مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أوريجانوس وحرية الإرادة والحتمية السوتيريولوجية - د. عادل زكري

2- مقدمة

 

يُعد العلامة أوريجانوس أول كاتب مسيحي يكتب عن حرية الإرادة بشكل نظامي وتفصيلي؛[1] إذ خصص الكتاب الثالث من مؤلفه الهام ”عن المبادئ“ عن حرية الاختيار. وقد لخص القديس باسليوس وصديقه القديس غريغوريوس النزيانزي هذا الكتاب (المقالة) في الفيلوكاليا في الفصول من 21- 27.[2] كما تعرض أوريجانوس إلى هذه المسألة في العديد من كتبه وشروحاته التي سنتعرض لها تباعًا.

St-Takla.org Image: Origen of Alexandria: Origen Adamantius (c. 184 – c. 253) - from: The True Perceptions and Lives of Illustrious Greek, Latin and Pagan Men, book by André Thevet, 1584. صورة في موقع الأنبا تكلا: العلامة أوريجانوس السكندري: أوريجينوس أدامانتيوس (184-253) - من صور كتاب ملاحظات حقيقية من سير رجال مشهورين من اليونان واللاتين والوثنيين، لـ:أندريه ثيفيت، 1584 م.

في البداية نجده في مقدمة كتاب ”المبادئ“ يستعرض العقائد الأساسية التي تؤمن بها الكنيسة كالتالي:

”فيما يلي ما نقلته البشارة الرسولية بوضوح: أن ثمة إلهًا واحدًا.. قد خلق كل شيء.. ثم يسوع المسيح الذي جاء وولِد من الآب... ثم بعد ذلك نقلوا أن الروح القدس يشارك الآب والابن في الكرامة والمنزلة.. وعلاوة على ما تقدَّم.. تنال النفس مصيرًا يناسب ما تستحقه عندما تبرح هذا العالم.. وحددت البشارة الكنسية أيضًا هذه النقطة التالية: تنعم كل نفس عاقلة بحرية اختيار وبإرادة... فينبغي أن ندرك أننا لسنا نخضع للحتمية، ولا نحن مرغمون بأي شكل من الأشكال أن نسلك رغم أنفنا سلوكًا سيئًا أو سلوكًا حسنًا“.[3]

وبالتالي نرى أن التعليم عن حرية الاختيار، عند أوريجانوس، هو أحد بنود التقليد الرسولي والإيمان المسيحي؛ إذ يأتي بعد الثالوث مباشرةً.

فمن جهة التعليم عن حرية الاختيار، يتفق أوريجانوس مع تراث من سبقوه، إذ يقول يوستين الشهيد في دفاعه الأول، فصل 10، ”نحن نؤمن أن مَن يختار أن يرضي الله فبسبب هذا الاختيار سيكون مستحقًا للحياة الأبدية في حضرة الله. وإن لم يكن في مقدورنا أن نخلق ذواتنا؛ لكننا نؤمن أننا نستطيع أن نعمل الأعمال المرضية أمامه باختيارنا بحسب ما وهبنا من قدرات عقلية“.[4]  كما يقول يوستين في الدفاع الأول فصل 43 ”ونشهد أنه حق.. لو أن كل شيء يحدث بالقضاء والقدر، لما كانت لنا قدرة الاختيار على الإطلاق. فإذا شاء القدر أن يكون هذا الإنسان صالحًا وذاك شريرًا فلن يكون هذا مُزكى ولا ذاك ملومًا“.[5]

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

كما يقاوم يوستين القدرية الرواقية في الدفاع الثاني فصل 7 ويقول:

”أننا لا نعلّم (كما يفعل الرواقيون) بأن الإنسان يعمل ويتألم كما يملي عليه القدر، بل نؤمن أن كل إنسان يفعل الخير أو الشر بإرادته الحرة.. وبما أن الله منذ البدء خلق جنس الملائكة والناس ولهم إرادة حرة، فهم بعدل سوف يدفعون ثمن خطاياهم في النار الأبدية. فالإنسان بطبيعته له إمكانية الفضيلة والرذيلة، ولن يستحق المديح على أي عمل يعمله ما لم تكن له القدرة على أن يميل إلى أي منهما (اي الخير والشر)“.[6]

نفس الشيء يؤكد عليه إيريناؤس في كتابه ”ضد الهرطقات“، إذ يقول: ”هذا التعبير الذي لربنا، كم مرة أردت أن اجمع أولادك، ولم تريدوا (مت 23: 37) قد أعلن القانون القديم للحرية الإنسانية. لأن الله صنع الإنسان حرًا منذ البداية، يملك سلطانه الذاتي، وهو يطيع وصايا الله باختياره وليس بالإجبار من الله. فلا يوجد إكراه عند الله“.[7]

لذلك فإن أوريجانوس، مثل يوستين وإيريناؤس، يؤمن أننا كائنات حرة وقادرة على الاختيار بفضل الملكات العقلية التي أودعها داخلنا الله. وهذه الحرية في الاختيار هي شرط أساسي وسابق لحصولنا على المدح أو اللوم في الدينونة الأخيرة.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[1] Michael Frede, A Free Will: Origins of the Notion in Ancient Thought (Sather Classical Lectures), 1st ed. (University of California Press, 2011), 105.

[2] Cf. The Philocalia of Origen by Rev. George Lewis.

[3] أوريجانوس، المبادئ، المقدمة 4- 5.

[4] القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، إصدار بناريون، صفحة 36-37.

[5] نفس المرجع السابق، صفحة 70.

[6] نفس المرجع السابق، صفحة 113.

[7] إيريناؤس، ضد الهرطقات الكتاب 4: 37: 1.

لماذا يكتب أوريجانوس عن حرية الإرادة؟

أوريجانوس وحرية الإرادة والحتمية السوتيريولوجية كتب عادل زكري

توطئة

---