في التطويب التاسع قال السيد المسيح: "طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين، افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات، فإنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم" (مت5: 11، 12).
قد يفرح الإنسان باحتمال الآلام والطرد من أجل السيد المسيح كما شرحنا. ولكن الأمر الأكثر صعوبة هو أن يفرح بأن تُقال عليه كل كلمة شريرة من أجل السيد المسيح كذبًا وافتراءً.
ربما يقلق الإنسان الروحي إذا قيل عليه كلام افتراء خشية أن يسبب ذلك عثرة للآخرين. خاصة إذا كان هذا الإنسان خادمًا للمسيح، مطالبًا بأن يعتني بأمور حسنة قدام جميع الناس، وأن يكون هو نفسه قدوة في الأعمال الصالحة لمنفعة الذين يخدمهم.
هنا تكمن الصعوبة في أن يفرح بأن تقال عليه أقاويل شريرة قد تسئ إلى سمعته وتشوه صورته، وتهدم ما بناه في الخدمة من أجل السيد المسيح.
والعجيب هنا أن السيد المسيح هو نفسه الذي يمنح التطويب لمن يتعرض لهذا الحال المثير للحيرة والاضطراب.
نحتاج هنا إلى مناقشة أسباب الفرح في مثل هذه الظروف:
أولًا: السيد المسيح قال: "افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السماوات". من أسباب الفرح أن لهذا الأمر أجرًا عظيمًا في ملكوت السماوات.
ثانيًا: اختبار شركة الآلام والأمجاد مع المسيح:
إن السيد المسيح قد احتمل التعييرات على الصليب، ونسبت إليه اتهامات باطلة كثيرة، واختار له اليهود الموت صلبًا. "لأن المعلق (على الخشبة) ملعون من الله" (تث21: 23) حسب الشريعة اليهودية. وبهذا يُثبتون عليه أنه ملعون من الله، وبالتالي لا يستحق التقدير كمرسل من الآب إلى العالم كما كان يقول عن نفسه.
احتمل السيد المسيح كل سخرية اليهود، واستهزائهم، وكذلك هزء وسخرية الجند الرومان الذين كانوا يسخرون منه حينما سمعوا أن المؤمنين قد لقبوه "ملك اليهود".
وقد سبق داود النبي فتنبأ في المزمور عن سخرية اليهود من السيد المسيح فقال: "أنا.. عار عند البشر ومحتقر الشعب. كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه. لينقذه لأنه سُرّ به" (مز22: 6-8).
ولكن داود عاد وتنبأ في نفس المزمور عن قيامة السيد المسيح فقال: "أخبر باسمك إخوتي في وسط الجماعة أسبحك.. لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأمم" (مز 22: 22، 28).
وقد سجل معلمنا متى الإنجيلي تعييرات اليهود للسيد المسيح فقال: "وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: "يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خلّص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا: خلّص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده. لأنه قال أنا ابن الله" (مت27: 39-43).
ولما قام السيد المسيح وصار الرسل يبشرون بقيامته شعر اليهود أن قيامة السيد المسيح قد بددت كل مؤامراتهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وظهر بر المسيح، لأن الآب أقامه من الأموات، ناقضًا أوجاع الموت. لهذا طلب رؤساء اليهود بإلحاح من الآباء الرسل أن لا يكرزوا بقيامة السيد المسيح وقالوا لهم: "تريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان" (أع5: 28). بمعنى أن القيامة حينما تتأكد حقيقتها فإنها تظهر أن الرب يسوع قد حكم عليه بالموت ظلمًا، وأن على اليهود دم بريء سوف يطالبهم الله به.
لذلك قال معلمنا بطرس الرسول: "يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضًا تعلمون. هذا أخذتموه مسلّمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يمسك منه" (أع2: 22-24).
إذن فجميع الادعاءات الباطلة التي نطق بها اليهود ضد السيد المسيح، قد أزالتها القيامة المجيدة.
إن من يؤمن بعمل الله وقدرته، يمكن أن يفرح إذا قيلت ضده افتراءات ومزاعم كاذبة.. لأن الله قادر أن يرد على هذه الافتراءات.
إن الرب له طريقة عجيبة في الدفاع عن سُمعة قديسيه ومختاريه.. لذلك لا ينبغي أن يقلق أحد في وسط أعاصير الاتهامات الباطلة.. لأن الرب سوف يقاتل عنه.. ولن يسمح بأن تصير هناك عثرة إن كان هو بريئًا من هذه الاتهامات.
حتى لو اضطرت الظروف الإنسان أن يصمت.. أو ألا يدافع عن نفسه.. فإن الرب سوف يدافع عنه، ويريه كيف يستطيع أن يتمجد سلاح البر ذات اليمين وذات اليسار.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/gibe.html
تقصير الرابط:
tak.la/b23fxfa