3- التأديبات الكنسية:
مارست كنيسة الرسل، سلطانها المعطى لها من الله، لبنيان نفوس أعضائها، فأوقعت على بعض المنحرفين والخطاة بعض تأديبات خاصة بقصد تقويمهم في الفضيلة وتهذيب نفوسهم وتدريبهم على التقوى(144)... والتأديبات الكنسية ليست قصاصًا أو عقابًا يكفر عن خطية الإنسان. فالخطية لا يكفر عنها سوى دم المسيح وحده، أما هذه التأديبات فهي -كما قلنا- للتقويم والتهذيب، وفي بعض الحالات لدراء خطر أو ضرر يمكن أن يحدث...
إن الكنيسة في هذه الحالة كالطبيب الذي يعالج مرضاه، كلًا حسب حالته... فهو يعالج البعض بالأدوية مُرَّة المذاق، وينصح البعض بالتزام الراحة التامة، والبعض الآخر تستدعي حالتهم عزلهم عن الأصحاء، ونهى الأصحاء عن مخالطتهم حتى لا تنتقل العدوى إليهم... لكن إذا كان المرض خطيرًا جدًا ولا سبيل إلى البرء منه، ويخشى من امتداد المرض إلى باقي الأعضاء، فقد كانت الكنيسة -في حزن وألم- تقطع العضو من شركتها، على نحو ما يفعل الطبيب الذي تضطره حالة المريض إلى أن يبتر عضوًا من أعضاء جسمه...
لكن نلاحظ فيما وصل إلينا من كتابات العهد الجديد أو قوانين الرسل، إن هذه التأديبات الكنسية كانت تتسم بروح المحبة والحنو والرحمة وطول الروح، وتستهدف، بالفعل بنيان المؤمنين، لا هدمهم (2كو 10: 9، 13: 10). ولا شك أن الكنيسة قد تسلمت هذه الروح من الرب يسوع الذي أظهر ملء الحنان والحب والشفقة في معاملته للخطاة، وفي اقتيادهم إلى التوبة...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فالشاب الذي ارتكب خطية زنا بالمحارم في كورنثوس - بعد أن قدم ثمار توبته، كتب معلمنا بولس إلى الكنيسة يقول: "مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة" (2كو 2: 6-8). ويكتب إلى كنيسة تسالونيكي يقول: "إن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة، فسموا هذا ولا تخالطوه لكي يخجل. ولكن لا تحسبوه كعدو بل انذروه كأخ" (2 تس 3: 14).
وقد أفاض الآباء الرسل في الكلام عن معاملة الخطاة بالحنو والرفق والرحمة والعدل... وقد حذروا الأسقف من القسوة والصرامة وتعالي القلب ونصحوه بالتريث وعدم الإسراع في الحكم. واعتبروا عقوبة القطع من شركة الكنيسة جريمة قتل، وتبديدًا لشعب الله(145).
وكانت هذه التأديبات الكنسية تتدرج وتتفاوت في نوعها حسب الخطأ الذي ارتكبه الشخص. وأقصى عقوبة كانت هي الفرز من الكنيسة... لكن حتى في هذه الحالة كان الهدف هو أن يخجل الخاطئ ويحس بما ارتكبه... "لا تحسبوه كعدو، بل انذروه كأخ".
_____
(144) Lietzmann, A History of the Early Church, pp. 137, 138;
موسهيم، تاريخ الكنيسة المسيحية ك 1، ق 2، ف 3 عن القرن الأول ص 39.
(145) انظر الدسقولية الباب الرابع والخامس والثامن والعاشر - وانظر أيضًا:
Apostolical Constitutions, 2. 13-16, 20, 38-41.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/church-discipline.html
تقصير الرابط:
tak.la/kgh3hgk