St-Takla.org  >   books  >   anba-bimen  >   religious-sense
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الشعور الديني في الطفولة والمراهقة - الأنبا بيمن أسقف ملوي

1- مقدمة: التربية والسيكولوجية والمسيحية

محتويات: (إظهار/إخفاء)

هل المسيحية تُبْنى على السيكولوچية أم تتجاوزها؟
هل المربي يصنع الناشئ مسيحيًا؟
هل القوى الخارجية قادرة على التأثير على الإيمان الباطني؟!
هل التعميم في دراسة مراحل النمو سليم علميًا تمامًا، أم هناك فروق فردية؟!
حدود الدراسة

السؤال الذي يطرح نفسه بشدة عندما نعالج الشعور الديني في الطفولة والمراهقة هو:

هل المسيحية تُبْنى على السيكولوچية أم تتجاوزها؟

الواقع أن المسيحية معجزة ومهمة إلهية، هي عمل الروح القدس وفاعلية النعمة في الإنسان، إنها عمل سرى باطني مثل الخميرة في ثلاثة أكيال من الدقيق، ومثل حبة صغيرة في التربة تنمو بطريقة معجزية لتصبح سنبلة مليئة أو شجرة مثمرة.

لهذا يمكن للروح أن يتجاوز كل سيكولوچية، ويعبر كل مراحل النمو. فنسمع عن الأنبا شنودة رئيس المتوحدين أنه كان يضئ وهو يصلى وأصابع يديه مثل شمع منير، وكما لو كان يخرج من فمه بخورًا وقت صلاته الدائمة المستمرة. ونسمع عن الأنبا بيشوي ودعوته من قبل أن يولد. وهكذا كثير من القديسين لم يمروا لا بأزمة مراهقة. ولا بمتاعب مرحلة وإنما عبرت بهم النعمة إلى الحياة المقدسة الممتلئة ثمارًا مباركة.

وبالرغم من هذا كله فإننا نرى أن الدراسة السيكولوچية لا تتضارب مع مراحل الحياة الروحية. فالطفولة هي قامة آدم الأول بعد السقوط والمراهقة هي مرحلة الناموس على جبل سيناء والنضج والاكتمال هي مرحلة النعمة التي لنا في المسيح يسوع.

ليس ثمة تضارب بل اتساق وانسجام بين الخطين ومن المفيد للخادم أن يطلع على معطيات علم النفس التربوي ليدرك طبيعة الإنسان الجسدية حتى يبنى عليها ومن خلالها عمله الروحي. والله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله ورأى فيه أن كل شيء حسن جدًا لا يمكن أن يلغى مكونات الشخصية وأنماطها وتفاعلاتها. بل أنه كمربى على حد تعبير أكليمنضس الإسكندري "استغل كل ما في الشخصية من أنماط نفسية ليطوعها للخلاص الذي دبره لنا الآب من قبل تأسيس العالم".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

* ولكن ثمة سؤال آخر هام يطرح نفسه:

هل المربي يصنع الناشئ مسيحيًا؟

الحقيقة أن الحياة المسيحية سر من الأسرار الإلهية لا يُصنع بجهد بشرى فقط، أي أن مجرد تدريس وتعليم الكتاب المقدس والعقائد والطقوس والروحيات لا تصنع إنسانًا مسيحيًا فالكتاب يقول أن الشياطين يؤمنون ويقشعرون. وأن بلعام الذي سجل عنه سفر الرؤيا أنه هالِك كان مفتوح العينين داريًا بكل الناموس.

St-Takla.org Image: Musical Instruments on a Table (Instruments de musique sur une table), oil painting, by Pablo Picasso (Pablo Ruiz Picasso), 1926 - Picasso Exhibition, Florence (Firenze), Italy. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 29, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة أدوات موسيقية على منضدة، زيت، رسم الفنان بابلو بيكاسو، 1926 - صور معرض لوحات الفنان بابلو بيكاسو، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 سبتمبر 2014

St-Takla.org Image: Musical Instruments on a Table (Instruments de musique sur une table), oil painting, by Pablo Picasso (Pablo Ruiz Picasso), 1926 - Picasso Exhibition, Florence (Firenze), Italy. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 29, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة أدوات موسيقية على منضدة، زيت، رسم الفنان بابلو بيكاسو، 1926 - صور معرض لوحات الفنان بابلو بيكاسو، فلورنسا (فيرينزي)، إيطاليا. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 29 سبتمبر 2014

فالمسيحية عمل إلهي باطني، يقوم أساسًا به الروح القدس كي تشهد النفس لعريسها الرب يسوع، ولكي تتحد بأعضاء الكنيسة الواحدة ليصبح الآب هو الكل في الكل.

ولكن هناك عامل بشرى إذ يقول الكتاب: كيف يؤمنون بلا كارز فلا بد من الكرازة والخدمة، ولا بد من المرسل الذي يحمل المشعل.. المسيحية تسليم.. كانت تسمى قبلًا طريقة الرب، ولا بد من الشخص الروحي المختبر لكي يسلم الجيل الذي بعده منهج الطريق وأبعاده وصعابه وبركاته أيضًا، والكتاب يقول حيث توجد الجثة تجتمع النسور.. حيث يوجد الآب الروحي المختبر يتكاثر البنون الذين يلدهم في الرب بالروح ويكون ككرمة مخصبة.. وهؤلاء بالتالي يحملون المشعل ويضيئون لمن بعدهم.. وتستمر عملية التسليم الروحي من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور.

لهذا إن تكلمنا عن مراحل النمو فلا بد أن نشير أنه حسن جدًا للخادم أن يستنير بهذه الدراسات ولكن المخدع مدرسة النمو الروحي، والعبادة هي الطاقة التي تمنح الكارزين قوة الرسالة، والقدوة هي الوسيلة الوحيدة لاستلام طريقة الرب.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وثمة سؤال ثالث قد يحير البعض وهو:

هل القوى الخارجية قادرة على التأثير على الإيمان الباطني؟!

إن الإيمان الحي الاختباري أقوى من سلطان العالم كله.. يقول الكتاب "هذه هي الغلبة التي بها نغلب العالم إيماننا". والشهداء كانوا حملانًا صغيرة وسط ذئاب كثيرة، ولكن الله جعل الحملان تغلب الذئاب إذ تحولت الذئاب إلى حملان بفضل وداعة ومحبة وصلابة إيمان هؤلاء الشهداء.

كانوا أطفلًا صغارًا لكنهم جابهوا الأباطرة، وتحدوا تهديداتهم فكانوا شهودًا عمالقة في الإيمان وكانت دماؤهم بذار الكنيسة. وعلى ذلك إذا استلم أبناؤنا الإيمان الحي. وعاشوا اختبار الحياة الجديدة المقدسة. والشركة العميقة مع الرب فلا خوف عليهم من أية تأثيرات في العالم، سواء كانت إغراءات أو تهديدات. وكل الذين يتعللون لأن المجتمع المعاصر له سلطانه الكبير في تطبيع حياة الإنسان، يجعلون الحياة الروحية جانبًا من جوانب الحياة التي تخضع لتأثيرات المجتمع.. ولكن الحقيقة أنه في كل مجتمع وفي كل عصر وجيل كان للرب شهود عاشوا في الحياة بكل مظاهرها ومجالاتها، ولكن الداخل ظل محفوظًا ومحروسًا بالنعمة لا تؤثر عليه مؤثرات سيئة خارجية، وفي هذا تنطبق الآية "أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم".. وإلا لو كانت الحياة المسيحية هزيلة إلى الحد أن المؤثرات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية تؤثر عليها وتحرك أبعادها لما طالب الرب المؤمنين في كل زمان أن يكونوا قديسين، كما هو قدوس. وأن يكونوا كاملين كما هو كامل. سر الغلبة هو الإيمان، وسر النصرة هو عمل الروح الوديع، وسر تحمل المعاناة هو الرجاء المبارك، وهكذا إن تكملنا في دراستنا لمراحل النمو عن مؤثرات البيئة فنحن نشير إلى قوى ومحركات يلزم أن تتجه العملية الروحية نحو مواجهتها بقوة داخلية كي تبقى سفينة الحياة بلا ثقوب تتسرب إليها المياه فتغرقها، وكي يبقى بستان الرب حصينًا فلا تتسلل الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم، وأما الداخل فيهتف له داود النبي "سبحي إلهك يا صهيون لأنه قد قوى مغاليق أبوابك وبارك بنيك فيك وجعل تخومك في سلام ويملأك من شحم الحنطة" (مز147: 12-15).

ولكن هل جميع المؤمنين على هذا المستوى الحقيقي؟!" أم أن هناك ضعاف النفوس ومسيحيتهم بالاسم (بالهوية)؟ إذا كان الأمر كذلك لزم للعملية التربوية أن تدرس بعمق المخاطر التي تواجه كل مرحلة حتى تقدم للمربيين رؤية وبصيرة تساعدهم في خدماتهم الروحية.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The Religious Sense During Childhood and Adolescence Book cover (print A) - by Bishop Bimen of Mallawy, Ensena and Ashmounin, Menia, Egypt. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب الشعور الديني في الطفولة والمراهقة (طبعة أ) - الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين، المنيا، مصر.

St-Takla.org Image: The Religious Sense During Childhood and Adolescence Book cover (print A) - by Bishop Bimen of Mallawy, Ensena and Ashmounin, Menia, Egypt.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب الشعور الديني في الطفولة والمراهقة (طبعة أ) - الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين، المنيا، مصر.

* بقى السؤال الأخير وهو:

هل التعميم في دراسة مراحل النمو سليم علميًا تمامًا، أم هناك فروق فردية؟!

الحقيقة أن هناك فروقًا فردية واسعة النطاق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي مرحلة المراهقة نجد المراهق المتكيف، ونرى الآخر الهادئ المنطوي، ونرى الثالث الضيق العدواني، ونرى الرابع المتردد بين أنماط مختلفة.. وهكذا، ولكن بالرغم من وجود هذه الفروق في الجوانب الجسمية والصحية والاجتماعية والثقافية والتربوية والنفسية والروحية، إلا أن هناك إطارًا عامًا يمكن أن يضم نسبة كبيرة من الغالبية تجمعها سمات محددة.. هذه هي التي تُبنى عليها دراسة مراحل النمو. وقد ينتقل الإنسان من مرحلة إلى أخرى وقد يعود إليها، ولكن مهما يكن من أمر فأنه لكي تكون الدراسة سهلة لا بد من وضع قواعد عامة وأبرز السمات العامة والميول الهامة لكل مرحلة حتى يفيد المربون من هذه الدراسة في خدمتهم للناشئة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

حدود الدراسة:

* أما حدود هذه الدراسة المتواضعة التي نقدمها لمراحل النمو فيمكننا أن نحددها في النقاط الآتية:-

1- أنها محددة بالثقافة والتراث المصري وقد لا تصلح كثيرًا لثقافات وبيئات أخرى كالبيئة الغربية المتحررة أو البيئة الشيوعية المتشددة الإلحادية.

2- إننا لم نقدم دراسات نفسية أكاديمية ولكننا عبرنا على كل هذه الجوانب باختصار شديد لنفيد من التطبيقات التربوية التي تفيدنا في حقل الرعاية والتربية والتعليم المسيحي.

3- إننا نعى أن هناك فارقًا كبيرًا بين طفل المدينة وطفل القرية، سواء في سيكولوچيته بصفة عامة، أو في الظروف والتسهيلات المقدمة للعملية التعليمية، إلا أننا حاولنا بقدر جهدنا أن نجعل الدراسة صالحة بقدر الإمكان لكلا البيئتين.

4- إن هناك قطاعات من الناس لم تتناولها الدراسة مثل الأميين الذين لا يذهبون إلى المدارس، والحرفيين الذين يلجأون إلى الحِرَفْ في سن مبكرة.. إن أمثال هؤلاء يحتاجون إلى دراسات منفصلة ذات طابع أعمق.

5- أن المقترحات التي تقدمها الدراسة إنما هي مجرد نماذج وعينات، وعلى المربين اكتشاف مجالات أوسع لتطبيق خبرات أحدث. وكلما نشرت هذه التجارب والخبرات أفدنا منها كثيرًا، وأثرت مجال دراسة علم النفس الديني الذي لا يزال بكرًا في بلادنا. وقد سجل الكتاب بعضًا من خبراته في وضع مناهج عامة لمدارس الأحد منذ عام 1952 إلى يومنا هذا وقد صدرت بعضها في ستة كتب ومقالات كثيرة بمجلات دينية.

بقيت نقطة أخيرة في هذه المقدمة وهي أنه مهما تغيرت مراحل السلم التعليمي في مصر كأن تشطب المدرسة الإعدادية وتضم للابتدائية أو أن تلحق بالمرحلة الثانوية فإن وضع العمر الزمني بجوار المرحلة يفيد المربى في تحديد دراسته مهما تغيرت الأسماء في المراحل التعليمية.

ختامًا، نطلب في لجاجة، أن يتفضل الرب يسوع ويمد يده ليبارك هذه الصفحات القليلة، كما بارك قديمًا في ذاك الزمان. كي يعمل بروحه القدوس لخلاص وبنيان نفوس كثيرة. وتثبيت إيمان أبنائنا في هذه الأيام التي تحتاج إلى صلابة ورسوخ إيماني شديد. لكي تؤول الخدمة كلها لمجد الآب القدوس وحده، بصلوات أمنا العذراء مريم وجميع مصاف القديسين وصلوات كلى الطوبى البابا شنودة الثالث. للثالوث القدوس المجد والكرامة والعز والسلطان إلى الأبد آمين.

 

ملوي في 7 أغسطس 1981 (بيمن)

أول مسرى سنة 1697 بنعمة الله

بدء صوم السيدة العذراء أسقف ملوي وتخومها


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bimen/religious-sense/introduction.html

تقصير الرابط:
tak.la/btxjxx4