إن ما عمله الرب مع بولس الرسول في البرية هو نفسه ما عمله مع بطرس وباقي الاثني عشر في مدة وجوده معهم في خدمته على الأرض، بما في ذلك ليلة العشاء الرباني. أي أن السيد المسيح في السماء وبولس على الأرض، وفي البرية استطاع أن يتسلّم ما تسلمه الآباء الرسل في فترة وجود السيد المسيح على الأرض. لدرجة أن يصير أحد أقطاب المسيحية الكبار جدًا مثله في ذلك مثل الاثني عشر تمامًا. حتى أنه هو في وقت من الأوقات بدأ يصحح أمورًا لبطرس نفسه.
وبطرس الرسول نفسه شهد لرسائل بولس الرسول وقال إنها مثل الأسفار المقدسة وأن الذي يحرّف فيها أي شيء يهلك.
بل يقول معلمنا بولس الرسول "وَلَكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً، لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ، وَلَكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ، خَائِفًا مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضًا انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ! لَكِنْ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَّهُمْ لاَ يَسْلُكُونَ بِاسْتِقَامَةٍ حَسَبَ حَقِّ الإِنْجِيلِ، قُلْتُ لِبُطْرُسَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ: إِنْ كُنْتَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ تَعِيشُ أُمَمِيًّا لاَ يَهُودِيًّا، فَلِمَاذَا تُلْزِمُ الأُمَمَ أَنْ يَتَهَوَّدُوا؟" (غل2: 11-14).
ولم يغضب بطرس الرسول من هذا التوبيخ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فهذا ليس تقليلًا من شأنه، لأنه قدّم لنا خدمة كبيرة جدًا عندما قال عن الأمور المختصة بالخلاص "لِذَلِكَ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هَذِهِ، اجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ فِي سَلاَمٍ وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ" (2بط3: 14-16).
هنا شهد معلمنا بطرس الرسول لكل الرسائل التي كتبها بولس الرسول.. وحذّر من تحريفها أو إساءة فهمها..
لقد قدّم لنا بطرس الرسول في نصيحته أمرين في غاية من الروعة والجمال، الأول هو أن كتابات بولس الرسول كلها موحى بها من الله، والثاني هو نصيحة ألا يحرف أحد الكلام إن كان به أشياء عسرة الفهم.
كان بطرس الرسول يرى أن بولس شرح أشياء كثيرة جدًا وبها أشياء فصيحة جدًا، فلا يليق أن يفسرها أحد بهواه الخاص لئلا يقلب الإيمان.
لا تظنوا أن بطرس الرسول عندما قال هذه العبارة كان ينتقد بولس لأنه قال "كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ" ويقول "يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ". أي أنه يعتبر كتب بولس أنها كباقي الأسفار ومن يحرفها يجلب على نفسه هلاكًا.
أنه أمر في منتهى الروعة، حقيقةً، أن نرى أن الرسل خاصة بطرس، الذي ذكر في الأناجيل كأول اسم من الاثني عشر، يقبلون أن بولس الذي جاء أخيرًا والذي كان يضطهد الكنيسة، يقف ويوبخ بطرس مواجهة لأنه كان ملومًا، ويكتب بولس ذلك في رسالته إلى أهل غلاطية، ثم يقول بطرس الرسول أنه كتب "بحسب الحكمة المعطاة له"!!!
هذه هي الكنيسة، التي لا يفكر فيها أحد في نفسه، لكن الكل يفكر في مقاصد الله لخلاص الناس وفي العقيدة السليمة التي تسمو فوق الجميع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/monasticism/wilderness.html
تقصير الرابط:
tak.la/y9tap2x