إذا كنا رأينا مدى أهمية دراسة تاريخ الكنيسة بصفة عامة، فلا شك أن للعصر الرسولي أهمية خاصة نجملها فيما يلي(1):
1) للعصر الرسولي أهمية خاصة من كل النواحي المتعلقة بالمسيحية كديانة، ومن ثم فقد اهتم الباحثون بدراسة تاريخه. ومصدر هذه الأهمية، هو أن حياة السيد المسيح هي النبع الأصلي للديانة المسيحية، وتبعًا لذلك فقد اُعتبر العصر الرسولي المصدر الأصيل للكنيسة المسيحية، كمجتمع منظم منفصل ومتميز عن مجتمع اليهود... وفضلًا عن ذلك فإنه عصر الروح القدس، عصر الإلهام والتشريع لكل العصور التي تليه، والنافذة التي نطل منها على المسيحية الأصلية في مبادئها، القوية في إيمانها، الإلهية في كيانها...
2) يقدم لنا صورة أمينة لحيوية المسيحية وفعاليتها ونقاوتها... ففيه نقرأ كيف استطاعت المسيحية -بقوة فائقة للطبيعة، وبعلامات وعجائب وإثباتات غير مألوفة لروح العصر- أن تجدد الخليقة الساقطة سواء اليهود أو الوثنيين، بطريقة تدريجية وتفاعل هادئ.
3) يقدم لنا إثباتًا قويًا واضحًا على أن المسيحية كديانة، إنما هي عمل إلهي فائق للطبيعة... فعلى الرغم من أن الكنيسة في سعيها الحثيث لنشر رسالتها في تاريخها المبكر، كانت كالطفل الذي يحبو على الشوك... وعلى الرغم من أنها -في تلك الفترة العصيبة من تاريخها- كانت بلا سند من قوة زمنية، فقد استطاعت -بقوة مؤسسها الذي وعدها أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها- أن تثبت أمام جماعات اليهود بمكرهم وتعصبهم، وجحافل الوثنيين بملوكهم وحكامهم... إنه أمر يدعو للدهشة، أنه في خلال قرون قليلة من مولدها، استطاعت المسيحية أن تنال ولاء غالبية شعوب الإمبراطورية الرومانية في كل العالم القديم. بل أن الدولة نفسها سعت للتحالف معها... لقد بدت المسيحية متواضعة في مظهرها الخارجي، لكنها كانت يقظة لأصلها الإلهي. لم يكن لها ذهب ولا فضة، لكنها كانت غنية في مواهبها وقواتها الفائقة للطبيعة... قوية في الإيمان، حارة في الحب، فرحة في الرجاء... لقد فرضت نفسها على مسرح التاريخ كالحق الوحيد، والدين الكامل لكل شعوب الأرض.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
4) وثمة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لدراسة تاريخ العصر الرسولي. فلقد كان السيد المسيح يحدث تلاميذه أحاديث كثيرة، وصنع قدامهم آيات عظيمة لم تدون في الإنجيل (يو 20: 30). كما أنه بعد قيامته المجيدة كان يظهر لهم مدة أربعين يومًا يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله (أع 1: 3)، ولم يدون كاتبو الأناجيل هذه الأحاديث. أضف إلى هذا أن التعليم المسيحي في عصر الرسل قدم للناس شفويًا -وهو ما يعرف باسم التقليد- ودراسة ذلك العصر تُطلعنا على هذه التقاليد، وكل ما سلمه الرسل شفاهًا...
5) يُضاف إلى هذا كله، أن العصر الرسولي يقدم لنا نماذج لشخصيات مسيحية عملاقة، وخاصةً في ميدان الخدمة والتبشير... شخصيات استنارت عقولهم بالروح القدس. وتأيدوا بقوة في الإنسان الباطن. ولا شك أن في هذا خير حافز على العمل والجهاد...
_____
(1) Schaff; Vol 1, pp. 198, 199
.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/importance.html
تقصير الرابط:
tak.la/yhns4pr