1- بين التسلط والانقيادية:
من أهم الاتجاهات الاجتماعية السليمة القيادة والتبعية السوية، والمسيحي الحقيقي يعرف متى يقود ومتى يتبع، ومتى يأمر ومتى طيع؛ متى يتقدم الصفوف ومتى يخضع لمن هم أمامُه ولهم سلطان عليه.. وقد يتعرض الإنسان في نموه الاجتماعي إلى أحد طرفين منحرفين، إما التسلط والتأله والعنف والرغبة في السيطرة أو التبعية والانقيادية والرغبة في الخضوع الدائم لأحد القادة.. هذا وذاك نوع من سوء تقدير معرفة الإنسان لنفسه وسوء تقديره لموقفه من الآخرين.. وقد يكون لهذه الانحرافات أسباب تربوية وعائلية تمتد جذورها إلى نوع التربية في السنين الأولى وإلى مركز الطفل في الأسرة، ونوع المعاملة التي كان يلقاها من الكبار. ولكن الأمر الذي يلزم أن نؤكِده هو أن كلا النقيضين انحراف اجتماعي، فالتسلُط هو استخدام الآخرين والنظرة إليهم كأشياء وليس كأشخاص لهم احترامهم إذ هم مخلوقون على صورة الله ومثاله. إن التسلط مظهر للكبرياء والغطرسة وتأله الإنسان في نفسه واحتِقار لآراء الآخرين ونهش لهم كما ينهش الذئب الحملان، والتسلط يمنع الحوار والأخذ والعطاء ويجعل العلاقة دائما أبدأ رأسية في بعدها وتستحيل معه العلاقة الأفقية التي تقوم على الأخوة والتفاهم وتبادل الآراء وتصحيحها من خلال الحوار والنقاش. قد يتمكن الطاغية من الوصول إلى نتائج سريعة سواء لصالحه أو لصالح الجماعة ولكنها كالعشب الذي ييبس ويطرح في التنور، أما الوديع الذي يتفاهم وينمي حوله روح القيادة والمسئولية فهذا يصل إلى نتائج قوية وراسخة وإن كانت بطيئة في شكلها الخارجي..
ولقد علمنا الرب يسوع أن نحترم إرادة ومشيئة الإنسان فقد كان أسلوبه الوديع في معاملته مع الآخرين يبرز عدم إقتحامُه أي شخصية مهما كانت، وحتى عند عمل المعجزة لصالح المريض أو الأبرص أو المقعد سنين طويلة فإنه كان حريصًا على أن يستأذنه ويسأله عن مدى موافقة إرادته للخير الذي يريد أن يقدمه.. والتسلط بخلق عبيدًا والرب نفسه رفعنا من مستوى العبيد إلى مرتبة البنين الأحرار فكيف نرضى أن نجعل الناس أتباعا يسيرون في رِكابنا ونقتِل فيهم إمكانياتهم وقدراتهم الخلاقة لا لشيء سوى استغلالنا لمراكِزنا في استِعباد الآخرين لأهداف مرسومة عندنا.. يلزم لبيوتنا ومدارسنا وكنائسنا أن تشجع الناشئة على أن يطيعوا الحق وحده، ويطيعوه في وعّي واستِناره وبصيرة صادقة، ويتَدربوا على إنكار الذات ومقاومة الأنانية في كافة صورها، ومن يعرف أن يطيع حسنًا يعرف أن يقود حسنًا.. إن وجود قائد روحی مستنير لقادر أن يخلق قيادات حية من حوله، ومن خلال أبوته ونكرانه لنفسه يصبح أولادهُ شخصيات قوية قادرة على حمل أعباء كثيرة.. وهذا ما تحتاجه الكنيسة وما يحتاجه الوطن أشد ما يكون الاحتياج.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/social-life/authority-vs-compliance.html
تقصير الرابط:
tak.la/gxq9m65