. 272.

(128) انظر: (رو 12: 5، كو1:18، أع 4: 32).

(129) Weiss; Earliest Christianity, p. 69.

(130) Smith, Dictionary of the Bibe, Vol. 1, part 2, p. 1832.

(131) Commentary on the Acts of the Apostles, Homily 11 (N. P. N. F., p. 73).

(132) يُضاف إلى ذلك نقطة أخرى، وهي أن اليهود المتنصرين في أورشليم تحملوا عبء اضطهادات كثيرة من بني جلدتهم اليهود وسُلبت أموالهم وممتلكاتهم، أي أنهم قد ضيروا كثيرًا بسبب إيمانهم بالرب (انظر: 1تس 2: 14، عب 10: 34).

(133) انظر: (أع 11: 30، 24: 17، غل 2: 10).

(134) انظر: (رو 15: 26، 1كو 16: 1-4).

(135) Wuest; The Pastoral Epistles, p. 82.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/monetary.html

تقصير الرابط:
tak.la/qhpm3a4