6 - أكل لحم ضحايا الأوثان:
ثمة موضوع حساس أثارته ظروف المسيحيين في العصر الرسولي... هذا الموضوع هو علاقة المسيحيين بمواطنيهم وأصدقائهم الوثنيين... هل يجوز لهم أن يشاركوهم في أعيادهم التي تقام في الهياكل الوثنية أو فيما له مساس بالعبادة الوثنية، وهل يجوز لهم أن يأكلوا من لحوم الضحايا التي تقدم للأوثان؟
وعلى الرغم من صدور قرار من مجمع أورشليم بالامتناع عما ذُبح للأصنام (أع 15: 29)، وتحذير موجه من الرب إلى كنيستي برغامس وثياتيرا لأن بها من يأكلون ما ذُبح للأوثان (رؤ 2: 14، 20)، إلا أننا نجد الرسول بولس يحل هذا الموضوع بطريقة عجيبة، تدل على انفتاح الذهن، وسيادة الروح على الحرف. وهو يصل إلى ما وصل إليه عن طريق البرهان العقلي، والدليل الروحي:
(أ) صرح لهم بأكل كل ما يباع في الملحمة (سوق اللحم) بدون فحص (1كو 10: 25).
(ب) صرح لهم بتلبية دعوة أصدقائهم الوثنيين، وأكل ما يقدم لهم بدون فحص. لكن إذا نبههم أحد إلى أن اللحم الذي يأكلون منه مذبوح للأوثان، فيجب عليهم في هذه الحالة أن يمتنعوا عن الأكل، لعدم إعثار ذوي الضمائر الضعيفة (1كو 10: 27-29).
(ج) نَهَى نهيًا قاطعًا عن الاشتراك في الاحتفالات التي تُقام في الهياكل الوثنية وتناول أي طعام فيها... لقد اعتبر الرسول أن تقدمات الوثنيين في هذه الحالة مُقَدَّمة للشياطين. واعتبر كل مَنْ يأكل أو يشرب من هذه التقدمات هو شريك الشياطين، على نحو ما يجعلنا الاشتراك في جسد المسيح ودمه واحد معه. ولا شك أن الرسول كان يخشى مما يمكن أن تحدثه هذه الاحتفالات بما تحويه من مجون في بعض الأماكن والمعابد، وما يضيفه الجو الوثني العام، من ضعف البعض وارتدادهم إلى الوثنية، وخاصة وقد كانوا ما يزالون حديثي عهد بالإيمان، إلى جانب ما يمكن أن يحدثه هذا التصرف من عثرات لبعض ذوي الضمائر الحساسة. لذا ينصحهم الرسول بالهروب من عبادة الأوثان. ونلاحظ أنه نفس التعبير الذي يستخدمه فيما يختص بالزنى، ولعل هذا يوضح لنا مدى تأثير الوثنية على الناس في ذلك الوقت (1كو 10: 14-21).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
على إننا نرى أنه من المفيد أن نعرض بعض الجوانب التي راعاها الرسول في حل هذه المشكلة الحساسة. وتتلخص في أنه لا يكفي لتنفيذ أمر ما، اقتناع الإنسان بأنه على صواب، وارتياح ضميره له، غير مبالٍ بعثرة الآخرين.
* فكنيسة المسيح تضم أعضاء مختلفين من جهة مستوياتهم في المعرفة... فالبعض على جانب من المعرفة تؤهلهم إلى الاستخفاف بالأوثان، واعتبارها لا شيء ويؤمنون أنه "ليس وثن في العالم، وأن ليس إله آخر إلا واحد" (1كو 8: 4)... لكن إلى جانب هؤلاء، يوجد فريق من البسطاء تعوزهم هذه المعرفة، لأنه "ليس العلم في الجميع" (1كو 8: 7)... ومثل هؤلاء تتعب ضمائرهم إزاء الموضوع الذي نحن بصدده، وينبغي عدم تجاهلهم لأن من لا يبالي بذوي الضمائر الضعيفة يخطيء إلى المسيح (1كو 8: 12).
* على الرغم من إبراز الرسول لفكرة أن "الطعام لا يقدمنا إلى الله، لأننا إن أكلنا لا نزيد، وإن لم نأكل لا ننقص" (1كو 8:8)... وأنه لا ينجسنا لأن "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان" (مت 15: 11)،.. فإنه يقول "انظروا لئلا يصير سلطانكم هذا معثرة للضعفاء" (1كو 8: 9).
* ويخلص القديس بولس من هذا الموضوع بمبادئ عامة سامية، تدل على أنه لا يفكر في ذاته بل في الآخرين، ولا يعيش لنفسه بل لهم... وهذه المبادئ هي للتنفيذ في كافة المجالات والأوضاع:
"كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق"
"كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء تبني"
"لا يطلب أحد ما هو لنفسه، بل كل واحد ما هو للآخر"
(1كو 10: 23، 24)
وهو في سبيل تحقيق هذه المبادئ، ومن أجل محبته لإخوته، الذين مات المسيح لأجلهم، مستعد أن يحرم نفسه من أكل اللحم إلى الأبد "لذلك إن كان طعام يعثر أخي، فلن آكل لحمًا إلى الأبد لئلا أعثر أخي" (1كو 8: 13).
وقد صارت تعليمات القديس بولس في هذا الأمر هادية للكنيسة كلها في ذلك العصر المبكر. ونجد تأكيدًا لذلك في تعاليم الآباء الرسل، وفي حوار يوستينوس الشهيد مع تريفو اليهودي(171).
_____
(171) Didache, 6. 3; Justin Martyr, Dialogue, 34. 8, 35. 1; Leitzmann, p. 139.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/meat-for-idols.html
تقصير الرابط:
tak.la/fx2jtca