لا نقصد في هذا المقال أن نشير إلى عوامل القوة في حياة الخادم فهي معروفة للجميع، مثل حياة الصلاة، البذل لأجل خلاص النفس، التفاني في خدمة الفقير والمحتاج والضعيف، والإيمان بقوة المعجزة وفاعلية الروح وإعطاء يمين الله الفرصة أن تعمل بوضوح في حقل الخدمة.
ولكن المقصود من هذا المقال هو وضع بعض المعايير الأساسية نقيس بها الجو العام في الخدمة، فكل إيبارشية وكل كنيسة كبيرة أو صغيرة لها مناخ عام وسمات يتميز بها جوها وعملها.. هذه السمات إن كانت إيجابية فان العمل مبارك: وإن كانت سلبية فإن الخدمة تحتاج إلى مراجعة وإعادة تقييم.
المعيار الأول الذي يواجهنا في كنيسة الرسل حسبما أوضحه سفر الأعمال هو وحدانية القلب لجماعة المؤمنين.. لقد كان المؤمنون معا. يتناولون جميعًا من الأسرار الإلهية. يأكلون من مائدة المحبة (لأغابي) معًا، يصلون معًا، يقرأون الكنب المقدسة معًا، يتألمون معًا، يفرحون معًا، وباختصار كانوا بنفس واحد.
فالكيسة الناجحة هي التي تشعر أن جميع أعضائها أسره واحدة: هذا الحس العائلی يكشف عن أصالة الخدمة الروحية وصدقها. ومهما كانت أعداد المؤمنين كثيرة والكهنة قليلون.. فإن الرعاة قادرون على إيجاد معاونين لهم مكرمين أو متطوعين يقومون بمهمة الشموسية من إفتقاد وزيارات وحل المشكلات والعناية بالمرضى والعجزة والمحتاجين ومساندة الأكليروس في المهمة الرعوية.
هذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا وجدت القيادة الروحية الملهمة، ووجدت القاعدة الشعبية الخاضعة لهذه القيادة. ومهمة الأسقف أو الكاهن أن يؤلف بين جميع الأعضاء بقوة الروح القدس الساكن فيه. يشجع كل حركة محبة، ينمى كل مظاهر الود: يدعم أواصر الوحدة، يبعد عوامل الشقاق والإنقسامات والتحديات والتعصبات، يرفض الشلليه في المناخ الكنسي. وهكذا يصبح الجو نقيًا تنقه روح العبادة الحارة والخدمة الأميني المخلصة.
من أبرز ملامح النجاح في الخدمة الدينية إنضمام مؤمنين جدد إلى الجماعة الأساسية.. هذا مؤشر واضح لعملية التحول الكيفي والكمی.
ليس حسنا أن تكون الإجتماعات ضخمة والأعداد كبيرة ولكن الناس لا تتغير حياتهم ولا تتجدد أفكارهم ولا تتعدل خلقياتهم وسلوكهم. وليس حسنا أيضاَ أن تكون الخدمة مجرد أنشطة كثيرة ولكنها خالية من الروح وفاعلية النعمة، إنها تشبه الساقية التي تحدث ضجيجًا شديدًا في الحقل ولكنها للأسف تدور على بئر بلا ماء.
الإجتماعات الناجحة هي التي تزداد في العدد ولكن في العمق الروحي أيضًا. والخدمة الناجحة هي التي يزداد فيها عدد المتقدمین لسر الإعتراف بانتظام، وعدد المتناولين بإستمرار وباستحقاق، وعدد المثابرين على إجتماعات الصلاة والتسبحة وعدد الخدام والخادمات الملتزمين بحمل الصليب وخدمة الكلمة والكرازة بالملكوت. وكلما نجحت الإجتماعات روحيًا أفرزت تلقائيًا مكرسین وخدامًا حارين، وهؤلاء أيضًا كلما بذلوا حياتهم في العمل، كلما زادت الخدمة نموًا وبنيانًا وإتساعًا. وهكذا فإن كل من العاملين یغذی الآخر، التحول الباطني ينمي الأعداد وإزدياد الأعداد والأنشطة والخدمات بروح الإنجيل تزيد في العمق الروحي والإختبار الباطني المقدس، وهذا ما عبر عنه سفر أعمال الرسل "وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا" (أع 6: 7).. "وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أع 2: 47).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
من أوضح العلامات الصحية في المناخ الكنسي أن يكون المسئول مسئولًا فعلًا، وأن يكون كل شخص في موقعه تماما. فلا يصح أن يكون الأمسقف مغلوبًا عليه بينما يوجد آخر في الإيبارشية صاحب الكلمة العليا. ولا يصح أن يكون الشماس قائمًا بعمل الأسقف، والكاهن قائمًا بعمل الشماس. وهكذا فإن إختلال وظائف الأعضاء يسبب للجسد تعبًا شديدًا. في هذا يقول الرسول بولس "فوضع الله أناسًا في الكنيسة أولًا رسلًا ثانيًا أنبياء ثالثًا معلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء أعوانًا تدابير وأنواع ألسنة، ألعل الجميع رسل ألعل الجميع أنبياء، ألعل الجميع معلمون".. وفي نفس الأصحاح يقول "فإن الجسد أيضًا ليس عضوًا واحدًا بل أعضاء كتيره، إن قالت الرجل لأني لست يدًا لست من الجسد أفلم تكن لذلك من الجسد... وأما الآن فقد وضع الله الأعضاء كل واحد منها في الجسد كما أراد، ولكن لو كان جميعها عضوًا واحدًا أين الجسد، فالآن أعضاء كثيرة ولكن جسد واحد.. (اكو 12: 14 -20، 28-31).
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول أن النظام الكنسي الذي تتميز به كنيستنا الفريدة قادر أن يحمي المناخ من الخلل وسوء التدبير. وكلما كانت القيادة حانية وحازمة معًا كلما كانت الأجواء الكنسية كلها هادئة متعاونة.
يقول اغريغوريوس الكبير في كتابه عن الرعاية: "يا أسقف لا تكن أسدًا تفترس، ولا تكن نعجة تقاد، فالكاهن المحب والحازم أيضًا يقود لجان الكنيسة والأنشطة المختلفة بالتدبير الروحي الأصيل. فلا يحدت تسيب كما لا يحدث إرهاب وتعالى وخوف. بل يصبح الجو مسیحیًا نقيًا. الكل مقبل على عمله. الكل يعمل في موقعه دون تجاوز للآخرين أو سلبية وإنسحاب وتراخي يعطل العمل ويفقد الجميع الثقة في أنفسهم ورعايتهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/youth-service/success.html
تقصير الرابط:
tak.la/k9na8f9