2- المُلك الألفي
يؤمن بعض المسيحيين، أن السيد المسيح سيجيء على الأرض، ويملك ملكًا زمانيًا، لمدة ألف سنة!
ويفسرون أحداث المجيء الثاني بطريقة معقدة جدًا، يمكن تلخيصها -بحسب رأيهم- في:
1- يأتي المسيح سرًا ليخطف المؤمنين.
2- يأتي ضد المسيح، تحدث الضيقة العظيمة.
3- يؤمن بعض اليهود بالمسيح، أثناء الضيقة العظيمة.
4- يجتمع الأشرار لعمل حرب ضد اليهود الذين آمنوا.
5- يأتي الرب يسوع ليدمر الأشرار، وينقذ اليهود، ويملك على الأرض لمدة ألف سنة.
6- حل الشيطان من قيوده، و الارتداد العظيم، ويصنع الأمم حربًا مع المسيح؛ فيغلب المسيح الشيطان ويطرحه في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
7- المجيء الأخير للدينونة.
ونحن -الكنيسة الأرثوذكسية- لا نؤمن بكل هذا التعقيدات، فأحداث مجيء المسيح، والاختطاف، والدينونة العامة، كلها ستحدث في لحظة واحدة، يسبقها كل أحداث ما قبل المجيء الثاني، كما سَيَتَبَيَّن في هذا البحث.
ونؤمن أن مُلك السيد المسيح (الألفي) على البشر بدأ من يوم الصليب.
ولكي ندرك هذه الحقيقة الإيمانية، علينا أن نتتبع القصة من الأول بتدقيق.
1- بسبب خطية آدم، سقط الإنسان تحت سلطان الشيطان، والموت، والفساد.
“مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهَكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ.” (رو 5: 12)
لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ ٱلْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ بِٱلْوَاحِدِ، فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيرًا ٱلَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ ٱلنِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ ٱلْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي ٱلْحَيَاةِ بِٱلْوَاحِدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ! (رو 5: 17)
2- بسبب خضوع الإنسان له، صار الشيطان رئيسًا لهذا العالم وإلهًا لهذا الدهر، ليس عن استحقاق، لكن عن اغتصاب لحق ليس من حقوقه.
“ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللهِ.” (2كو 4: 4)
“اَلْآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا ٱلْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا ٱلْعَالَمِ خَارِجًا.” (يو 12: 31)
“لَا أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ.” (يو 14: 30)
“وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلِأَنَّ رَئِيسَ هَذَا ٱلْعَالَمِ قَدْ دِينَ.” (يو 16: 11)
وصار سلطان الشيطان، ليس على البشر فقط، بل وأيضًا على الخليقة كلها. بسبب أن الإنسان هو سيد ورئيس خليقة الله.
“إِذْ أُخْضِعَتِ ٱلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ -لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِي أَخْضَعَهَا- عَلَى ٱلرَّجَاءِ،” (رو 8: 20)
3- جاء السيد المسيح؛ ليحررنا من سلطان الشيطان،
فـ(أَسْلَم ذاته إلى الموت -فداءً عنا- الذي تملك علينا، هذا الذي كنا ممسكين به، مَبيعين من قبل خطايانا) (القداس الباسيلي).
ووسيلة هذا التحرير هي الصليب، الذي به أُستردت مملكة الله من الغاصب الظالم.
“فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلْأَوْلَادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ ٱلَّذِينَ -خَوْفًا مِنَ ٱلْمَوْتِ- كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ.” (عب 2: 14-15)
سقط الشيطان، وفقد سلطانه على البشر والخليقة.
«رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ.” (لو 10: 18)
هزم المسيح الشيطان، وأشهره جهارًا:
“وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا، إِذْ مَحَا ٱلصَّكَّ ٱلَّذِي عَلَيْنَا فِي ٱلْفَرَائِضِ، ٱلَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ ٱلْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِٱلصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ.” (كو 2: 13-15)
وصار المسيح ملكًا صالحًا، يملك على قلوب من يقبلونه.
“قُولُوا بَيْنَ ٱلْأُمَمِ: «ٱلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ ٱلْمَسْكُونَةُ فَلَا تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلِٱسْتِقَامَةِ».” (مز 96: 10)
"ملك الرب على خشبة" (النص القبطي من السبعينية)".
ونحن نصلي دائمًا: “لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.” (مت 6: 10) أي ليملك المسيح على قلوب البشر.
هذا الملكوت المسترد من إبليس، دُفع فيه ثمن عظيم:
“لِأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلهِ.” (1كو 6: 20)
“عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لَا بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلْآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلَا عَيْبٍ وَلَا دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ ” (1بط 1؛ 18-20)
“فَإِذْ قَدْ تَأَلَّمَ ٱلْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا بِٱلْجَسَدِ، ..، لِكَيْ لَا يَعِيشَ أَيْضًا ٱلزَّمَانَ ٱلْبَاقِيَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ ٱلنَّاسِ، بَلْ لِإِرَادَةِ ٱللهِ.” (1بط 4: 1-2)
“لِأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هَذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ، فَٱلْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لِأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلْأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لَا لِأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لِأَجْلِهِمْ وَقَامَ.” (2كو 5: 14-15)
لقد صِرنا له، نحن مملكته، نعيش له ولإرادته.
طبعًا لا يمكن أن نظن أن الثمن العظيم قد دُفع للشيطان، فهو مغتصب، وليس له حقوق -وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى- بل الثمن هو "الموت" الذي ماتَهُ السيد المسيح نيابةً عنا.
ونتيجة هذا الموت تم القبض على الشيطان وتقييده لمدة ألف سنة. (رقم رمزي يدل على الأبدية كما سَيَرِد بعد قليل).
“وَرَأَيْتُ مَلَاكًا نَازِلًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لَا يُضِلَّ ٱلْأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ، حَتَّى تَتِمَّ ٱلْأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ لَابُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا.” (رؤ 20: 1-3)
هذه الألف سنة لا يمكن فهمهما أنها سنوات يملك فيها السيد المسيح على الأرض، لأنه سبق وأعلن أن: “«مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لَا أُسَلَّمَ إِلَى ٱلْيَهُودِ. وَلَكِنِ ٱلْآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا». فَقَالَ لَهُ بِيلَاطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي».” (يو 18: 36-37)
وقد رفض السيد المسيح رغبة اليهود في أن يجعلوه ملكًا.
“وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، ٱنْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى ٱلْجَبَلِ وَحْدَهُ.” (يو 6: 15)
بل بالعكس، تكلم عن ملكوت سمائي عند الآب، يجهزه لنا،
“فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلَّا فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لِأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا،” (يو 14: 2-3)
خاصة وأن “لَيْسَ مَلَكُوتُ ٱللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلَامٌ وَفَرَحٌ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.” (رو 14: 17)
يقول القديس أغسطينوس في رده على أناس اعتقدوا أن ملكوت المسيح أرضي:
"لن يكون هناك مجيء للمسيح قبل ظهوره للدينونة؛ لأن مجيئه حاصِل بالفعل الآن في الكنيسة، وفي أعضائنا. أما القيامة الأولى فهي مجازية تشير إلى التغيير الذي يحدث في حالة الناس عندما يموتون في الخطية، ويقومون لحياة جديدة. فالحكم الألفي للمسيح على الأرض قد بدأ بيسوع نفسه في الكنيسة، والقديسون يحكمون فيها." (القديس أغسطينوس).
ورقم (ألف) هو رقم رمزي، لا يمكن أن يُفهم بطريقة حرفية.
“أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ.” (2بط 3: 8)
خاصة وأن ملكوت السيد المسيح ملكوت أبدي، فكيف نحدُه في ألف سنة؟
“فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلْأُمَمِ وَٱلْأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ.” (دا 7: 14)
“وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».” (لو 1: 33)
إذًا المُلك الألفي هو ما نعيشه الآن منذ الصليب، وحتى المجيء الثاني.
“سَأَلَهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ: «مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللهِ؟». أَجَابَهُمْ وَقَالَ: «لَا يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللهِ بِمُرَاقَبَةٍ، وَلَا يَقُولُونَ: هُوَذَا هَهُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لِأَنْ هَا مَلَكُوتُ ٱللهِ دَاخِلَكُمْ».” (لو 17: 20-21)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-raphael/ebooks/second-coming/millennial-reign.html
تقصير الرابط:
tak.la/k7bmh8d