بعد أن تكلّم السيد المسيح عن شريعة الكمال المسيحية في ضوء شريعة العهد القديم التي شهدت للمسيح ومهدت لمجيئه ولشريعته الكاملة قال: "فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم الناس هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما من عمل وعلّم فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات. فإني أقول لكم إنكم إن لم يزِد بركم على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السماوات" (مت5: 19، 20).
يقول معلمنا بولس الرسول عن مثل هؤلاء: "لأنهم إذ كان يجهلون بر الله، ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن" (رو10: 3، 4).
أي أن الكتبة والفريسيين قد أرادوا أن يثبتوا بر أنفسهم بممارسة بعض الأمور الشكلية في الناموس ولم يبحثوا عن قصد الله الحقيقي من الوصية كقول بولس الرسول أيضًا: "وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء، الأمور التي إذ زاغ قوم عنها انحرفوا إلى كلام باطل يريدون أن يكونوا معلمي الناموس وهم لا يفهمون ما يقولون ولا ما يقررونه" (1تى1: 5-7). باسم الناموس صلب الكتبة والفريسيون السيد المسيح لأنهم زاغوا عن الحق ولم يفهموا الوصية.
لذلك وبّخ بطرس الرسول اليهود على قساوة قلوبهم واندفاعهم وراء مشورة المرائين فقال: "ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 14، 15).
وقد وبّخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين المرائين الذي يطيلون الصلوات للتباهي ويعشرون الشبث والنعنع.. وفي نفس الوقت يأكلون بيوت الأرامل وتركوا عنهم أثقل الناموس الرحمة والحق والإيمان (انظر مت23: 23).
كذلك وبَخ القديس بولس الرسول أمثال هؤلاء فقال: "هوذا أنت تسمى يهوديًا وتتكل على الناموس وتفتخر بالله، وتعرف مشيئته، وتميز الأمور المتخالفة متعلمًا من الناموس، وتثق أنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة، ومهذّب للأغبياء، ومعلّم للأطفال، ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذًا الذي تعلّم غيرك ألست تعلّم نفسك. الذي تكرز أن لا يُسرق، أتسرق؟ الذي تقول أن لا يُزنى، أتزني؟ الذي تستكرِه الأوثان، أتسرق الهياكل؟ الذي تفتخر بالناموس، أبتعدي الناموس تُهين الله؟ لأن اسم الله يُجدّف عليه بسببكم بين الأمم كما هو مكتوب" (رو2: 17-24).
لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "إن لم يزِد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات" (مت5: 20). أي أنه ينبغي أن يسلكوا الوصية الإلهية بحسب غايتها الحقيقية وهي المحبة لله وللقريب من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحتمًا، يكون هذا الإيمان هو في المسيح الذي أعلن لنا محبة الله وقداسته وصالحنا مع الله أبيه لنسلك في القداسة والوصية الإلهية بكل حرص وبلا لوم.
عن هذا المعنى قال معلمنا بولس الرسول: "وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس، مشهودًا له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون" (رو3: 21، 22). لم يفرق الله بين اليهود والأمم في دعوة الجميع إلى الخلاص بالإيمان والتوبة والمعمودية والثبات في المسيح.
أما عن قول السيد المسيح: "من نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم الناس هكذا" (مت5: 19). فهو يقصد أن الكتبة والفريسيين كما سبق أن شرحنا كانوا ينقضون الوصايا في الخفاء أو العلن. وفي نفس الوقت يعلمون الناس حفظ الوصية. فمثل هؤلاء يسلكون في الرياء ويكونون محتقرين وليس لهم موضع في ملكوت السماوات. "وأما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت5: 19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/any.html
تقصير الرابط:
tak.la/sa6dhy9