لكن إذا أردت أن أعدد كل الأمثلة التي أجدها في العهد القديم والجديد، فالوقت سيخذلني في سردها. غير أنني بمجرد أن أصل إلى كلمات ربنا يسوع المسيح في الإنجيل، كلمات المزمع أن يدين الأحياء والأموات، والكلمات التي تعتبر للمؤمنين جديرة بالتصديق أكثر من أي خبر تاريخي أو حُجة مقنعة، فإن الإصرار إن جاز التعبير الذي لاحظته فيها جميعها لهو إصرار كبير ومقنع بشأن طاعة الله في كل شيء.
فإنني ألاحظ أنه لا يُعطى على الإطلاق أي عفو عن أي حُكم كان، لمن لا يتوبون عن عصيانهم. وبالتأكيد لا أحد سيكون لديه مِن الرعونة ليقدِّم شهادة أخرى. أو بالأحرى سيفكر في فعل هذا أمام هذه الإعلانات الجلية والواضحة والمطلقة. يقول: ”اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ“ (مت 24: 35). هنا لا توجد أي تفرقة، لا يوجد أي تمييز. ولا يُعطى أي استثناء في أي موضع. إنه لم يقل: ”هذه الكلمات“ أو تلك الكلمات“ بل ”كَلاَمِي“، كله على حد سواء، ”لاَ يَزُولُ“.
لأنه مكتوب: ”الرب صادق في كل كلامه“،[18] سواء في تحريم شيء أو فرضه، سواء كان يعد أو يتوعد، أو سواء من جهة القيام بأفعال محرمة أو عدم القيام بأفعال غير موصى بها. لأن عدم القيام بالأفعال الصالحة مُدان، وكذلك ارتكاب الأفعال الخاطئة، فالحكم المذكور آنفًا في حالة بطرس يكفي للتوضيح وللبرهنة الكاملة لنفسٍ لم تذهب ضحية تمامًا للشك. فالذي لم يفعل شيئًا محرمًا، ولم يتخل عن إتمام أية وصية، قد يصبح المذنب بمقتضاها عرضة لتهمة الإهمال أو الازدراء، لكنه لم يفعل سوى إظهار تردد -يعبر عن التوقير- من جهة قبول خدمة وإكرام من جانب سيده، كان هدفًا لتهديد كان ليتحقق حتمًا لو لم -كما قلت- يتحاشَ بطرس سخط سيده بتدارك سريع ونشيط.
حقًا سُرَّ إلهنا الصالح والحنون بأن يكون طويل الأناة نحونا، وليوضح مرارًا وتكرارًا، وبأمثلة كثيرة نفس الحقيقة، حتى أنه بسبب عددها الكبير وتتابعها المستمر فإن النفس عندما تثار بعمق وتهتز قد تصبح قادرة -برغم صعوبة الأمر- على أن تُقلع عن عادة خطيتها المتأصلة.
ولذلك من أجل هدفنا الآن، من الضروري أن نذكر فقط مَن سيقفون على يسار ربنا يسوع المسيح في يوم الدينونة العظيم والرهيب، والذي نال من الآب كل سلطة الدينونة،[19] والذي يأتي ليكشف إلى النور خبايا الظلام ويُظهر مشورات القلب،[20] والذي سيقول لهم: ”اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ“ (مت 25: 41).
فضلاً عن ذلك، فهو يضيف السبب، ولا يقول: ”لأنكم ارتكبتم القتل أو الزنا، أو لأنكم كذبتم، أو ظلمتم أحدًا، أو ارتكبتم فعلاً محرمًا، أو حتى ذنبًا عارضًا“ -لكنه ماذا يقول؟ لأنكم كنتم مهملين في الأعمال الصالحة، ”لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي“ (مت 25: 42، 43). هذه الكلمات ومثيلاتها عثرت عليها في الأسفار المقدسة بنعمة الله الصالح ”الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ“ (1تي 2: 4) والذي يعلِّم هذه المعرفة للبشر.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هكذا أدرك المصدر المرعب للشقاق الكبير بين غالبية الجنس البشري، سواء من جهة بعضهم البعض أو من جهة احترام وصايا ربنا يسوع المسيح. وفي هذا تعلمت عن المصير المحتوم تجاه مثل هذا التعدي للناموس. وبمقتضى ذلك تعلمت أن أشجب بنفس القدر كل شكل من أشكال العصيان لكل أمر من أوامر الله، ولاحظت تلك الدينونة الرهيبة التي لمن هم ليسوا مذنبين بخطية، لكنهم سينالون نصيبًا من الغضب بسبب عدم إظهار غيرة مقدسة تجاه الخطاة، حتى وإن كان الأولين غير واعين في كثير من الأحيان بالخطأ الذي يُرتكب.
وبناء على ذلك رأيتُ أنه من واجبي، بقدر ما أستطيع وبمعونة صلوات الجميع، حتى لو تأخر الوقت (لأني أترقب دائمًا هؤلاء الذين انبروا في نفس السباق نحو القداسة ولا أثق في نفسي منفردًا)، لأُحضر لكم كأداة تذكير، الآن على الأقل، وربما في وقت غير مواتٍ، للذين هم منخرطون في معركة الحياة المكرسة، النصوص التي انتقيتها من الأسفار المقدسة بشأن ما هو غير مسر لله وما يسره جدًا.
وحتى نتبرر بنعمة ربنا يسوع المسيح وبإرشاد الروح القدس، دعنا نجحد الأفعال المعتادة النابعة من إرادتنا الخاصة ومن اتباع التقاليد البشرية. على الجانب الآخر دعنا نتقدم للأمام بواسطة إنجيل الله المبارك، يسوع المسيح، ربنا.[21] حتى إذا عشنا خلال هذه الحياة الحاضرة بطريقة مقبولة لديه، بالتجنب الجاد لكل ما هو محرَّم، وباتباعٍ غيورٍ لكل ما مُوصى به، نصير قادرين في دهر الخلود الآتي أن نفلت من الغضب الآتي على أبناء المعصية،[22] ونوجد مستحقين لاقتناء الحياة الأبدية، وملكوت السموات، الذي وعد به ربنا يسوع المسيح ”لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَذَاكِرِي وَصَايَاهُ لِيَعْمَلُوهَا“ (مز 103: 18). كذلك عندما أتذكر كلمات الرسول ”لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ“ (غل 5: 6) فإني أعتبر من الملائم والضروري أن أعرض أولاً الإيمان القويم والعقيدة المقدسة التي تكرم الآب والابن والروح القدس، ثم بعد ذلك أضيف الأخلاقيات العامة.
_____
[18] قارن (مز 145: 17).
[19] قارن (يو 5: 22).
[20] قارن (1كو 4: 5).
[21] قارن (1تي 6: 15).
[22] قارن (أف 5: 6؛ كو 3: 6).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/basil-judgment-of-god/true.html
تقصير الرابط:
tak.la/h53xwar