من الثابت تاريخيًا أن انفراد العذارى والأرامل للعبادة قد بدأ منذ العصر الرسولى نفسه عندما كانت الكنيسة تقوم بالصرف على الأرامل اللواتى هن بالحقيقة أرامل (1تى5: 3) اللواتى وصفهن بولس الرسول بقوله: "لتكتتب أرملة إن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة إمرأة رجل واحد مشهودًا لها في أعمال صالحة أن تكن قد ربت الأولاد أضافت الغرباء غسلت أرجل القديسين؛ ساعدت المتضايقين، اتبعت كل عمل صالح" (1تى5: 9- 10).
وقد تدرجن أيضًا في عيشتهن، فبعد أن كن يتفردن في بيوتهن للعبادة والتقشف، عملن على أن يجتمع اكثر من واحدة منهن في مكان واحد، وهكذا ظهر بينهن نظام الجماعات الرهبانية قبلما يظهر بين الرجال بعدة أجيال.
ويذكر التاريخ الكنسى أن الأنبا ديمتريوس الكرام البطريرك 12 (188م-230م) (السيرة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت) أودع زوجته (التي كان قد تعهد معها على أن يعيشا كأخين منذ زواجهما) بعد رسامته بطريركًا عند العذارى(1)، كما أن القديس انطونيوس قد سلم أخته الوحيدة إليهن قبلما يتفرد للوحدة والعبادة(2).
ولما قام القديس باخوميوس بحركته الديرية جاءت أخته مريم ذات يوم لزيارته وابانت له رغبتها في الأنفراد للعبادة فشجعها وبنى لها قلاية في مكان منعزل وسرعان ما تلتها ثانية وثالثة حتى أصبح لهن ديرًا عامرًا(3) كانت مريم بمثابة الرئيسة عليه، ولما إزداد عددهن بنى أب الشركة ديرًا ثانيًا للعذراى بجوار اخميم، ووضع لهن نظامًا خاصًا يسرن عليه في حياتهن الروحية والجسدية خلاصته أن يصرفن أوقاتهن في الصوم والصلاة والسهر وتتميم سائر الفرائض الروحية، كما منع التزاور بين الرهبان والراهبات إلا بوجود رئيسة الدير أو أحد شيوخ الرهبان، وفرض على الرهبان ضرورة إحضار كافة لوازمهن من مؤونة وخلافه مما يتعذر عليهن إحضاره من الخارج، وفي نظير ذلك كن يقمن بحياكة ملابسهم.
وحذا القديس تادرس تلميذ أب الشركة حذو معلمه فأنشأ لهن ديرًا بالقرب من فاو(4) (بجوار قنا) كما شيد الأنبا شنوده رئيس المتوحدين ديرًا للراهبات تحت رئاسته يقال إن عدد راهباته بلغن 1800 راهبة! وهكذا انتشرت أديرتهن في كل مكان...
ويبدو أن الراهبات قد تقدمن في الفضيلة والتقوى وحسن العبادة تقدمًا كبيرًا حدا بالمؤلف بالاديوس Palladius إلى ذكر فضائلهن الممتازة(5)، فقال عن الأم تاليدا(6). "إن نعمة المسيح كانت لا تفارقها لشدة تقواها!". ووصف مدى تقشف الأخت تاؤور بقوله: "إنها كانت لا ترتدى سوى الخرق البالية كما كانت تخصص كل وقتها للصلوات!".
وذكر هذا المؤرخ أيضًا أنه كان بانتينوى (بالقرب من ملوى) إثنى عشر ديرًا للراهبات وكانت الأم أماتليس رئيسة أحد هذه الأديرة "محبوبة من جميع الراهبات إلى درجة كبيرة وقد قضت ثمانين عاما في التنسك".
ولم يبق من أديرة الراهبات الآن سوى خمسة، جميعها بالقاهرة وهى: دير مارجرجس وأبى سيفين بمصر القديمة، ودير الأمير تادرس بحارة الروم، ودير مارجرجس والسيدة العذراء بحارة زويلة.
_____
(1) تذمر بعض أفراد الشعب على هذا الأب لأنه متزوج، وإذ شعر بذلك دعى زوجته في عيد العنصرة ووضع في مئزرها جمرًا متقدًا من المبخرة قم وضع هو أيضًا في ثوبه وطافا هكذا وسط الشعب الذي خجل عندما لمس أن النار لم تؤثر في ملابسهما لطهارتهما، وهنا قال ديمتريوس: "أن من يغلب نار الشهوة لا تقوى عليه هذه النار الطبيعية!" تاريخ الكنيسة القبطية ص24، موجز تاريخ المسيحية ص121.
(2) تاريخ الكنيسة القبطية ص94؛ موجز تاريخ المسيحية ص207.
(3) كان هذا الدير بالقرب من دير الرجال في طبانسين التابعة لكرسى دندره.
(4) Encyclopedia of Religion and Ethics V.3 p.797
.(5) رسالة مار مينا في الرهبنة القبطية ص82.
(6) كلمة "الأم" تطلق في أديرة الراهبات على الرئيسة وكلمة "الأخت" تطلق على بقية الراهبات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/amir-nasr/monasticism/women.html
تقصير الرابط:
tak.la/cvb4sp9