في هذه العظة المهمة يحاول القديس أغسطينوس الإجابة على سؤال صعب مفاده: إذا كان الثالوث القدوس غير منفصل، فلماذا تُنسب بعض الأعمال لأحد الأقانيم فقط دون الأقنومين الآخرين؟ فالتجسد والصلب والقيامة يبدو أنهم يُنسبون للابن فقط، فأين دور الآب والروح القدس في هذه الأعمال؟ ومع اعترافه بالصعوبة الشديدة لهذا السؤال فإنه يقدم محاولة حذرة يراعي فيها عدم القول بوجود ثمة انفصال بين الأقانيم الثلاثة من جهة وعدم نسب الولادة أو الصلب أو القيامة للآب أيضًا من جهة أخرى. لأن القديس أغسطينوس كان على دراية بالهرطقة التي رفضتها الكنيسة والتي عُرفت بمؤلمي الآب patripasstianism.
استعان القديس أغسطينوس ببعض النصوص الكتابية لكي يثبت أن ولادة الابن هي عمل كل من الآب والابن، لأن الآب هو من أرسل وجعل ابنه مولودًا من امرأة (فقرة 11)، وبرغم أن الابن هو الذي تألم فإن أغسطينوس يأتي بشهادات كتابية تقول إن الآب أسلم ابنه كما أن الابن أسلم ذاته، وبالتالي يقول إن الصلب هو عمل كل من الآب والابن (فقرة 12). نفس الشيء عن القيامة، فالآب أقام ابنه، والابن لديه السلطان ليضع نفسه ويستردها أيضًا (فقرة 13).
ثم يحاول أغسطينوس حث قرائه أو سامعيه على البحث في المخلوقات عن 3 أشياء تظهر منفصلة ويكون عملهم غير قابل للانفصال. ويستنتج أن البحث يكون أكثر واقعية في الإنسان، ذات الإنسان، لأن الإنسان بخلاف البهائم أو السماء أو النجوم، هو المخلوق على صورة الله ومثاله. وبالتالي لا بُد أن يكون في الإنسان أثر شبهٍ بالثالوث. هذه المقاربة اتبعها القديس غريغوريوس النيسي في مقالة له بعنوان ”خلق الإنسان على صورة الله ومثاله“. فقد رأى القديس غريغوريوس النيسي مثل القديس أغسطينوس أن النفس هي أقرب تشبيه للثالوث، وأن الإنسان إذا تأمل نفسه سيصل إلى سر الثالوث، وأن النفس تمثل شهادة للثالوث ويقول إنها ”شهادة مؤكدة وجديرة بالثقة أكثر من أي شهادة أخرى للناموس والكتاب“!.[1]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لكن القديس أغسطينوس مع اعترافه بأن النفس أقرب تشبيه للثالوث مثل النيسي، إلا أنه يأخذ منحى سيكولوجيًا آخر، وهو ثالوث ”الذاكرة، والفهم، والإرادة“، مع اعتراف أغسطينوس أن هذا الثالوث هو مجرد نموذج تشبيهي ولا يتطابق تمام الانطباق مع الثالوث القدوس، ولم يستطع أن يصرح بأيهم ينطبق على الآب أو الابن أو الروح القدس. وأكد على أن غاية بحثه هي أن يبحث في عالم المخلوقات عن أشياء ثلاثة تظهر منفصلة مع أن عملهم غير قابل للانفصال، مشددًا على سمو الله وتعاليه عن أي شبه بالمخلوقات.
نسأل المسيح إلهنا أن تكون هذه الترجمة لمجد الثالوث القدوس ولخدمة الكنيسة، وأن يحفظ لنا حياة أبينا البطريرك أنبا تواضروس الثاني.. آمين.
نوفمبر، 2022م
_____
[1] راجع القديس غريغوريوس النيسي، خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، ترجمة د سعيد حكيم، مراجعة د نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، يونيو 2006، ص 18.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-matthew-3-13/foreword.html
تقصير الرابط:
tak.la/jaz6nmy