يُسجل تاريخ الكنيسة المعاصر صفحة مضيئة من خدمة المكرسين، ودورهم الفعال والإيجابي في العمل الكنسي، وفي شتى المجالات، سواء على مستوى الأشخاص، أو على مستوى بيوت التكريس.
يأتي في مقدمة هؤلاء المكرسين الأرشيدياکون حبيب جرجس (1876-1951) معلم الجيل، الذي عينه البابا كيرلس الخامس مديرا للكلية الإكليريكية عام 1918، فإهتم بها وعمل على تطويرها، وتخرج منها الوعاظ والمعلمون والآباء الكهنة. كما أسس مدارس الأحد (التربية الكنسية) عام 1918، لتربية النشء التربية المسيحية والكنسية. وقد حدد لها أهدافها ونظامها، ووضع البرامج والمناهج والدروس، ووسائل الإيضاح المناسبة.. كما أعد ودرب الخدام من الشباب، الذين قاموا بهذه الخدمة... أضف إلى ذلك جولاته في الأقاليم والكنائس للوعظ والتعليم. كما أعد مناهج تعليم الدين المسيحي للمدارس الحكومية، وأعد المعلمين الأكفاء للتدريس. فضلًا عن مؤلفاته المتنوعة والمتعددة. وأصدر مجلة الكرمة لمدة سبعة عشر عامًا. إلى جانب نشاطه في المجلس الملي العام، كعضو لثلاث دورات متتالية، وأيضا تأسيس الجمعيات القبطية، التي تهتم بالثقافة القبطية والتعليم.
أما الأرشيدياکون إسکندر حنا (1880 - 1944) فقد كرس حياته كلها للوعظ في أغلب أقاليم مصر، وبخاصة في أسيوط. وقد أحب الناس وعظه الروحي المؤثر الذي يقودهم إلى الحياة مع الله، وإقتناء الفضائل المقدسة. وكانت الكنائس والشوارع تزدحم من أجل سماع كلماته...
ونذكر في هذا الموكب من المكرسين الراحلين: الارشيدياکون عياد عياد (القاهرة) - الأرشيدياکون ميخائيل (أسيوط) - الأرشيدياکون نجيب جرجس (المنيا) - والأرشيدياكون يوسف حبيب (الإسكندرية)...
وفي عام 1958 وجدت دعوة الأب متى المسكين والدكتور وهيب عطا الله (حاليا نيافة الأنبا إغريغوريوس أسقف البحث العلمي) للتفرغ الكامل للخدمة البتولية، دون الإرتباط بخدمة القسيسية، أو الدخول في الرهبنة، صدی في نفوس الكثيرين من الشباب الجامعي المثقف، وخدام مدارس الأحد فبدأت حركة محددة المعالم للمكرسين وأخرى للمكرسات. وتعيش هذه المجموعة في بيوت خاصة، ذات نظام معين داخلي، يخص عبادتهم (أوعبادتهن) الفردية والجماعية، ومسئولياتهم داخل البيت، كما يخص خدماتهم في الكنيسة والمجتمع...
وكان بيت التكريس بحلوان هو أول هذه البيوت، حيث إتصلت مجموعة من الشباب(1) الراغب في التكريس البتول بالأب متى المسكين في دير الأنبا صموئيل المعترف لكي يرشدهم في هذا الطريق، فشجعهم وعضدهم في هذا الإتجاه وظل يباشر رعايته لهم حتى عام 1974.
عندما إنتقل البيت إلى المقر الجديد والحالي في حدائق القبة، حيث تولى مسئولية الإشراف الدكتور نصحي عبد الشهيد (بكالوريوس طب عين شمس عام 1956)، وهو أحد أفراد المجموعة الأولى التي تكرست في بيت حلوان عام 1959. والذي إستقال من عمله كطبيب للأمراض النفسية والعصبية عام 1967، ليتفرغ للخدمة في بيت التكريس، حيث العمل في مجال الشباب بالزيارات واللقاءات الفردية، خاصة في المناطق التي تحتاج لخدمة هذا الشباب المكرس، سواء في المدينة أو القرى.. فضلا عن خدمة الوعظ في الكنائس واجتماعات الشباب.
كما إهتم بيت التكريس بتراث الآباء وعمل على ترجمته ونشره، وكان من باكورة هذا الإنتاج کتابي تفسير المزامير للقديس أغسطينوس (354-430) عام 1960 - والأسرار للقديس أمبروسيوس (339-397) عام 1970 - ثم تولى النشر والإصدار لتصل إلى ثمانية كتب في الدراسات الآبائية والكنسية والشبابية إلى جانب الكتاب الشهري للشباب والخدام منذ عام 1981.
من ناحية أخرى حرص الدكتور نصحي عبد الشهيد على تأسيس مؤسسة القديس أنطونيوس عام 1979 لتكون مركز الدراسات الآباء. حيث يتفرغ المكرسون لترجمة ونشر تراث الآباء، فصدر منها أربعة وثلاثون كتابة ما بين نصوص آبائية أو دراسات متخصصة في الآباء(2).
وفي نفس الإتجاه كان الإهتمام بعقد اللقاءات والندوات والمؤتمرات الخاصة بهذه الدراسات الأبائية المتميزة، فتعقد ندوة شهرية أو أكثر بمقر المركز بمصر الجديدة، يحاضر فيها الأساتذة المتخصصون سواء من الأقباط أو الأجانب... وايضا اللقاءات في الكنائس بالقاهرة. إلى جانب المؤتمرات الدورية التي تعقد أربع مرات في السنة في إيبارشية بني سويف لعدة أيام وأيضا في إيبارشية الفيوم. ومن أجل نمو هذا العمل وإتساعه ذهب عشرة مكرسين في بعثات دراسية بجامعة اليونان وألمانيا للتخصص في الآبائيات والقبطيات، والحصول على شهادات الدكتوراه(3).
من ناحية أخرى واظب الدكتور نصحي عبد الشهيد على خدمة الوعظ في كنيسة السيدة العذراء بالفجالة والخدمة، في كنيسة مار جرجس بالظاهر وجمعية ثمرة مدارس الأحد لسنوات طويلة. إلى جانب الكتب التي كتبها أو ترجمها في هذا المجال. كما نجد مساهمته الفعالة في نشاط أسرة أصدقاء التراث العربي المسيحي، التي تهتم بنشر هذا الفكر والإنتاج الذي كتب باللغة العربية وإشترکت مؤسسة القديس أنطونيوس مع هذه الأسرة في إصدار باكورة الكتب وهو " تهذيب الأخلاق ليحيى بن عدي".
إنتشرت فكرة التكريس وبيوت المكرسين في كثير من الإيبارشيات وتحت إشراف الآباء الأساقفة روحيًا وإداريًا وماليًا وعملًا في حقل الخدمة الواسع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. مثل الجيزة وبني سويف والمنيا وملوي وأسيوط وأبوتيج وأيضا القليوبية والغربية...
ففي الجيزة نجد موكب المكرسين وخدمة التكريس في عمل دؤوب وعميق ومتواصل، عبر سنوات طويلة منذ الأربعينات وحتى اليوم... ومنهم نجد الأرشيدياکون رمسيس نجيب (بكالوريوس علوم القاهرة 1955 وماجستير في التربية عام 1959)، الذي ترك عمله كمدرس للرياضيات عام 1963، ليتفرغ للتكريس أيضا في مجال الشباب، وتأسيس فصول إعداد خدام مدارس الأحد، والعمل في خدمة القرى المنتشرة في محافظة الجيزة، والتي تحتاج لكل الخدمات الكنسية. بالإضافة إلى مجهوداته في جماعة التربية القبطية، التي تهتم بنشر الثقافة الدينية والكنسية، في المراكز والقرى والنجوع، وتأسيس فروعها بمصر، وصلت إلى أثنين وخمسين فرعًا.
أما بيت الشمامسة القبطي بالجيزة، والذي يتولى الأرشيدياکون رمسيس نجيب مسئوليته، فهو يعتبر مركز الإشعاع الخدمة، حيث يقوم بإعداد الخدام والمكرسين لهذا العمل، مع الندوات والمؤتمرات واللقاءات التي تُعد به، والاصدارات التي ينشرها تباعا إلى جانب الإهتمام بالطلبة المغتربين الذين يدرسون بالجامعات.
أضف إلى ذلك مساهماته الإيجابية في اللجنة العليا لمدارس الأحد، المسئولة عن نظام الخدمة ووضع البرامج والمناهج المناسبة. وأيضا النشاط في العمل المسكونی، بمشاركته من عام 1961 إلى عام 1990 في مجلس كنائس الشرق الأوسط بقسم الحياة والخدمة ودائرة النشر.. كما يقوم بتدريس العلوم التربوية وعلم النفس ومادة المناهج في معهد الرعاية بالبطريركية، وفي كلية البابا أثناسيوس الرسولي اللاهوتية بالبحيرة.. فضلا عن الكتب المتنوعة التي كتبها وأعدها لخدمة الشباب والخدام، والتي كان لها التأثير الفعال في حياة الكثيرين منهم.
وفي بني سويف، كانت هذه الإيبارشية على موعد مع العمل الكنسی الكبير، بكل أصالته وعمقه وأبعاده الروحية والكنسية والشبابية والإجتماعية وأيضا التنموية الرائدة. وذلك عندما أختار المتنيح البابا كيرلس السادس القمص مكاريوس السرياني (عبد المسيح بشارة) أحد أفراد المجموعة الأولى التي تكرست ليكون أسقفًا بإسم الأنبا أثناسيوس، وذلك يوم 9 سبتمبر 1962 فأعطى الضوء الأخضر نحو الإنطلاق في العمل الكنسي والخدمة بكل الوعي والإنفتاح المستنير والعمق الروحي والرعوي، الذي تتسم به شخصيته. وفتح باب الإيبارشية للمكرسين، ولكل من يريد أن يخدم ويعمل.. كما كان أول من أقام خدمة المكرسات الذي إمتد بعد ذلك إلى أغلب الإيبارشيات... يقول نيافته "وبعد سنوات قلائل جاءت خدمة الأسقفية في بني سويف، سرعان ما قدم بعض الشبان إلىّ أنفسهم ليتكرسوا للخدمة. وبني الله لهم مكانا ليمارسوا فيه حياتهم. ولكنهم تفرقوا في النهاية في الطرق الكنسية الممهدة أمامهم إلى الأديرة أو الكهنوت أو غيرها. ثم فتح الباب لجماعة نسوية وأخذت تتلمس مواقع الأقدام. وتطلب الأرشاد. وكان من الطبيعي ألا يعلن عن خطوة قبل ثباتها فتسمت في البداية (جماعة بنات مريم) وتحدثن عن البتولية والخدمة. ولم يكن الطريق سهلا، وكن رائدات فيه...» (من مقدمته في كتاب الترهب والخدمة).
كان من هؤلاء الشبان الدكتور إميل عزيز (حاليًا نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب) الذي تخرج في كلية الطب عام 1960. وبعد سنوات ترك عمله كطبيب، لكي يتفرغ خادمًا مكرسًا في إيبارشية بني سويف إعتبارًا من أغسطس 1963 ولمدة إثني عشر عامًا...
وخلال تلك السنوات إهتم الدكتور إميل بقطاع الشباب. فأعطاهم من وقته وجهده وسهره وتعبه. فحرص على الوعظ والتعليم في إجتماعات الشباب في كل كنائس الإيبارشية في المدن والمراكز والقرى، وأعد البرامج بموضوعاتها المتنوعة لهذه الإجتماعات.
و کمرشد روحي أعطى إهتماما خاصًا بالعمل الفردي، واللقاءات الشخصية مع الشباب، مع الزيارات والإفتقاد المتواصل. ومن أجل خدمة الشباب قام بإعداد القيادات الشبابية القادرة على خدمة الشباب، وفهم مشاكله واحتياجاته، والتعامل معه، وأعد النبذات والكتب بهذا الخصوص. إلى جانب الإهتمام بالمؤتمرات والندوات التي تطرح فيها العديد من قضايا الشباب المختلفة، تحدث فيها الكثيرون من آباء الكنيسة، والخدام المكرسون، والمتخصصون في هذا المجال.. أضف إلى هذا مساهمته في خدمة مدارس الأحد سواء على مستوى الخدام أو على مستوى البرامج والمناهج.
وفي عام 1975 إنطلق الدكتور إميل عزيز إلى دير البراموس. وصار راهبة بإسم أنجيلوس البراموسي وإستطاع أن يجمع حوله جميع الشباب الذي يتردد على الدير من أنحاء البلاد، فأحبوه ولمسوا فيه الأبوة الحانية الصادقة، ووجدوا عنده الكثير من إحتياجاتهم وتساؤلاتهم في هذه المرحلة...
وفی 18 يونيو 1978 إختاره قداسة البابا شنوده الثالث ليكون خوراسکوبس (مساعد أسقف) باسم "الأنبا موسى" للخدمة والعمل في إيبارشية بني سويف.. فعاد نيافته لمواصلة جهوده في خدمة الشباب جنبًا إلى جنب مع خدمة الرعاية كأسقف، من إفتقاد المدن والمراكز والقرى وكل البلاد والمنازل، والإشراف على كل خدمات الكنيسة الرعوية والطقسية، إلى جانب الوعظ والتعليم، وإعداد الخدام والقيادات في كل المجالات.
ولكن قداسة البابا شنوده الثالث بفكره الثاقب، وحسه الرعوي، وأبوته الرائدة تجاه الشباب، الذين إهتم بهم منذ سيامته أسقفا للتعليم في عام 1962، وجد أن من حق شباب الكنيسة أن يكون لهم أسقفية خاصة. لذلك قام قداسته بترقية نيافة الأنبا موسى إلى درجة الأسقفية ليكون أسقفًا عامًا لخدمة الشباب.
وذلك في 20 مايو عام 1980، ومنذ هذا التاريخ وحتى الآن يبذل نيافته کل الجهد والعطاء المستمر، من أجل تكوين شباب کنسي روحي ومثقف ووطني يستطيع أن يواكب تحديات العصر وإحتياجاته. وتأكيد دوره ومكانه في المستقبل، ومن أجل تحقيق ذلك قام نيافته بما يلي:
1- زيارة إجتماعات الشباب بكنائس القاهرة والإيبارشيات للتعرف على الإجتماعات الشبابية وتساؤلاتهم في كافة القضايا التي تمس حياتهم.
2- الكتابة للشباب في كافة الموضوعات الكنسية والروحية والكتابية والشبابية والمجتمعية والوطنية. وهذه الكتابات في إطار النبذات والكتب التي تصدرها أسقفية الشباب في كافة المجالات وأيضا من خلال رسالة الشباب الكنسي التي تصدر شهريًا منذ عام 1984 ويكتب فيها الآباء الأساقفة والكهنة والخدام وأساتذة الجامعة المتخصصون وأيضًا الشباب.
3- تدريب خدام الشباب في كل أنحاء مصر وذلك عن طريق:
أ- المؤتمرات السنوية في بيت مار مرقس بأبو تلات العجمي سواء لخدام المدينة أو لخدام القرى. وذلك خلال فترة الصيف ويحضر كل مؤتمر (لمدة أسبوع) حوالی 200 خادمًا لدراسة بعض الموضوعات مع البرامج والمناهج التي تساعد في خدمة الشباب. وهذه المؤتمرات تعتمد على أساليب متعددة في التدريب مابين المحاضرات والندوات ومجموعات العمل والتدريب العملي. مما يسهم في تكوين الخدام وتملك مهارات الحوار والقيادة والعمل الجماعي وغيره(4)...
ب۔ متابعة المؤتمرات بسفر فريق من خدام الأسقفية المكرسين إلى الإيبارشيات لمتابعة برامج المؤتمرات مع إستكمال التدريب في المناطق التي يخدمون فيها..
ج- الكتابة لخدام الشباب من خلال الكتب المتخصصة في كافة الموضوعات، وأيضا رسالة الخدام التي تصدر منذ عام 1994، فضلًا عن إعداد البرامج والمناهج الدراسية التي تستخدم في الخدمة(5).
د- مركز تدريب الخدام بالأسقفية بالقاهرة، حيث يدرس خدام الشباب مجموعات من الدراسات المتخصصة في خدمة الشباب على ثلاث مستويات:
الأول: دراسة أساسية لمواد: الحياة الكنسية والآبائيات - الكتاب المقدس - تربية وعلم نفس - قيادة وإدارة - خدمة فردية - ثقافة مجتمعية - خدمة شباب - تربية أسرية.
الثاني: دراسة أكثر تخصصًا في ثلاث مواد يختارها الدارس من المواد السابقة.
الثالث: يتخصص الدارس في مادة واحدة فقط يختارها، وذلك من خلال المجموعات المتخصصة في المواد السابق ذكرها.
4 - مهرجانات الشباب، والتي تهدف إلى تنشيط الخدمة الشبابية في الكنائس وإجتماعات الشباب. وتشمل أنشطة متعددة يشترك فيها الشباب منها الأنشطة الكنسية (دراسة الكتاب المقدس - تاريخ الكنيسة - الطقوس - اللاهوت - الألحان - اللغة القبطية - العقائد..). والأنشطة الثقافية (أبحاث - تلخيص الكتب - ترجمة). والأنشطة الفنية (الرسم - التصوير - المسرح - الشعر- الموسيقى والكورال). والأنشطة الرياضية (مباريات في الكرة - وتنس الطاولة - والشطرنج...). والكشافة... وفي نهاية هذه المسابقات تقدم الكؤوس والجوائز للفائزين.
5- المؤتمرات الشبابية التي تعقد لشباب المهجر، في أمريكا وكندا واستراليا وأوروبا، لتقديم ومناقشة الموضوعات التي يحتاجون إليها، والتي تتناسب مع ظروف حياتهم، مع أهمية الإرتباط بالكنيسة الأم والوطن الأم في مصر، فضلًا عن الكتب التي تترجم لهؤلاء الشباب الناطقين بالإنجليزية.
هذا العمل في خدمة الشباب تتطلب وجود فريق كبير، لذلك يسهم مع نيافة الأنبا موسی آباء رهبان(6) ومجموعات من المكرسين(7)، وأخرى من المكرسات، إلى جانب مئات الخدام المتطوعين بالوقت والجهد، للمساهمة في هذا العمل الكنسي الهام...
بدأت خدمة المكرسات عام 1965 في إيبارشية بني سويف بمجموعة "بنات مريم"، تحت إشراف ورعاية نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. ثم إنتشرت هذه الخدمة في أغلب الإيبارشيات، وتكونت مراکز وبيوت المكرسات. ففي عام 1978 بدأ بيت القديسة دميانة بديرها في براری بلقاس تحت إشراف نيافة الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ ودير القديسة دميانة وسكرتير المجمع المقدس. وفي عام 1982 بيت العذراء والشماسة فيبی، تحت إشراف نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب.
وفي عام 1985، وأمام إنتشار خدمة المكرسات، قام المجمع المقدس برئاسة قداسة البابا شنوده الثالث بتكليف اللجنة المجمعية للرعاية والخدمة بإعداد لائحة المكرسات في الكنيسة، وتم توزيعها على جميع الآباء المطارنة والأساقفة، لدراستها ومراجعتها وعمل التعديلات المناسبة. وفي جلسة المجمع المقدس المنعقد يوم 23 مايو 1991، تمت مناقشة هذه اللائحة بكل بنودها وموادها. وأخيرًا وفي يوم 13 يونيو 1992 إعتمد المجمع المقدس لائحة المكرسات التي تشمل على ما يلی:
1- تعريف بالمكرسات ومؤهلاتهن الشخصية والعائلية والسن المطلوب للتكريس.
2- فترة إختبار تكريسها والتفرغ للخدمة وطقس التكريس وملابسها.
3- نظام العبادة وطقوسها والحياة الروحية الخاصة بهن.
4- مراکز وبيوت المكرسات وشروطها.
5- الإشراف الروحي والإداري والرعاية الخاصة بهن.
6- الأعمال التي تقوم بها المكرسات.
7- العلاقة بين المكرسات وأسرهن والعلاقات الإجتماعية.
كما قامت اللجنة المجمعية للطقوس عام 1993 بإعداد طقس رسامة المكرسات کشماسات وما يتبعه من تغيير الإسم وشكل الملابس وتعهد التكريس الذي تعلنه المكرسة أمام الأب المطران أو الأسقف الذي يقوم بالرسامة..
في ضوء لائحة المكرسات يقوم الآباء المطارنة والأساقفة بوضع النظام المناسب روحيًا ورعويًا وإداريًا بالنسبة للمكرسات. إلى جانب الإشراف على كافة الأعمال والخدمات التي يقمن بها. كما يحرص الآباء على الإجتماعات واللقاءات الدورية المنتظمة معهن، لمتابعة حياتهن وخدمتهن. فضلًا عن تشجيعهن في إكتساب مزيد من الثقافة الروحية والدينية والعلمية، بالإشتراك في دراسات الكلية الإكليريكية اللاهوتية، ومعهدى الرعاية والدراسات القبطية، والدورات التدريبية التي تنظمها المؤسسات والهيئات في مجالات متنوعة مثل: التنمية، والإدارة، واللغات، والكمبيوتر، وغيرها... بل والمشاركة في المؤتمرات التي تعقد خارج مصر مثل قبرص ولبنان.
أما عن مجالات خدمة المكرسات حاليًا فهي كثيرة ومتنوعة فنجد مکرسات بني سويف (80 مكرسة) ومناطق الخدمة التابعة لها بالقاهرة في عزبة النخل والمقطم وطره تقوم على خدمة الحالات الأكثر إحتياجًا في المجتمع، مثل خدمة المسنين، والمعوقين، ذوى القصور الذهني، وكذلك خدمة الفقراء والمحتاجين، وخاصة جامعى القمامة. ويمكن أن نبلور خدمتهم في ثلاث مجالات:
1- التعليم: الإشراف والخدمة في المدارس التابعة للإيبارشية (إبتدائی / إعدادی / ثانوی فنی / صناعي) سواء في بني سويف أو عزبة النخل أو المقطم.
2- الصحة: حيث الإهتمام بالرعاية الصحية الأولية، وإقامة المستوصفات والمستشفيات لعلاج المرضى وفي أغلب التخصصات.
3- التنمية والرعاية الإجتماعية: بمساعدة الأسر الفقيرة على إقامة المشروعات الصغيرة، لزيادة الدخل، أو الرعاية الشاملة لأسرة الأرامل، أو مراكز التنمية والمشاغل للفتيات، ومحو الأمية، والتدريب المهني، وغيره... وأيضا خدمة الحضانات وخاصة الأطفال الرضع..
في حين تقوم مکرسات بیت القديسة دميانة (30 مكرسة بالعمل في إيبارشيات دمياط وكفر الشيخ وأبو تيج والقاهرة والإسكندرية، حيث الخدمة في بيوت الإيواء (الملاجئ)، والمسنين، والمعوقين، وأيضا بيوت الطالبات المغتربات، حيث الإشراف الروحي والإداري، والمساعدة في كافة الإحتياجات.. هذا بالإضافة إلى الخدمة في مجال المرأة، والطفولة، وخدمة القرى، داخل إيبارشيات دمياط وكفر الشيخ نفسها.
أما مكرسات بيت العذراء الشماسة فيبى بأسقفية الشباب (11 مكرسة)(8) فتركز الخدمة على نشاط أسقفية الشباب السابق ذكره (سكرتارية - مؤتمرات - الترجمة والطباعة والنشر - المكتبة - التوثيق... إلخ.) إلى جانب الخدمة في إجتماعات الشابات بمناطق الوايلى وحدائق القبة وشبرا بالقاهرة، وأيضا متابعة مشغل الفتيات التابع للبيت، فضلا عن خدمة بعض الحالات الخاصة من الشابات.
وهكذا نجد أن التكريس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية له دوره وأهميته في الخدمة والعمل، منذ عصر الآباء الرسل وحتى الآن، بكل القواعد والأصول الإنجيلية والآبائية، التي نلتزم بها.
_____
(1) نذكر من هؤلاء:
- عبد المسيح بشارة (حاليا نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا).
- الدكتور نصحي عبد الشهيد.
- ميلاد القمص حنا (حاليا الأب أرميا المقاری).
- يسرى لبيب (حاليا الأب باسليوس المقاری).
- كمال حبيب (المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوى السابق).
(2) ارتفع عدد الإصدارات الآن إلى خمسة وستون کتابًا. إلى جانب مجلة "دراسات آبائية ولاهوتية " النصف سنوية والتي صدر منها حتى الآن ستة أعداد.
(3) عاد أغلبهم بعد حصولهم على شهادة الدكتوراه.
(4) عدد هذه المؤتمرات الآن 13 مؤتمرًا.
(5) صدر أيضأ مجلة " أغصان" لشباب تحت العشرين منذ عام 1999.
(6) تم سيامة أحدهم أسقفا عاما هو نيافة الأنبا رافائيل في 15/ 6/ 1997.
(7) تم سيامة ثلاثة منهم كهنة بتوليين في 14/11/1996.
(8) حاليًا 23 مكرسة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/amir-nasr/monasticism/consecration-services.html
تقصير الرابط:
tak.la/8bxjgn2