4- الصليب والأنا المبذولة
علامة الصليب تشير إلى الأنا المبذولة أو الطاعة الكاملة. فإذا أردنا إلغاء أي خط نضع خطًا متعارضًا مع الخط المراد إلغائه. فالصليب في حد ذاته يُعلن حياة التسليم الكامل لله. كما أن السيد المسيح في مظهره على الصليب كان واقفًا وأما في الحقيقة فقد كان كل جزء في جسده مقيدًا لا يستطيع أن يتحرك. معنى هذا أن السيد المسيح يريد أن يقول لنا إنه لابد من "صلب الجسد مع الأهواء والشهوات" ونقول "مع المسيح صُلِبت فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ" (غل 20:2).
تسمّرت على الصليب كل أهواء الجسد ومشيئته الخاصة. لم تكن للسيد المسيح طبعًا رغبات خاطئة؛ حاشا، لكن كانت له رغبات طبيعية مثل الأكل والشرب والراحة. فقد جاع عندما صام مثلًا. ورغبات الجسد هذه غير خاطئة في حد ذاتها. لكن كانت مشيئة الآب السماوي بالنسبة للسيد المسيح هي أن تبطل هذه الرغبات، فكانت الطاعة الكاملة هي الجواب. لذلك عندما أتى الشيطان ليجرِّبه وهو جائع وقال له "قل أن تصير هذه الحجارة خبزًا" أجابه السيد المسيح أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت4: 3-4). فكما أن الجسد يقتات بالخبز، فمن الجانب الآخر ستتعطل الروح بسبب إتمام رغبات الجسد حتى لو كانت هذه الرغبات غير خاطئة. فليصلب الجسد إذًا لكي تنفذ المشيئة الإلهية، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وأيضًا وهو على الصليب قيل له "إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب" (مت27: 40) فلماذا هذا التعب ولماذا هذه الآلام المريعة؟ ولكن السيد المسيح لن يطيع الجسد طالما يتعارض هذا مع مشيئة الآب السماوي. وبذلك يكون مفهوم عبارة "لتكن لا إرادتى بل إرادتك" (لو22 :42) هو: لتكن لا رغبات الجسد في أن يرتاح أو أن يتحرر من الآلام الجسدية أو النفسية، بل لتكن مشيئة الآب في إتمام الفداء.
تعرّض السيد المسيح لآلام نفسية مريرة بجوار الآلام الجسدية. تمثَّلت هذه الآلام النفسية في الآلام التي عاناها السيد المسيح نتيجة لخيانة يهوذا (فهو إحساس مر أن يهوذا تلميذه يُقبّله ويُسلّمه لأعدائه بهذه الصورة). وأيضًا في تعييرات الناس الذين أتى لأجل خلاصهم ويقدِّم لهم حبه، فتكون هذه هي مكافأته. إحساس مر لا يُعبَّر عنه. كما أن كونه موضوعًا في وضع الملعون والمصاب والمضروب من الله ويحمل كل خطايا البشرية لكي يقدّم ثمن عصيان الإنسان وتمرده -كأس مملوءة بالمر.
كان من الطبيعي أن النفس والجسد يشعران أنهما أمام اجتياز كأس مريرة جدًا لابد أن يشربها إلى نهايتها. فيقول للآب "لتكن لا إرادتي" (لو22: 42). وليس المقصود بالإرادة هنا الإرادة المسئولة عن اتخاذ القرار، لأن القرار هو قرار الثالوث القدوس بإتمام الخلاص الذي أتى المسيح لأجله، إنما المقصود بها هو الرغبة الطبيعية أو الاحتياج الطبيعي الناشئ عن حمل السيد المسيح لطبيعة بشرية حقيقية من خصائصها الشعور بالألم وبالحزن وبالمعاناة. وهكذا فإن السيد المسيح في معاناته الرهيبة يريد أن يقول للآب: "لن يكون قرارى مبنيًا على ما في هذه الخصائص البشرية من تعب وألم وحزن، لكنه مبنى على ما في رغبتى الكاملة في إرضائك وفي تخليص الذين أحببتهم للمنتهى. فهو الذي قيل عنه "أحبَّ خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى" (يو13: 1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/cross/ego.html
تقصير الرابط:
tak.la/4k8hrvz