St-Takla.org  >   books  >   anba-bimen  >   religious-sense
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الشعور الديني في الطفولة والمراهقة - الأنبا بيمن أسقف ملوي

7- التوجه الفكري والنفسي لخدمة الطفولة والمراهقة

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

(1) التوجيه الفكري
(2) التوجيه النفسي
المرحلة الأولى: مستوى الذات كمركز لكل شيء
المرحلة الثانية: مستوى القانون الوضعي
المرحلة الثالثة: مستوى الحق والمُثُل
في المرحلة الأولى
في المرحلة الثانية التعليمية
وفي المرحلة الثالثة التعليمية
وفي المرحلة الرابعة التعليمية

5- التوجيه الفكري والنفسي للمنهج

(1) التوجيه الفكري:

يهدف هذا التوجيه إلى أن تستضيء أفكار الإنسان بالمعرفة الإلهية كما تقول في صلاة باكر "لتشرق فينا الحواس المضيئة والأفكار النورانية ولا تغطينا ظلمة الآلام.. ليضيء علينا نور علمك الإلهي واجعلنا يا سيدنا أن نكون بني النور"...

وما النور إلا الحق.. الحق الذي فينا من الله.. الحق يحررنا من الظلمة.. ظلمة الخطيئة وظلمة الجهالة.. الحق الذي لو تمسكنا به وكنا أمناء عليه صارت فينا قدرة طبيعية على الإفراز والتمييز بين الخير والشر.

وعملية الإفراز عند المسيحي الحقيقي ليست قدرة تستند على معرفة عقلية ذاتية وإنما ثمرة حاسة روحية من قبل الروح القدس على أن تلتصق بالحق وتؤمن به وتحيا له وفي المرة التي تخونه يحزن الروح الذي في الداخل ولا يهدأ حتى يتوب المؤمن ويحيا الحق فيه عاملًا.

إذا فهمنا أن الحق كله فينا وأن النور الإلهي أخذناه من الكنيسة بالولادة الجديدة في المعمودية المقدسة. أصبح التوجيه الفكري لمنهج التربية الدينية منحصرًا في توجيه النفس نحو الملكوت الداخلي لتأخذ من الحق الذي في الداخل كل هداية وإرشاد وتوجيه، إن الذين يظنون أن المنهج هو إضافة معلومات لذهن التلميذ يخطئون للغاية لأن السيد المسيح أكد أنه جاء ليعطينا الحياة، والحياة هي في الحق، والحق فينا. إذن منهج التربية الدينية يهدف إلى أن يحس كل واحد بالنور الذي فيه، ويتدرب بالتأمل على تحسس مشيئة الروح القدس الذي فيه، وتصير معرفته الروحية لا دروسًا عقلية وإنما خبرة داخلية تفاعلت مع إحساساته ووجدانياته.

أغلب الخدام يخاطبون عقول التلاميذ ببعض القصص والدروس والمجادلات وهذه ليست المسيحية، أما المسيحية فهي حياة نورانية نابعة من الداخل وكل ما يطلب من الفرد أن يؤمن بها ويمنع الحواجز والعوائق التي تريد أن تقف أمامها. لذلك يجب أن تكون كل الدروس – وخاصة في المراحل الأولى – بسيطة تتفاعل مع نفسية الطفل ويحس بها لتكون خبرة حية فيه. وهكذا يجب تعويد التلاميذ جميعهم على دراسة الكتاب المقدس، بهذا المنهج يدخل إلى نفسه ويحس بالكلمة تعمل فيه لتصير خبرة خاصة به، وهكذا دائمًا يرى في نور القديسين ورجال الإيمان النور الذي فيه فيتمسك به ويمجد الله عليه ويحيا محافظًا على إضرامه.

والذين يعيشون على هذا المنهج حتمًا لا يقرأون الكتب الرخيصة والسطحية وإنما يقرأون الكتب الاجتماعية والكتب العلمية والأدبية الراقية، ويمتصون كل شيء صالح منها ويصير كل ما فيهم حسن وجليل وطاهر ومسر ونافع للبنيان

الذين يعيشون على هذا المنهج أيضًا لا ينساقون وراء القوى الاجتماعية والفكرية العالمية التي تتضارب مع مبادئ المسيح لأن الحق الإلهي الذي فيهم يحميهم من كل ذلل وشطط، بل ويكون عندهم استعداد لمجاوبة كل من يسألهم عن سبب الرجاء الذي فيهم.

إن الذين تلامسوا مع الحق وانفتحت بصيرتهم الداخلية للنور الإلهي الذي فيهم يميزون الآراء والمناقشات فلا يدخلون في مناقشة بيزنطية، ومباحثات غبية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهم يقدرون حرية الرأي والمناقشة العلمية في الأمور غير الإيمانية. أما الأمور الإيمانية فهم يتسلمونها من الكنيسة بروح الخضوع والتقبل.

وهكذا لو اهتم المنهج بتفجير الطاقات الداخلية والكشف عن النور الإلهي الداخلي ما صارت هناك بلبلة فكرية في أي أمر بل لأجمع الأفراد على رأي واحد في كل مسألة إذ أن لهم الفكر الواحد من المسيح، وأن مسئولية القادة الروحيين الذين يعيشون في الحق كبيرة إذ يلزم أن يصدروا نشرات توجيهية تبّصِر النشء الناشئ كما أن وجودهم في الخدمة الدينية للإجابة عن كل سؤال يعرضه الشباب أمر يفيد في إيجاد وحدانية الفكر.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(2) التوجيه النفسي:

وإذا كان هذا هو التوجيه الفكري فان التوجيه النفسي يوضح لنا معالم الطريق في التربية الدينية للوصول إلى الهدف المرسوم وهو الشخصية التي تحس بالحق وتؤمن به، ويثمر فيها بمراعاة تدرج القامات النفسية والروحية.

إن التوجيه النفسي يرمي إلى أن يتقبل الفرد نفسهُ التي خُلقت على صورة الله ومثاله ويتعرف على جمالها وقوتها ويتحسس وزناتها ليتاجر بها ويربح.

أن التوجيه النفسي يرمي إلى أن تكون الشخصية متكاملة لأن المسيحي الحقيقي ذو شخصية قوية ولكن ليست فيه الذاتية والكبرياء، وإنما مشيئته هي مشيئة الآب ولم تعد له مشيئة خاصة، وهذا هو معنى إهلاك الذات: أن يكون الله هو الكل في الكل.

St-Takla.org Image: Waiting, thinking, 2011, used with permission - by Mina Anton صورة في موقع الأنبا تكلا: انتظار، التفكير، 2011، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون

St-Takla.org Image: Waiting, thinking, 2011, used with permission - by Mina Anton.

صورة في موقع الأنبا تكلا: انتظار، التفكير، 2011، موضوعة بإذن - رسم الفنان مينا أنطون.

إن التوجيه النفسي يرمي إلى أن يختبر الفرد حياة الحب والبذل والعطاء فيجدها حياة كلها ربح (وليست خسارة كما يدعي أهل العالم). تربحه روحيًا وهذا هو أهم ما يترجاه إذ يتقابل في محبته للناس بالرب طالما هو لا يهدف من هذه المحبة مجدًا ذاتيًا أو خدمة بشرية تعود عليه بصيت وسمعه ومحبة متبادلة من الناس، وتربحه نفسيًا إذ تصير نفسيته مستريحة بعيدة عن كل كبت وضغط وحرمان، لأن طبيعة المحبة تُصّير النفس في حياة السلام والفرح والطمأنينة وهي أيضًا تربحه اجتماعيًا إذ أن الناس يحبونه ويقدرون مبادئه، ولكن هذه الناحية الأخيرة إذا لم تتحقق فهو لا يهتم بها طالما هو أمين في محبته، إذ سيأتي وقت في حياته أو بعدها يقدرون مبادئه عندما تلمس النعمة قلوبهم وتوجههم نحو هذه المبادئ، وإذا تحققت فإنه لا يقبل لنفسه مديحًا ومجدًا وإنما يعطي المجد لله وتظل حياته خالية من الكبرياء والذاتية والاهتمام بالنفس.

بذلك يكون التوجيه النفسي للمنهج هو أن يتقابل مع نفسه فيقدمها للمسيح محرقة، تعمل نيران الروح القدس فيها فتحيل العادات والاتجاهات والعواطف إلى دوافع متمركزة حول محبة الله. وهذا يتفق مع ما ذكر في التوجيه الاجتماعي والروحي أن المنهج يسمو إلى تكوين شخصيات محبة، والمحبة فيها نابعة من فاعلية الروح القدس في القلب. ولقد سبق أن ذكرنا في التوجيه الروحي إشارة إلى المراحل الروحية وانسجامها مع المراحل النفسية ونعود إليها بالتفصيل فنقول أن أغلب الأفراد يمرون في هذه المراحل التالية:-

 

(1) المرحلة الأولى: مستوى الذات كمركز لكل شيء:

وهي تقابل مرحلة الحضانة والطفولة المبكرة التي فيها يظن الطفل أن العالم كله وقد وجد له هو، ومن أجله هو وفي هذا المستوى يتحكم قانون اللذة والألم فكل ما يلذ حواسه يقبله، وكل ما يؤلمه ينفر منه ويبتعد عنه.

 

(2) المرحلة الثانية: مستوى القانون الوضعي:

وهي تُقَابِل مرحلة الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة وفيها يهتم الطفل بإرضاء الناس والخضوع للقوانين وتجنب الأخطار التي تعرضه للعقوبات، وهذه المرحلة يتحكم فيها قانون العقوبة والمثوبة والصواب والخطأ. إن أصاب مُدح أو كُفيء أو رضي عنه، وأن أخطأ عوقب وذم. وهذه المرحلة تمثل الحياة الناموسية.

ونجد مصداقًا لهذا أن كثيرًا من الأطفال والمراهقين تدور أسئلتهم حول السينما حرام؟ هل المجلات حرام؟ هل البولوبيف حرام.

مرحلة ما زال يتحكم فيها مستوى الحرام والحلال.

 

(3) المرحلة الثالثة: مستوى الحق والمُثُل:

وهي تقابل مرحلة المراهقة والبلوغ، وفيها يهتم الشاب المراهق بالحق والفضيلة حتى لو لم ترضى الناس، وحتى لو تضاربت مع حياتهم وسلوكهم. وهذه المرحلة يتحكم فيها المثل الأعلى، وهي تمثل حياة النعمة التي أخذناها في المسيح ولم يتحكم فيها حرام وحلال ولكن صار لنا بالنعمة النور الإلهي في داخلنا والروح القدس يقود مقاليد حياتنا. وفي كل مرة نبتعد عن النور والحق نحتاج إلى التوبة لنعقل أو لنحفظ أنفسنا من الشرير (المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه) فنعود إلى نقاوتنا التي تصير لنا فنبعد عن الزلل طالما نحن ثابتون في الرب (المولود من الله لا يخطئ) في هذه المرحلة يسمو الإنسان عن القوانين الوضيعة ويتحكم في حياته مستوى عال هو المحبة، حتى أنه من فرط محبته للناس وخوفه عليهم يحرم نفسه أحيانًا من أشياء تحل له حتى لا يعثرهم. ومن فرط حبه للناس أيضًا يبذل نفسه ويضحي بأشياء قد يكون هو في حاجة إليها وكثيرًا ما لا تقابل بخدمة مماثلة، والعطاء عنده أفضل من الأخذ، حياة المحبة يثمر فيه الروح القدس فضائل منوعة كثيرًا ما تكون مصيدة تجذب النفوس للمسيح.

أشد ما يكون الخطأ إذن هو الاهتمام بالفضائل الاجتماعية في المرحلة الأولى لأن اكتساب الذات لبعض منها يجعلها في غير حاجة إلى التوبة للوصول إلى المرحلة الثالثة مرحلة النعمة والتوبة والتجديد المستمر.

 

وعلى ذلك رسم تخطيط عام يقابل القامات النفسية المختلفة مسترشدًا بالتدرج في القامات الروحية هادفًا إلى أن يتخلص الفرد من ذاته ولا تحكم فيه أمور خارجية، وإنما تعمل النعمة كي يكون متجدد الذهن ويعمل الروح القدس فيه على الدوام.

في المرحلة الأولى:

التعليم من 5-8 سنوات ويجب أن يكون المحور الرئيسي فيه هو (المحبة) ذلك لأن الطفل لا يحب إلا نفسه، فيجب أن يتعلم محبته لوالديه ولله لأنها تفيده وتشعره بالأمن، ولهذا يهدف المنهج هنا إلى تنمية مشاعر الحب نحو الله كأب حنون، لا لأنه يفيدنا في حياتنا ولكن لأنه يحبنا حبًا شديدًا. والطفل عنده استعداد شديد لهذا لأن عاطفته قوية متدفقة في هذه المرحلة، وما أن يجد خادمًا روحيًا يتكلم بالروح حتى يحس بحبه لله. وتضع المحبة في حياته أساسًا متينًا لخلاص نفسه. وسيتضمن المنهج في هذه المرحلة محبة الله ومحبتنا لله، وعلى ما يتعلق بقدرة الله وخليقة الله ومخافة الله ومحبة بيت الله وأولاد الله فالمنهج كله يدور حول هدف واحد وهو أننا نحب الله لأنه أحبنا أولًا. ويشترط في الخادم في هذه المرحلة أن يكون متمتعًا بروح الأبوة عطوفًا وحازمًا، مدققًا في التصرف، ومحبًا للطفولة وأهم من هذا كله مختبرًا لمحبة الله في قلبه.

 

في المرحلة الثانية التعليمية:

(من 9 – 13 سنة) يكون المحور الرئيسي هو الإيمان ذلك لأن الطفل في هذه المرحلة مشغول بمعرفة الأمور الخاصة بديانته، واقعي اجتماعي يصدق كل ما يقال له، مطيع لمدرسيه، ذاكرته متفتحة غير ناقدة، يستطيع حفظ كل ما يقال له بسهولة. وعلى ذلك يبني الدور الأول فوق الأساس السابق وفيه تكون الموضوعات عن الإيمان بالله والسماء والملائكة والأبدية والعبادة والكنيسة ووصايا المسيح والكتاب المقدس حتى يملأ قلبه بالإيمان لا كموضوعات وقصص ولكن كخبرة تعمل في حياته فتصير الأمور غير المرئية موضع اهتمامه أكثر بكثير من الأمور الوقتية المرئية.

 

وفي المرحلة الثالثة التعليمية:

(من 14 – 19 سنة) يكون المحور الرئيسي هو (التوبة والجهاد) في هذه المرحلة نجد الدوامة الانفعالية والميل الشديد نحو الدنس والميل نحو الحياة الاجتماعية والتذبذب بين الإيمان والشك، بين التفاؤل والتشاؤم بين السعادة والحزن، بين الانتصار والهزيمة.. وهذه المرحلة تناسبها وحدة التوبة وفيها تعالج موضوعات الخطيئة وعمل النعمة والتجديد الذهني والتوبة والجهاد في الطريق – ووسائله... الخ ويكون هدف هذه المرحلة أن تتغير سيرة المراهق من الحالة العالمية الجسدية إلى الاشتياق الروحي والقيام في كل مرة يتعثر فيها خلال جهاده في الطريق.

 

وفي المرحلة الرابعة التعليمية:

(من 20 فما فوق) والمحور الرئيسي لها هو (الفضائل الروحية) في هذه المرحلة نجد شخصية أكثر استقرارًا وعقلية أكثر نضجًا، وتفكيرًا أكثر عمقًا، ونفسية أكثر هدوءًا ساعية نحو الاستقرار باحثة في الأرض عن الوظيفة والزواج. وتقابل هذه المرحلة قامة النمو في السلوك الروحاني قامة الفضيلة كثمر لعمل الروح القدس. وتعالج وحدة الفضائل الروحية موضوعات عمل الثالوث في الفضائل وثمار الروح من أنواع الفضائل، وما يناسب كل قامة ووسائل النمو في الفضيلة والصعاب في طريق النمو والفارق بين الفضائل الروحية والفضائل الاجتماعية.

على أنه يجب التنويه إلى أنه ليس هناك حواجز فاصلة بين الوحدات التي ذكرت في المراحل السابقة إذ أن وحدة الفضائل مبنية على سابقتها من توبة مثمرة وإيمان عامل بالمحبة، والتوبة قائمة حتمًا على الإيمان والشعور الملتهب بالمحبة، نحو الله والمحبة هي أساس كل الوحدات ولكننا نهدم البنيان الروحي لو نظرنا إلى المحبة أو الإيمان على أساس أنه فضيلة اجتماعية لا علاقة لها بعمل الروح والتوبة


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bimen/religious-sense/direction-psychological.html

تقصير الرابط:
tak.la/vb79raq