(10) لكن برغم أننا كمسيحيين بلا شك سنتعلم كل هذه الأمور بدقة في أدبياتنا، لكن في الوقت الحاضر على الأقل دعنا نرسم رسمًا تقريبيًا إن جاز التعبير لماهية الفضيلة بحسب تعليم اليونانيين. لأنه بواسطة مَن يجعلون مهمتهم جمع الفائدة المستقاة من كل مصدر فإن إضافات كثيرة من جوانب كثيرة غالبًا ما ننالها، كما يحدث في حالة الأنهار القوية. بالفعل نحن مخولون أن نعتبر قول الشاعر عن ”إضافة القليل إلى القليل“[50] أنه يصلح ليس لتكديس المال بل يصلح مِن جهة زيادة المعرفة من أي نوع. فنحن نجد بيّاس[51] على سبيل المثال حين سأله ابنه الذي كان على وشك مغادرة مصر ماذا بوسعه أن يفعل ويجلب له أقصى شبع، أجاب: ”باقتناء زادًا للسفر من أجل شيخوختك“، ويقصد بزاد الرحلة الفضيلة بلا شك، برغم أن المصطلحات التي يعرفها بها كانت ضيقة للغاية، إذ رأى أن الفائدة الوحيدة من الحياة البشرية هي الفضيلة. لكن بالنسبة لي إذا ذكر أي أحد شيخوخة ثيثونس[52] أو أرجانثونيس[53] أو متوشالح[54] الذي كانت حياته هي الأطول من أي إنسان (لأنه قيل إنه عاش ألف سنة إلا ثلاثين)، أو إذا حسب أي أحد الزمن الذي انقضى منذ وجود البشر، فإنني سأضحك على ذلك كما على فكرة طفولية حين أتمعن النظر نحو الأبدية الطويلة التي بلا نهاية، والتي لا يستطيع العقل بأي حال من الأحوال أن يستوعب حدها بقدر ما لا يستطيع أن يتصور نهاية للنفس الخالدة. ولهذه الأبدية أحثكم لاقتناء زاد السفر، غير تاركين حجرًا دون أن تقلبوه، كما يقول المثل،[55] حيثما كان هناك تحصيل لاستفادة من أجل هذه الغاية.
ولأن هذا أمر صعب ويستدعي التعب، فبناء على ذلك دعنا ألا نتراجع، بل إذ نتذكر كلام مَن حث كل إنسان على اختيار الحياة الأفضل في ذاتها،[56] مع التوقع بأنه من خلال العادة ستثبت أنها مرغوبة، نجرِّب أفضل الأشياء. لأنه سيكون من العار أننا عندما نضيِّع الفرصة الحاضرة، أن نستدعي في وقت لاحق الماضي عندما لن يكسبنا الحزن شيئًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وبناء على ذلك، من الأشياء التي في تقديري هي الأفضل أخبرتكم ببعضها هذه المرة، بينما البعض الآخر سأظل أرشحه لكم حياتي كلها. لكن بالنسبة لكم، عندما تتذكرون أنه يوجد ثلاثة أنواع من الضعف المرضي، ليتكم لا تبدو مشابهين المرض غير القابل للشفاء، ولا أن تظهروا مرض العقل، الذي يشبه المرض الذي يتكبده المصابون في الجسد. لأنه بينما مَن يعانون من أمراض طفيفة يذهبون من تلقاء أنفسهم إلى الأطباء، والذين يصابون بأمراض أكثر خطورة يستدعون لبيوتهم مَن سيعالجونهم، إلا أن من يبلغوا مرحلة المالنخوليا μελαγχολία التي تعصى تمامًا عن العلاج لا يريدون أن يقترب منهم الأطباء أبدًا. صلوا لكيما لا تصبحوا مصابين على النحو السابق، وهي سمة الناس في الوقت الحاضر، بتجنُّبكم مَن صحَّت ملكاتهم العقلية.
_____
[50] راجع هزيود، الأعمال والأيام 361، 362.
[51] بيّاس Bias ازدهر حوالي (570 ق. م.) وهو أحد الحكماء السبعة الإغريق، وكان ثريًا وشاعرًا.
[52] قارن القصائد الهوميرية 5: 218 إلخ.
[53] قارن هيرودوت، التواريخ 1: 6: 3.
[54] قارن (تك 5: 25).
[55] cf. Paroemiographi Graeci, L.-S. 1, p. 146.
[56] الإشارة هنا إلى فيثاغورس (cf. Plutarch, De exilio 8. 376).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/basil-greek-literature/journey.html
تقصير الرابط:
tak.la/5xsc99w