* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية: |
في أحضان الكتاب الدافئة وبين دفتيه تستريح نفسي، حيث الطعام الروحي الشهي وماء الحياة المروي، في المراعي الخضراء، في ستر العلي تستريح النفس..
حقًا أنني أشكر إلهي الصالح من أعماق قلبي، إذ أنعم لي بفرصة جديدة لأخذ بركة رسالة غلاطية، بعد أن بدأت العمل فيها منذ نحو ثلاث سنوات في صيف 2012 م. أثناء تواجدي في ولاية "نورث كارولينا"، ثم انقطعت عنها هذه السنين بسبب انهماكي في النقد الكتابي، وأخيرًا وجدت فرصتي في صيف هذا العام عندما ذهبت ثانية إلى ذات الولاية، وعدّة ولايات أخرى وهي لا تفارقني برًّا وجوًا، وبعد عودتي إلى مصرنا الحبيبة أكملت العمل فيها.. حاولت قدر استطاعتي تبسيط الشرح، وأيضًا ربما أكثرت من الاقتباسات كنوع من تكرار الفكرة والتأكيد عليها، وأيضًا حتى يتمتع القارئ بتنوع الأسلوب فلا يملَّ القراءة.
حقيقة أن الانهماك الروحي بكلمة اللَّه والغوص في بحارها أمر ممتع ومريح للنفس جدًا، بالرغم من الساعات الطويلة التي أقضيها في كد وجهد وسهر بلا كلَّلٍ ولا ملَّلٍ، وعملي هذا يذكّرني بعمل أبي في الفردوس قبل السقوط، فهو عمل لا يفيض عرقًا ودمعًا، بل عمل تستريح له النفس وتهدأ، ويفرح به القلب ويهنأ.. فما أروع الغوص في أعماق الكتاب المقدَّس والتجوُّل بين دفتيه، والسعي هنا وهناك لجمع قطع صغيرة من الفسيفساء، وعندما توضع هذه القطع في أماكنها المناسبة ويكتمل العمل وإذ بك أمام أيقونة رائعة من قطع الفسيفساء اللامعة المختلفة الأشكال والألوان.. هذه هي الأيقونة العاشرة في ربوع الأسفار المقدَّسة قد أخذتُ بركتها، ومع كل أيقونة تكتمل معالمها وتكتحل العين برؤياها، إذ بالقلب يئن: أريد أن أبقى هنا بقيّة أيامي.. ولكن ماذا أنت فاعل يا قلبي وقد وُضِعت عليك الضرورة، وحملتَ على منكبيك هموم "النقد الكتابي؟!".
لذلك تجدني مضطرًا للانسحاب في أسى من هذا المجال إلى ذاك المجال، فالنقد الكتابي في سفر المزامير في انتظاري، وما يعزيني أن هناك الكثيرون يعملون في مجال التفسير، أما في مجال النقد الكتابي فنحن في حاجة ماسة ولو لقليلين.. نطلب من رب الحصاد أن يُرسل فَعَلة إلى حصاده..
تبارك اسم إلهنا الصالح الذي أنعم علينا بهذه البركات، له المجد في كنيسته إلى الأبد آمين.
دعنا يا صديقي في هذا التمهيد نُلقي الضوء قليلًا على الأمور الآتية:
رابعًا: تاريخ ومكان كتابة الرسالة وقانونيتها.
سادسًا: سِمات الرسالة وموضوعاتها والمقابلات في الرسالة.
تمثّل "غلاطية" منطقة متسعة في وسط آسيا الصغرى (تركيا الآن)، فهي ليست مدينة كبقية المدن التي أرسل إليها بولس الرسول رسائله، بل شَملت عدّة مدن منها: أنطاكية بيسيدية، وأيقونية، ولسترة، ودربة، ولذلك أرسل بولس الرسول رسالته هذه "إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ" (غل 1: 2)، وشعب غلاطية الأصلي من الشعوب الآرية التي زحفت إلى أوروبا منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، فيقول "الأب متى المسكين": "وأول تقابل مع شعب الكلت في التاريخ كان في وسط أوروبا في حوض نهر الدانوب، ولا تزال تُدعى حتى اليوم بعض المواضع هناك بِاسم "كلت" Kelt في نواحي فيينا.. هؤلاء الكلت.. أي الغلاطيون نزحوا منذ فجر التاريخ نحو سويسرا وجنوب ألمانيا وشمال إيطاليا حتى إلى الغال Gaule بفرنسا حيث أخذوا تسميتهم الدائمة Gallaia وباليونانية Galatia. وبعد ذلك ارتدوا في الهجرة نحو الشرق واستقروا زمانًا في شمال اليونان في ترافيا Thrace ومكدونية Macedonia وتسَّالي Thessaly، ثم اقتحموا اليونان ولكنهم لم يتعدوا مدينة دلفي Delphi " (1).
وامتازت أراضي غلاطية بالخصوبة العالية لذلك جذبت المنطقة أعدادًا ضخمة من المهاجرين من بلاد الغال (فرنسا)، ودُعيت المنطقة بِاسم "غلاطية" نسبة إلى غالية (فرنسا) من حيث أتى المهاجرون، وشكَّل الغلاطيون ثلاث قبائل رئيسية وهيَ:
1- التوليستوبوجي Tolistobogu
2- التكتوساجس Tectusages
3- التروكمي Tracomi
وكان لغلاطية ثلاث عواصم هيَ: "بسينوس" Pessinus، و"أنكرا" Ancyra (أنقره الآن)، و"تافيوم" Tavium، وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "وكانت كل قبيلة تنقسم إلى أربعة عشائر أو بطون، يرأس كل منها رئيس ربَع، وكان يجتمع المجلس الاتحادي للقبائل الثلاث دوريًا، وكان له الحكم في قضايا القتل، وهكذا احتفظت هذه القبائل الكلتية بتماسكها، كما احتفظت بطابعها الخاص تحت حكم روما. ويذكر جيروم أنهم احتفظوا بلغتهم الغالية حتى القرن الخامس"(2) ودُعيت هذه المنطقة التي سكنت فيها تلك القبائل بغلاطية الشمالية، وصارت لغتها الرسمية اللغة اليونانية.
وفي نحو عام 278 ق. م أخطأ "نيقوميدس" Necomedes ملك بثينية عندما استعان بالغلاطيين ليساعدوه في حروبه، فأقاموا في بلاده، ونشروا الرعب في آسيا الصغرى وصاروا ينهبون ويسلبون فتصدى لهم الملوك المجاورين بقيادة " أتالوس الأول " Attalos I ملك برغاس حتى حاصروهم في منطقة غلاطية سنة 230 ق. م، إلاَّ أنهم لم يكفُّوا عن غاراتهم على جيرانهم0 وفي سنة 190 ق. م انضم عدد كبير منهم لجيش أنطيوخس الثالث ملك أنطاكية ضد روما في موقعة "ماجنيزيا" Magnesus، وبعد نحو عام أرسلت روما القائد "مانليوس فولسون "Manlius فأخضع تلك القبائل، بل أن روما بمهارتها الدبلوماسية استطاعت أن تجعل تلك القبائل حليفة لها تعمل تحت سلطتها، فاستغلتهم في الضغط على مملكة برغاس، والتصدي لمثريداتس السادس Mithridates ملك بنتس عندما حاول التعدي على نفوذ روما والاستيلاء على آسيا الصغرى، وحافظ الغلاطيون على وفائهم لروما بالرغم من اضطهادات مثريداتس المريرة لهم (راجع دائرة المعارف الكتابية ج5 ص 413 - 415).
وفي عام 64 ق. م هزم القائد الروماني "بومبي" بمساعدة الغلاطيين ملك بنتس، فكافئ الغلاطيون لأمانتهم لروما، وتم اعتبار غلاطية الدولة الصديقة الأولى لروما، وفي سنة 63 ق. م عندما نظّم "بومبي " آسيا الصغرى ومنطقة غلاطية أقام "ديوتاروس" Deiatarus رئيس قبيلة التوليستوبوجي حاكمًا أعلى لغلاطية، وفي سنة 62 ق. م منحه "بومبي" جزءًا من بنتس لتعضيده له في الحروب، وبعد نحو اثني عشر عامًا منحه مجلس الشيوخ الروماني مقاطعة أرمينيا الصغرى، وأسبغ عليه لقب "ملك"، وفي سنة 40 ق. م مات "ديوتاروس" وتولى بدلًا منه "أمنيتاس" Amyntas أمين سره، وأقامه أنطونيوس قيصر ملكًا على منطقة غلاطية عام 39 ق. م، وقد شملت أجزاء من ليكية وبمفيلية وبيسيدية، وصاحب "أمنيتاس" أنطونيوس قيصر في معركة أكتيوم البحرية ضد أوكتافيوس، ولكنه انضم إلى أوكتافيوس الذي انتصر على أنطونيوس، فثبَّته أكتافيوس (أغسطس قيصر) ملكًا على غلاطية.
وفي سنة 25 ق. م أعاد "أوغسطس قيصر" تنظيم الإمبراطورية وتحصين حدودها فأضاف أجزاءً من فريجية وليكاؤنية وبيسيدية إلى غلاطية وجعلها ولاية رومانية، فدُعيت هذه المنطقة بغلاطية الجنوبية، وفي سنة 12 ق. م. جاء إلى غلاطية الوالي "سالبتيسيوس ليرنيوس"، إيذانًا بخضوعها النهائي للحكم الروماني، وقد أُضيف إليها أجزاءً من بافلاجونيا وبنتس، وفي سنة 72 ق. م أُضيف إليها كبدوكية وأرمنيا الصغرى، ووُضِعت تحت حكم مندوب قنصلي، وفي سنة 137 ق.م استقطع تراجان أجزاءً من ولاية غلاطية، وفي عصر دقلديانوس انكمشت الولاية داخل حدودها العرقية (راجع دائرة المعارف الكتابية ج5 ص 415).
ويقول "الأب متى المسكين": "وإقليم غلاطية في الحاضر والمُسمَّى Provincia Galatia يمتد من بنتس على البحر الأسود حتى بمفيلية على البحر الأبيض المتوسط.. ولكن بحسب تعدد التقسيمات التي حدثت على مدى التاريخ لمملكة غلاطية، نجد أنها انقسمت بالتقريب إلى مملكة الشمال وتشمل غلاطية الأصلية العِرقية (ethnic) التي يتواجد فيها أصل هذا الجنس وهو الوطن الأول لأهل البلاد النازحين من أوروبا وتُسمَّى غلاطية الشمالية. أما في الجنوب فتشمل "غلاطية المضافة " المقتطعة من فريجية وليكاؤنية المسمَّاة فريجية غلاطية وليكاؤنية غلاطية"(3).
وعُرف الغلاطيون بمحبتهم للحروب، فالسيف لم يفارق أيديهم، كما عُرفوا بحدّة الطباع وسرعة التقلُّب، حتى أن القديس هيلاري وهو من غلاطية دعى هذا الشعب بالشعب العنيد الجامح غير المطيع، وشَهِدَ بهذا القديس جيروم أيضًا، وكان جيشهم جيشًا مدرّبًا يثير الرُّعب في القلوب، ففي القرن الرابع قبل الميلاد وصلوا في غزواتهم إلى روما وبلاد اليونان. أمّا عباداتهم فقد امتزجت بالدّنس والنجاسة والدموية، فكانوا يخمشون أجسادهم بل يبترون بعض أعضائهم ليقدمونها قربانًا لآلهتهم الشيطانية، ويقول "القمص أغسطينوس البرَموسي" عن أهل غلاطية: "اشتهر الغلاطيون بالشجاعة والنباهة والمهارة، وكانوا من محبي الافتخار والخصومات، كثيري التقلُّب سريعي التغيُّر يحبون قريبهم اليوم ويبغضونه غدًا، كما كان من تصرُّفاتهم مع بولس الرسول أنهم رحبّوا به كثيرًا في زيارته الأولى لهم وكانوا، مستعدين أن يقلعوا عيونهم ويعطوه إياها، ولكنهم تغيَّروا حالًا وتركوا تعليمه واستخفوا بسلطته"(4).
ويقول "الأب متى المسكين": "وكان المعروف عن شعب الغال أنه شعب غير متحضّر (شأن الشعوب الرُّحَّل كثيرة الهجرة ) وكانوا أميي المعرفة متأخرين عن ثقافة عصرهم، وكان يصفهم العالم باللاتينية indociles أي المتأخرين غير المطيعين العنيدين، فلا عجب أن يقول عنهم "جيروم" إن الغلاطيين كانوا بالفعل أغبياء بسبب بطئهم في الفهم"(5).
وقيل عن أهل غلاطية : "كان أهل غلاطية أنفسهم شعب عاطفي ومندفع ومتقلّب المزاج. لقد كانوا شعبًا متهوّرًا ومتقلّبًا ومحبًا للجدال وصاخبًا ومحبًا للتفاخُّر وفاسقًا. وكانوا يحبون ما هو غريب ونادر ومجهول. كانوا متمسكين بديانة كانت في الأساس عبادة للطبيعة. كانت المنطقة أيضًا كثيفة السكان من قِبل اليهود الذين كانوا متمسكين بإخلاص بديانتهم اليهودية. كان اليونان أيضًا كثيرين وأخضعوا الإقليم للنفوذ الهليني القوي. كانت الطبيعة والخليط الغريب من الناس في جنوب غلاطية تُرى في معاملتهم لبولس. لقد كان في استطاعتهم أن يذبحوا لبولس وأن يرجموه في نفس الوقت ( أع 14: 13-19)"(6).
لقد عاش في منطقة غلاطية جالية قوية من اليهود الذين عملّوا بالتجارة، ومثَّلت كنائس غلاطية خليطًا من الأمم واليهود، وقد أشار بولس الرسول للمؤمنين من أصل يهودي في رسالته هذه (غل 2: 15، 3: 23 - 25، 4: 5).
ذهب بولس الرسول إلى غلاطية في الرحلة التبشيرية الأولى، ومرَّ بها في طريق العودة (أع 13، 14)، ثم ذهب إليها مع سيلا وتيموثاوس ولوقا في الرحلة التبشيرية الثانية: "وبَعْدَمَا اجْتَازُوا في فرِيجِيَّةَ وكورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ القُدُسُ أن يَتَكَلَّمُوا بالكَلِمَةِ في أسِيَّا" (أع 16: 6)، وأيضًا ذهب إليها بولس الرسول في الرحلة التبشيرية الثالثة: "وبَعْدَمَا صَرَفَ زمانًا خَرجَ واجْتَازَ بالتَّتَابُعِ في كُورةِ غَلاَطِيَّةَ وفرِيجِيَّةَ يُشَدِّدُ جميعَ التَّلاَمِيذِ" (أع 18: 23)، وبالرغم من مرض بولس الرسول وضعف جسده (غل 4: 13) فأنه أسَّس في منطقة غلاطية عدّة كنائس.
فواضح تمامًا أن كاتب الرسالة هو بولس الرسول بلا منازع، فالآية الأولى في الرسالة: "بُولُسُ رَسُولٌ لا مِنَ النَّاسِ ولا بإِنسان، بل بِيَسُوعَ المَسِيحِ واللَّه الآب" (غل 1: 1)، كما يقول: "ها أنا بُولُسُ أقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِن اخْتَتَنْتُمْ لا ينْفَعُكُمُ المَسِيحُ شَيْئًا" (غل 5: 2)، ومع نهاية الرسالة يقول: "انْظُرُوا، ما أكْبَرَ الأحرُفَ التي كَتَبْتُهَا إلَيْكُمْ بيدي" (غل 6: 11). كما أن أسلوب الرسالة يتوافق تمامًا مع أسلوب رسائل بولس الرسول الأخرى، ووُجدت الرسالة منسوبة لبولس الرسول في أقدم المخطوطات، وأقتبس منها آباء الكنيسة، بل وأيضًا الهراطقة، وجاء ذكرها في الجدول الموراتوري منسوبة لبولس الرسول. ومن الآباء الذين اقتبسوا منها القديس بوليكاريوس، والقديس أغناطيوس، والشهيد يوستين، والعلامة أوريجانوس، والعلامة ترتليان، والقديس أكليمنضس السكندري، وأغسطينوس.. إلخ، ولذلك لم يجرؤ أعتى أرباب النقد الأعلى على إنكار نسبة هذه الرسالة لكاتبها بولس الرسول، بل قالوا أنها مع رسالة روما ورسالتي كورنثوس حملوا بوضوح أسلوب بولس الرسول.
هل كُتبت الرسالة لسكان غلاطية الجنوبية الذين بشّرهم بولس الرسول في رحلته التبشيرية الأولى، أم لسكان غلاطية الشمالية، أم لكليهما؟
والحقيقة أننا لا نعرف على وجه التحديد لمن وُجِهت الرسالة، وهناك رأيان رئيسيان في هذا الأمر:
الرأي الأول: الرسالة كُتِبَت إلى أهل غلاطية الشمالية:
ففي سفر الأعمال أشار القديس لوقا الإنجيلي إلى اللقب الروماني للمقاطعة الشمالية عندما قال: "كُورَةِ غَلاَطِيَّةَ"، وقد ذَهَب إليها بولس الرسول مع سيلا في الرحلة التبشيرية الثانية: "وبَعْدَ مَا اجْتَازُوا في فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا" (أع 16: 6) وقال لهم بولس الرسول: "ولكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بضَعْفِ الجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأوَّل" (غل 4: 13)، وفي بداية الرحلة التبشيرية الثالثة لبولس الرسول: "خَرَجَ واجتَازَ بالتَّتَابُعِ في كُورَةِ غَلاَطِيَّةَ وفرِيجِيَّةَ يُشَدِّدُ جمِيعَ التَّلاَمِيذ" (أع 18: 23).
وبموجب هذا الرأي يكون بولس الرسول قد كتب رسالته هذه إلى غلاطية الشمالية بمدنها بسينوس Pessinus، وأنقره Anycra، وتافيوم Tavium، ومن الأدلّة التي اعتمد عليها أصحاب هذا الرأي:
1 أُطلِقَ اسم الغلاطيين أساسًا على الغاليين الذين هاجروا من غاليا (فرنسا) وعاشوا في منطقة غلاطية الشمالية، وقال المعارضون لهذا الرأي أن غلاطية الجنوبية تكوَّنت سنة 25 ق. م، وبولس الرسول أرسل رسالته هذه نحو سنة 50م، أي بعد مرور 75 سنة من تكوين غلاطية الجنوبية، فمن المقبول أن بولس الرسول يُلقّب سكان هذه المنطقة الجنوبية بالغلاطيين أيضًا.
2 أنشأ بولس الرسول مع برنابا كنائس فريجية وبيسيدية وليكاؤونية في رحلته التبشيرية الأولى، بينما يظهر من الرسالة أنها أُرسِلَت لكنائس أسَّسها بولس الرسول بمفرده. أمَّا المعترضون على أن بولس الرسول كتب هذه الرسالة لغلاطية الشمالية، فقالوا ربما كتبها بعد أن فارقه برنابا في بداية الرحلة الثانية لإصراره على اصطحاب مرقس معهما ورفض بولس هذا.
3 عندما يقترن اسم ميسيا وفريجية وبيسيديا مع اسم غلاطية، فإن هذا يشير إلى غلاطية من الناحية الجغرافية، وليس من الناحية السياسية، وقال المعارضون حتى ولو أن لوقا الإنجيلي استعمل كلمة غلاطية بحسب المعنى الجغرافي وليس السياسي، فإن هذا لا يمنع من أن بولس الرسول يستخدم الكلمة في معناها السياسي وليس الجغرافي.
4 ميَّز سفر الأعمال بين غلاطية وفريجية: "وبَعْدَمَا اجْتَازُوا في فِرِيجِيَّةَ وكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ" (أع 16: 6).. "وبعدما صَرَفَ زَمَانًا خَرَجَ وَاجْتَازَ بالتَّتَابُعِ في كُورَةِ غَلاَطِيَّةَ وفِرِيجِيَّةَ" (أع 18: 23)، وقال المعارضون أن كلمتي "فِرِيجِيَّةَ" و"كُورَةِ غَلاَطِيَّةَ" أو العكس يمكن أن تُترجم إلى: "كورة غلاطية الفريجية"، والتي تشير إلى الجزء الذي يتضمَّن أنطاكية وأيقونية.
5 اعتاد لوقا الطبيب في تسجيله لسفر الأعمال أن يقرن أسماء المدن بالمناطق الأصلية، وحيث أن المنطقة الأصلية هي غلاطية الشمالية، إذًا عندما كان يتحدَّث عن غلاطية كان يقصد غلاطية الأصلية أي الشمالية.
6 افتخار بولس الرسول برعويته الرومانية يعكس أن الرسالة كُتِبت إلى غلاطية الشمالية حيث يعطي سكانها اهتمامًا كبيرًا لهذه الرعوية.
7 سِمات من كُتِبت إليهم الرسالة تتّفق مع سِمات سكان غلاطية الشمالية من الأمم وليسوا من اليهود، فهم قوم عصاة متكبرون كثيروا الشجار والخصام وأخلاقهم متدنية.
ومن الذين أيدوا نظرية غلاطية الشمالية:
Weuss, Davidson, Julicher, Godet and Lightfoot.
ويقول "القمص د. كامل وليم": " إن التقارب بين رسالة غلاطية ورسالتي كورنثوس من جهة، ورسالة غلاطية والرومانيين (رسالة رومية)، من جهة أخرى جعل V. Barse (عام 1972م) وتبعه F. Mussner (عام 1973م) يميل إلى اعتناق النظرية القائلة بأن الرسالة أُلفت في مقدونية في نهاية خريف سنة 57م، وهذا التاريخ يقوم في صالح النظرية القائلة بغلاطية الشمالية.
باختصار يصعب علينا أن نجزم بطريقة حاسمة بين النظريتين. ثمة شيء واحد يبدو أكيد: عند قراءة الرسالة في جملتها، يتضح لنا أن الأمر لا يدور حول مسيحي غلاطية الرومانية، أعني غلاطية الشمالية والجنوبية: كنائس المدن والكنائس الصغيرة، إنما نغمة الرسالة تتفق بطريقة أفضل مع غلاطية الشمالية فقط، وهذه النظرية هي الأكثر قبولًا في يومنا هذا"(7).
الرأي الثاني: كتب بولس الرسول الرسالة إلى غلاطية الجنوبية:
فقد أسَّس بولس الرسول كنائس عديدة في غلاطية الجنوبية في أيقونية ولسترة ودربة في رحلته الأولى، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وعاد إليها في طريق عودته ليطمئن عليها، وعاد ثانية ليفتقدها في رحلته الثانية، كما مرَّ عليها في رحلته الثالثة وهو في طريقه إلى أفسس، وقال أصحاب هذا الرأي أن الرسالة وجهها بولس الرسول للمؤمنين من أصل يهودي وهؤلاء كان يكثر وجودهم في غلاطية الجنوبية وليس الشمالية التي سكنها قبائل السليتون.
وتحدّث سفر الأعمال عن مدن غلاطية الجنوبية وذهاب بولس إليها سواء بصحبة برنابا أو بمفرده:
* " وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةِ بِيسِيدِيَّةَ وَدَخَلُوا الْمَجْمَعَ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسُوا" (أع 13: 14).
* "وحَدَثَ في إِيقُونِيَةَ أنَّهُمَا دخَلاَ معًا إِلَى مَجْمَعِ اليَهُودِ" (أع 14: 1).
* "فَهَرَبَا إلى مَدِينَتَي ليكَأُونِيَّةَ: لسْتِرَةَ ودَرْبَةَ وإِلى الكُورَةِ المُحِيطَة" (أع 14: 6).
ومن الأدلة التي اعتمد عليها أصحاب نظرية "غلاطية الجنوبية":
1 النصوص الواضحة التي تحدِّثنا عن تأسيس بولس الرسول لكنائس غلاطية الجنوبية، في الوقت الذي لا يتوفّر فيه أي نص يشير إلى تأسيس بولس الرسول إلى أية كنائس في غلاطية الشمالية.
2- وُجِّهت الرسالة إلى المؤمنين من أصل يهودي وهؤلاء سكنوا في غلاطية الجنوبية.
3 شاركت كنائس غلاطية الجنوبية في العطاء المُقدَّم لفقراء أورشليم، فقال بولس الرسول لأهل كورنثوس: "وأمَّا من جِهَةِ الجَمْعِ لأجْلِ القِدِّيسِينَ، فكما أوصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ هكَذا افعَلُوا أنْتُم أيضًا" (1كو 16: 1)، ومن الذين صحبوا بولس الرسول لتقديم هذه العطايا إلى أورشليم سكوندس وغايوس الدربي وتيموثاوس وهو من لسترة (أع 20: 4) بينما لم يذكر أي اسم شخص من غلاطية الشمالية.
4 أشار بولس الرسول في هذه الرسالة إلى برنابا كشخص معروف لدى الغلاطيين (غل 2: 1، 9، 13)، ومن المعروف أن برنابا قد شارك بولس الرسول في تأسيس كنائس غلاطية الجنوبية.
5 أشار بولس الرسول إلى معاناته الصحية: "ولكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي بضَعْفِ الجَسَدِ بَشَّرتُكُمْ في الأَوَّل" (غل 4: 13)، فيبدو أن بولس الرسول قد تعرَّض للمرض عندما كان في مستنقعات الأراضي المنخفضة في بمفيلية، ولذلك اتجه إلى غلاطية الجنوبية للاستشفاء، بينما طقس غلاطية الشمالية غير ملائم لهذا.
ومن الذين أيدوا نظرية غلاطية الجنوبية:
Renan, Hausrath, Theodor Zahn, Baljon, and Sir William Ramsay
ويقول "ماكدونل": "كانت نظرية" غلاطية الشمالية " هي المعتمدة حتى أوائل القرن الثامن عشر، وما يزال يعتنقها بعض الدارسين الألمان حتى الآن. ومع أنه لا يوجد أي إثبات على أن بولس قد خدم الغلاطيين في تلك المنطقة، فإن هذا لا ينفي هذه النظرية بشكل قاطع. أما نظرية "غلاطية الجنوبية" فقد اعتنقها كثيرون في بريطانيا العظمى وأميركا الشمالية بعدما جعلها السير وليم رامساي (Sir William Remsay) شائعة. ويخصص لوقا مكانًا واسعًا في سفر الأعمال لتبشير بولس في هذه المنطقة (أنطاكية بيسيدية، أيقونية، لسترة ودربة) لذلك يُرجَّح أن يكون بولس قد كتب للمؤمنين الذين اهتدوا على يده هناك"(8).
ويقول "ر. آلان كول" تعليقًا على (غل 2: 1): "وعندما يُذكر برنابا فليس على سبيل القطع فقد صحب بولس في الزيارتين طبقًا لما يرويه سفر الأعمال، وقد رأى البعض أن ذكر اسمه هنا وفي مكان آخَر من الرسالة دليل على أن الذين أُرسلت إليهم الرسالة استوطنوا في الغالب في الجزء الجنوبي من المقاطعة الرومانية.. وهذا بسبب أن برنابا دون شك قد صحب بولس أثناء الكرازة في هذه المنطقة (انظر أع 13: 14) في الوقت الذي لا بد أن للكرازة المقترحة في السهل الشمالي قد تمت بعد فترة طويلة تاريخيًا من الصراع الذي حدث بين برنابا وبولس"(9).
والنتيجة النهائية هي الإجابة بحذر، والاحتمال الأكبر أن الرسالة كُتِبَت لكنائس غلاطية الجنوبية، وليس هناك ما يمنع أن الرسالة وُجّهت لكل سكان غلاطية جنوبًا وشمالًا، وما يهمنا بالأكثر أن هذه الرسالة هي سفر من الأسفار القانونية المقدَّسة، كُتِبت بالوحي الإلهي، نافعة للجميع في كل زمان ومكان.
تاريخ كتابة الرسالة غير معروف على وجه التحديد، فلو أخذنا بنظرية "غلاطية الجنوبية" فهذا يعني أنها كُتِبت لهم بعد الرحلة التبشيرية الأولى، وقبل أو بعد الرحلة الثانية بوقت وجيز، وقبل انعقاد مجمع أورشليم، أي أنها كُتبت في وقت مُبكّر نحو 48-49 م.، أما لو أخذنا بنظرية "غلاطية الشمالية" فهذا يعني أنها كُتِبت في وقت متأخر خلال الرحلة التبشيرية الثالثة، بعد مجمع أورشليم نحو سنة 52-58 م. (راجع دائرة المعارف الكتابية ج5 ص 417، وماكدونل - الرسالة إلى أهل غلاطية ص 968، وصموئيل مايكوسكي - منشورات النفير - تفسير الكتاب المقدَّس ج6 ص 203). والاحتمال الأكبر أن رسالة غلاطية قد كُتبت خلال الفترة من 55 إلى 58م عقب المجاعة التي حلَّت بأورشليم.
أما المكان الذي كُتِبَت فيه الرسالة فهناك احتمالان:
الاحتمال الأول: عند مقابلة ما جاء في (أع 18: 19-23) مع ما جاء في (أع 19: 1) يتضح أن الرسالة كُتبت من أفسس.
الاحتمال الثاني: عند مقابلة ما جاء في (أع 19: 21، 22) مع ما جاء في (1كو 16: 5) يتضح أن الرسالة كُتِبَت من كورنثوس مع رسالة رومية، وهذا يُفسّر لنا التشابه الكبير بين رسالتي غلاطية ورومية في الحديث عن التبرير بالإيمان، حتى أن البعض اعتبر رسالة غلاطية تمثل موجزًا لرسالة رومية، ورسالة رومية تُعدّ تفصيلًا لرسالة غلاطية، فالاحتمال الغالب أن الرسالة كُتبت في مدينة كورنثوس.
قانونية الرسالة: قبلت الكنيسة الأولى رسالة غلاطية ضمن الأسفار القانونية للعهد الجديد، ولم يعترض أحد قديمًا على قانونيتها ولا على نسبتها لبولس الرسول، حتى أن ماركيون الذي رفض العديد من رسائل العهد الجديد قَبِل هذه الرسالة، أما المدرسة الألمانية سنة 1882م فقد شكَّكت في قانونية الرسالة، ومن الذين شكَّكوا في قانونية الرسالةBruno Bauer، ولومان Loman، وفان Van، وفريدريك Friedrich، والذين شكَّكوا في الرسالة قالوا أنه من المستبعد حدوث خلاف بين اليهودية والمسيحية في هذا الوقت المُبكّر من انتشار المسيحية، ولكن من الثابت تاريخيًا انتشار حركة التهود في منتصف القرن الأول الميلادي وبسببها انعقد مجمع أورشليم، وقلّت حدة الحركة في القرن الثاني الميلادي.
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "الرسالة إلى غلاطية هي أكثر الرسائل حيوية وأشدها حماسًا في المجموعة البولسية.. استعملها أكليمنضس الروماني في نهاية القرن الأول المسيحي، وأغناطيوس الأنطاكي في بداية القرن الثاني، ثم رسالة برنابا والرسالة إلى ديوغنيت، والقديس يوستينوس. وجعلها مركيون في رأس كل الرسائل بعد أن نقَّح نصوصها في خط هجومه على العهد القديم.
الرسالة إلى غلاطية رسالة قصيرة، ولكنها تحتل مكانة هامة بين الرسائل البوليسية، فهي تساعدنا على تحديد مراحل حياة القديس بولس في خطوطها الكبرى. وفي هذه الرسالة، يقدّم لنا القديس بولس إنجيله المركَّز على صليب الرب يسوع.. في هذه الرسالة يدافع بولس بقوة عن حرية المسيحي بوجه الشريعة اليهودية.. لا مجال للمساومة، فالخلاص يتم فقط بواسطة المسيح، واليهودي والوثني هما سواسية في هذا المجال.. هذه الرسالة كُتبت في حمَّى الجدالات، قد حملت إلينا التفاسير العديدة"(10).
ومن الأدلة الخارجية على قانونية رسالة غلاطية:
1 اقتبس منها آباء الكنيسة الأوَّل مثل القديس بوليكاربوس (قارن بوليكاربوس 303 مع غل 4: 26، 5: 3 مع غل 5: 17، 5: 1 مع غل 6: 7)، والقديس أغناطيوس (قارن رسالة القديس أغناطيوس إلى فيلادلفيا 1: 1 مع غل 1: 1)، واقتبس منها الشهيد يوستينوس (قارن الحوار 90، 95، 96 مع ما جاء بالرسالة)، والقديس أكليمنضس السكندري (ستروما 3: 16)، وترك العلامة أوريجانوس خمسة عشر كتابًا في شرح رسالة غلاطية، ومار إفرام السرياني الذي توفي سنة 378م شرح هذه الرسالة، وكذلك يوسابيوس الذي توفي سنة 359م، والقديس أُغسطينوس أيضًا شرح الرسالة سنة 394م، وشرحها أيضًا القديس يوحنا ذهبي الفم الذي توفي سنة 407م، وهيلاري، وجيروم.. إلخ.
2 جاء اسم الرسالة في وثيقة موراتوري Muratore، وجاءت ضمن الترجمات القديمة للعهد الجديد.
ومن الأدلة الداخلية على قانونية الرسالة:
1 يظهر من الرسالة أن الكاتب عالِم تمامًا باليهودية واللاهوت العبري، وهذا ما يميّز بولس الرسول.
2 هناك تشابه بين رسالة غلاطية وبقيَّة رسائل بولس الرسول من جهة الأفكار والأسلوب والمفردات، وهذا واضح من الجدول الآتي:
رسالة رومية |
رسالة كورنثوس |
رسالة غلاطية |
ملاحظات |
اسم "إبراهيم" ورد 9 مرات |
ورد في 2كو مرة واحد |
ورد 9 مرات |
لم يرد في بقية الرسائل |
"غلفة" وردت 3 مرات |
وردت في 1كو مرتان |
وردت 3 مرات |
وردت 3 مرات في بقيّة الرسائل |
"يتبرر" وردت 15 مرة |
وردت في 1كو مرتان |
وردت 3 مرات |
وردت مرتين في بقيّة الرسائل |
"يبطل" وردت 6 مرات |
وردت في 1كو 9 مرات |
وردت 3 مرات |
وردت 4 مرات في بقيّة الرسائل |
"نسل" وردت 9 مرات |
وردت في 1كو مرة واحدة |
وردت 5 مرات |
وردت مرة واحدة في بقيّة الرسائل |
"ناموس" وردت 76 مرة |
وردة في 1كو 8 مرات |
وردت 32 مرة |
وردت 6 مرات في بقيّة الرسائل |
(راجع د. موريس تاوضروس - المدخل إلى العهد الجديد ص 115).
أسَّس بولس الرسول مع برنابا رفيقه كنائس غلاطية الجنوبية في الرحلة التبشيرية الأولى، في أيقونية ولسترة، ودربة، فقبلوا الإنجيل بسرور عظيم وأظهر الغلاطيون محبة شديدة نحو أبيهم الروحي ومرشدهم ومعلمهم (غل 4: 14، 15)، وعندما عادوا إلى أنطاكية لاحظ بعض المؤمنين من خلفية يهودية متشددة أن بولس الرسول يخفف العبء عن ثاقل الأمم المقبلين على الإيمان، فلا يُلزِمهم بالناموس الموسوي، فاعترضوا عليه بشدة منادين بأنه يجب أن يختتن هؤلاء ويحفظوا مطالب الناموس ثم يدخلون للإيمان المسيحي، أما بولس فواجههم ولم ينقاد إليهم، فذهبوا إلى منطقة غلاطية وسجَّسوا المؤمنين هناك مشكّكين إياهم في إرسالية بولس الرسول وفي كرازته، أما هو فقد انبرى لهم يحاربهم بسيف الكلمة موضحًا أن مثل هؤلاء يبحثون عن مجد ذواتهم وليس عن مجد المسيح، وقال للغلاطيين إن هؤلاء يريدونكم أن تختتنوا ليفتخروا بأنهم نفّذوا ما يريدون (غل 6: 13). فما كان من الممكن أن يصمت الخادم الأمين والراعي اليقظ ويترك تلك الوحوش الكاسرة.
ويقول "الأب متى المسكين": "وسهل على القارئ أن يستقرئ من هذه النصوص المختارة، إلى مدى ما كان يُحسُّه القديس بولس من خطورة على إيمان الكنيسة وسلامة عقيدتها، وليس عسيرًا أيضًا أن نشعر فيه بغضبه وحزنه وبالأكثر غيرته ومرارة سخطه.. حتى يظهر وكأن القديس بولس سيُسأل عن غلاطية يوم الدين ويقدّم حسابًا عن إيمانهم وأعمالهم!
يا لهذا الكارز اليقظ على رعيته، بل يا للأسد الذي لا يغفل عن عرينه وأشباله. أليس لأن الإيمان المسيحي عند القديس بولس كان هو الحياة بعينها، فكيف إذًا يرى من سقاهم روح اللَّه وقد كانوا عظامًا ميتة فقاموا وعاشوا، وهوذا الآن وحش رديء جاء يريد أن يخطف أرواحهم منهم، فكيف لا يتحفّز وينبري للدفاع. وقد صحَّ فيه قوله عن نفسه: "مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لاَ أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟"(2كو 11: 29)"(11).
إن هؤلاء المتعصبين أرادوا أن يلزموا الأمم بالختان وحفظ السبت والأعياد والمواسم (غل 4: 10)، ولم يكتفوا بهذا بل هاجموا بولس الرسول الذي لم يوافقهم الرأي وطعنوا في رسوليته، بحجة أنه لم يكن من الاثني عشر تلميذًا، وادَّعوا أن الكنيسة الأم في أورشليم بقيادة بطرس الرسول يقفون إلى جوارهم ويؤيدونهم، بل أنهم اتهموا بولس الرسول بالتلوُّن، فأنه يحفظ الناموس عندما يكون بين اليهود، في الوقت الذي يُعلِم فيه الأمم عدم جدوى الناموس، ولهذا رد عليهم بولس الرسول قائلًا: "وأمَّا أنا أيُّها الإِخوَةُ فَإِن كُنتُ بعْدُ أَكرِزُ بِالخِتَانِ، فَلِمَاذَا أُضْطَهَدُ بَعْدُ؟!" (غل 5: 11). ونستطيع أن تقول أن بولس الرسول واجه مجموعتين متناقضتين، وكل منهما يكيل له الاتهامات الكاذبة:
المجموعة الأولى: شكَّكت في رسولية بولس الرسول، وقالوا أن إيمانه يختلف عما نادى به الرب يسوع والتلاميذ، لأنه لم يكن معهم منذ البداية وأضفى هؤلاء على الآباء الرسل هالة عظيمة من المجد والتقديس، ليس بهدف تمجيدهم، بل بهدف الحط من قدر بولس، وقالوا إن كان كبار الرسل بطرس ويعقوب ويوحنا لم يمنعوا الختان ولا حفظ الناموس، فمن هو بولس حتى يسير بخلاف هذا. ثم أن شرط الرسولية الذي توفّر في متياس الرسول لا ينطبق على بولس.. ألم يقل الرسل: "فَيَنْبَغِي أنَّ الرِّجالَ الذين اجتَمَعُوا معنا كُلَّ الزَّمان الذي فيه دَخَل إلينا الرَّبُّ يَسُوعُ وخَرَجَ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إلى اليوم الذي ارتَفَعَ فيه عَنَّا، يَصِيرُ واحِدٌ منْهُمْ شاهدًا معَنَا بقِيامَتِهِ" (أع 1: 21، 22)، بل أن بولس الرسول قد اضطهد الكنيسة بإفراط، فمن أين أتته الرسولية؟! وعلى هؤلاء رد بولس الرسول موضحًا بأن اللَّه الآب قد أفرزه واختاره من بطن أمه (غل 1: 15) وقد دعاه للخدمة، والابن أشرق عليه بنوره وهو على أبواب دمشق وأرسله للخدمة، والروح القدس أيده، فهو مُختار ورسول من الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس الإله الواحد.
وأكد بولس الرسول أن الإنجيل الذي يُبشر به لم يأخذه من إنسان بل بإعلان من الرب يسوع، ولهذا لم يهتم على الإطلاق بإرضاء الناس على حساب الإنجيل: "أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللَّه؟ أم أَطلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فلوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ، لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ. وأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخوَةُ الإِنجِيلَ الذي بَشَّرْتُ به، أَنَّهُ ليس بحَسَبِ إِنسَانٍ. لأَنِّي لمْ أقبَلْهُ منْ عند إِنْسَانٍ ولا عُلِّمْتُهُ. بل بإِعلان يَسُوعَ المَسِيحِ" (غل 1: 10 - 12)، (راجع أيضًا غل 1: 15-17، 3: 1-5، 9-11، 17).
ويجب ملاحظة أن الرسل في بداية الكرازة في أورشليم كانوا يمارسون عباداتهم وصلواتهم في الهيكل: "وكَانُوا كُلَّ يَوم يُواظِبُونَ في الهَيْكَلِ بنَفْسٍ واحدة" (أع 2: 46) (أيضًا أع 3: 1)، ولم يمنع الآباء الرسل اليهود الذين آمنوا عن تتميم عملية الختان، ويقول "الأب متى المسكين": "واللَّه لم يستعجل أن يفطمهم عن الناموس، بل تركهم إلى حين وبدأ من اتجاه آخِر يعد لإلغاء الناموس وأعماله. وهنا السر الذي يريد القديس بولس أن يكشفه من أول الرسالة أنه ليس مُرسلًا من الناس أي من الرسل. لأننا نعلم أن القديس بولس تعيَّن من المسيح رأسًا ليكون رسولًا للأمم على أساس" الإيمان بالمسيح " فقط دون ممارسة للناموس أو أعمال الناموس أو طقوس اليهود وعوايدهم"(12).
المجموعة الثانية: جاءت بالنقيض إذ أذاعت أن بولس الرسول الذي يمنع الختان ويقاوم الناموس في غلاطية، هو نفسه ينادي بالختان وحفظ مطالب الناموس في أماكن أخرى، ونادوا بهذا بقصد أن يفقد الغلاطيون الثقة فيه، فردَّ عليهم بولس الرسول قائلًا: "فإنِّي إن كُنْتُ أبني أيضًا هذا الذي قد هَدَمْتُهُ فإِنِّي أُظْهِرُ نَفْسِي مُتَعَدِّيًا" (غل 2: 18).. "وأمَّا أنا أَيُّهَا الإِخوةُ فإن كُنْتُ بعد أَكْرِزُ بِالخِتَانِ فَلِمَاذَا أُضطَهَدُ بعد؟!" (غل 5: 11).
وهكذا هُوجِم بولس الرسول من هاتين المجموعتين المتناقضتين، أحدهما تتهمه بأن يهدم ويحطّم ناموس اللَّه، والأخرى تتهمه بأن يكرز بعكس ما يعتقد إذ أنه يحفظ مطالب الناموس، وربما كانوا يستدلون على ذلك بختنه لتيموثاوس، وبين هؤلاء وأولئك كاد الإيمان المستقيم أن يُفقَد في غلاطية، وتصير المسيحية شيعة من الشيع اليهودية. أما بولس الرسول فقد سما فوق هؤلاء وأولئك متمسكًا بالإيمان المستقيم، باذلًا كل رخيص ونفيس في سبيل الحفاظ عليه.
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "الهدف: الخطر الرئيسي في كنائس غلاطية هو دعاية المتهودين، ولهذا كرَّس القسم الأكبر من الرسالة لمجابهة هذا الخطر.
أين وُلِدَ هذا الخطر؟ بين الذين يختتنون؟ ربما. نحن هنا لا أمام يهودًا ارتدوا أو ظلوا على يهوديتهم أو لبثوا متعلقين بالشريعة تعلقًا تامًا. بل أمام وثنيين مرتدين: اكتشفوا الشريعة فاعتقدوا أنها تفرض نفسها عليهم.. ماذا كانوا يقولون؟ كانوا يقولون كلامًا يُنكر الطابع الصحيح للإنجيل الذي يكرز به بولس، ويعتبرون أن الرسول هو على خلاف مع كنيسة أورشليم. كما كانوا يشددون على ضرورة ممارسة الشريعة كلها، أو أقله الختان من أجل الخلاص. إن هذه التعاليم المتهوّدة قد استبعدت في "مجمع" أورشليم.. نحن هنا أمام انقلاب أساسي فيما يخص الإنجيل. إن الغلاطيين يستعدون للانتقال "إِلَى إِنْجِيل آخَرَ" (غل 1: 6)، ومعلّموهم الجدد "يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ" (غل 1: 7)"(13).
سِمات الرسالة: من سِمات رسالة غلاطية التي تميَّزت بها ما يأتي:
1 هي الرسالة الوحيدة التي أرسلها بولس الرسول إلى مقاطعة كبيرة، فلم يرسلها لمدينة بعينها ولا شخص بعينه ولا لشعب معين مثل بقيّة رسائله، إنما أرسلها إلى مقاطعة غلاطية التي ضمّت عدّة كنائس في عدّة مدن.
2 خلت الرسالة من المقدمة التي تتسم بالشكر، واكتفى بولس الرسول بالسلام، ولم يصف الذين أُرسِلت إليهم الرسالة بأنهم قديسين أو مقدسين في المسيح يسوع، ولم يمتدحهم على فضائلهم، ولم يشكر اللَّه على عمله فيهم أو من أجلهم، ولم يذكر اسم أحد منهم، ولا اسم كنيسة من كنائسهم، ولم يحدثهم عن الأمور السمائية والأسرار الإلهيَّة وفرح القلب مثلما خاطب أهل أفسس أو أهل فيلبي، أو أهل كولوسي.. إلخ، ولم يطلب بولس الرسول صلواتهم عنه. فقد تميَّزت الرسالة بالصراحة والحزم والحدة والنبرة المرتفعة، وهذه الرسالة الملتهبة عكست مشاعر بولس الرسول تجاه أولاده الذين يجوزون في خطر البُعد عن الطريق المستقيم.
3 استخدم بولس الرسول الأسئلة البلاغية، مثل الأسئلة الاستنكارية ليوقظ قلوبهم وعقولهم وضمائرهم:
* "مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟" (غل 3: 1).
* "أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟" (غل 3: 2).
* "أهكذا أَنْتُمْ أَغبِيَاءُ! أبعدما ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟" (غل 3: 3).
* "فالَّذي يَمْنَحُكُمُ الرُّوح، ويَعْمَلُ قُوَّات فيكُم، أبأعمالِ النَّامُوس أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟" (غل 3: 5).
* "فَهل النَّامُوسُ ضِدُّ مَوَاعِيدِ اللَّهِ؟" (غل 3: 21).
* "فَمَاذَا كَانَ إِذًا تَطْوِيبُكُمْ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي" (غل 4: 15).
* " أَفَقَدْ صِرْتُ إِذًا عَدُوًّا لَكُمْ لأَنِّي أَصْدُقُ لَكُمْ؟" (غل 4: 16).
ويقول "القمص د. كامل وليم" عن هذه الرسالة: "إن الفكرة فيها مُلتهبة لدرجة أنها تسبق الكلمات التي تُعبّر عنها، وطبقًا للمناسبة يستخدم بولس كافة الأنواع الأدبية دون تصميم مُسبَق، طبقًا للظروف والحاجة. يخلط بولس ذكرياته، وسيرته الشخصية، مع التنبيهات الشديدة اللهجة، مع الابتهالات والنداءات الحارة التي تختفي وراءها عاطفته الملتهبة تجاه الذين يخاطبهم. أنه رسول قد كرَّس ذاته كلية لرسالته.. لذا فهو يكرّس طاقته بأكملها للانتصار على مقاومة معارضيه أي معارضي حقيقة الإنجيل. ومن وقت لآخَر يدمج براهين وأدلة كتابية، وهكذا يرينا كيف كان يمارس تفسير العهد القديم بالمجاز. إنما جملة الرسالة وإن تنوَّعت فيها الأساليب الأدبية إلاَّ أنها من قبيل الرسالة الرعوية"(14).
4 أوضحت هذه الرسالة أن المسيحية ليست شيعة من الشيع اليهودية، فاليهود يتمسّكون بالناموس بالإضافة لإيمانهم المسيحي، أما المسيحيون فأنهم يتمسّكون بإيمانهم بالمسيح وحسب، وقد ركزت هذه الرسالة على التبرير بالإيمان دون الاحتياج لتنفيذ مطالب الناموس، فالرسالة تُعبّر عن الحرية المسيحية والتحرُّر من عبودية الناموس، فتقدَّم السيد المسيح حاملًا خطايانا (غل 1: 4)، وقد افتدانا من لعنة الناموس (غل 2: 13)، ووهبنا التبني (غل 4: 5)، وهو الذي ينقذنا من هذا العالم الحاضر الشرير (غل 1: 14)، وهو الذي يقدِّسنا ويبررنا (غل 2: 16، 3: 24).
5- حملت الرسالة جانبًا تاريخيًا عن حياة بولس الرسول قبل إيمانه وبعد إيمانه بالسيد المسيح، والذي سبق واضطهد كنيسة اللَّه بإفراط، صار مؤتمنًا على الكرازة بالإنجيل تمامًا مثل بطرس الرسول، فإن كان بطرس الرسول قد أؤتمن على إنجيل الختان أي الكرازة لليهود، فإن بولس الرسول أؤتمن على إنجيل الغرلة أي الكرازة للأمم.
ويقول العالِم "جوثري": "إنه لو جمعنا البيانات الذي ذكرها بولس الرسول في هذه الرسالة عن نفسه، لخرجنا بصورة كاملة وفريدة عن بولس الرسول، مع تسجيل بجميع طرائقه وأسلوبه في الحديث والعمل وهو يكشف مشاعره وانفعالاته النفسية المحصورة والمتأثرة بكرامة الإنجيل وقداسة الصوت الذي دعاه من السماء، ولكن وبصورة ممتازة للغاية تُظهر هذه الرسالة مدى تغلغل الحرية والتحرر في نفسية ق. بولس وتفكيره ومبادئه بل ولاهوته، فقد حرَّره الابن وصار بالحقيقة حرًّا، ولكن هذا الحر المتحرَّر حقًا لا يرى نفسه إلاَّ عبدًا ليسوع المسيح"(15).
ومن الموضوعات التي ركّزت عليها رسالة غلاطية:
1 الناموس: كشف الناموس للإنسان عن ضعفاته وخطاياه دون أن يبرَّره، فشعر الإنسان بمدى احتياجه للفادي الذي يبرَّره ويفديه من لعنة الناموس:
* "لأَنَّ جَمِيعَ الذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ" (غل 3: 10).
* "النَّامُوسَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ.. المَسِيحُ افتَدَانَا منْ لَعنَة النَّامُوسِ" (غل 3: 12، 13).
* "فَلِمَاذَا النَّامُوسُ قَدْ زِيدَ بِسَبَبِ التَّعَديَاتِ" (غل 3: 19).
* "لأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نَامُوسٌ قَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ، لَكَانَ بِالْحَقِيقَةِ الْبِرُّ بِالنَّامُوسِ" (غل 3: 21).
* "كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى المَسِيحِ، لِكَي نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ" (غل 3: 24).
* "أرسلَ اللَّهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا.. لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ (غل 4: 4، 5).
* "أَيُّهَا الَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِالنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ" (غل 5: 4).
* " لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" (غل 5: 14).
2 الختان: فقد أكد بولس الرسول بأنه لم يعد هناك أي احتياج للختان:
* "هَا أَنَا بُولُسُ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ إِنِ اخْتَتَنْتُمْ لاَ يَنْفَعُكُمُ الْمَسِيحُ شَيْئًا" (غل 5: 2).
* "لكِنْ أَشْهَدُ أَيْضًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ مُخْتَتِنٍ أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ أَنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ النَّامُوسِ" (غل 5: 3).
* "فَإِنْ كُنْتُ بَعْدُ أَكْرِزُ بِالْخِتَانِ، فَلِمَاذَا أُضْطَهَدُ بَعْد" (غل5: 11).
* "لأَنَّ الَّذِينَ يَخْتَتِنُونَ هُمْ لاَ يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ. بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا أَنْتُمْ لِكَيْ يَفْتَخِرُوا فِي جَسَدِكُمْ" (غل 6: 13).
3 العبودية : من الكلمات التي ركز عليها بولس الرسول في رسالته هذه:
* " بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الكَذَبَةِ.. لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا التي لنا في المَسِيحِ كي يَستَعبِدُونا" (غل 2: 4).
* "هكَذَا نَحْنُ أيضًا لمَّا كُنَّا قاصرِينَ كُنَّا مُسْتَعْبَدِينَ تحتَ أركان العالم" (غل 4: 3).
* "فَكَيف تَرْجِعُونَ أيضًا إلى الأركَانِ الضَّعِيفَةِ الفَقِيرة الَّتي تُرِيدُونَ أَن تُسْتَعْبَدُوا لها منْ جَدِيدٍ" (غل 4: 9).
* "هاتَين هُمَا العَهدانِ أحدُهُما من جَبَلِ سِينَاءَ الوالِدُ لِلعُبُودِيَّةِ.. أُورُشَلِيم الحَاضِرَةَ فَإِنَّهَا مستَعبَدَةٌ مع بنِيها" (غل 4: 24، 25).
4 الإنجيل: ووردت كلمة الإنجيل في هذه الرسالة نحو 7 مرات:
* "الإِنْجِيلَ الذي بَشَّرت به أَنَّهُ ليس بِحَسَبِ إنسانٍ. لأَنِّي لم أَقْبَلْهُ من عند إنسانٍ ولا عُلِّمْتُهُ" (غل 1: 11، 12).
* "أَنِّي اؤْتُمِنْتُ على إنجيل الغُرلَة كما بُطْرُسُ على إنجِيلِ الخِتَانِ" (غل 2: 7).
* "إنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنتَقِلُون.. إلى إنجِيل آخَر.. يُوجدُ قَومٌ يُزْعِجُونَكُمْ ويُرِيدُونَ أن يُحَوِّلُوا إنجِيل المَسِيحِ" (غل 1: 6، 7).
5 الإيمان: ركّز بولس الرسول على التبرير بالإيمان، حتى أن كلمة الإيمان وردت في الرسالة نحو 24 مرة:
* "الذي بذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا لِيُنْقِذَنَا مِنَ العَالَمِ الحَاضرِ الشِّرِّيرِ" (غل 1: 4).
* "بِإِيمَانِ يَسُوعَ المَسِيحِ آمَنَّا نَحْنُ أَيضًا بِيَسُوعَ المَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ" (غل 2: 16).
* "مَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَد،ِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ إِيمَانِ ابْنِ اللَّهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وأسْلَمَ نَفْسَهُ لأجلِي " (غل 2: 20).
* "لأَنَّ الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا" (غل 3: 11).
* "لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الغُرلَةُ، بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ" (غل 5: 6).
والإيمان ثمرة من ثمار الروح القدس (غل 5: 22).
6 النعمة : نعمة اللَّه من الموضوعات الرئيسية في رسالة غلاطية:
* "نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللَّهِ الآبِ، ومِنْ ربِّنا يَسُوعَ المَسِيحِ" (غل 1: 3).
* "الذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ المَسِيحِ إِلَى إِنْجِيل آخَرَ" (غل 1: 6).
* "الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعمَتِهِ" (غل 1: 15).
* "فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ المُعْطَاةِ لي يَعْقُوبُ وصفا ويوحنا" (غل 2: 9).
* "لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللَّهِ" (غل 2: 21).
* "سَقَطْتُمْ مِنَ النِّعْمَةِ" (غل 5: 4).
* "نِعْمَةُ رَبِّنا يَسوعَ المَسِيحِ مع رُوحِكُمْ أيُّها الإِخوَة" (غل 6: 18).
7 الحرية : ركز بولس الرسول في هذه الرسالة على مفهوم الحرية المسيحية:
* " فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا " ( غل 5: 1 ).
* " فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلجَسَدِ " ( غل 5: 13 ).
8 الصليب: وردت كلمة الصليب في الرسالة 7 مرات، وقد ركّز بولس الرسول في رسالته هذه على صليب ربنا يسوع، حتى أن الآية المحورية للرسالة هي التي يفتخر فيها بولس الرسول بالصليب (غل 6: 14):
* " مع المَسِيحِ صُلِبْتُ" (غل 2: 20).
* " أمام عُيُونِكُمْ قد رُسِمَ يَسُوعُ المَسِيحُ بَينَكُم مَصْلُوبًا" (غل 3: 1).
* " إذ صَارَ لَعْنَةً لأجلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَن عُلِّق عَلَى خَشَبَةٍ" (غل 3: 13).
* " إذًا عَثْرَةُ الصَّلِيبِ قَد بَطَلَتْ" (غل 5: 11).
* " الذين هُمْ للمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الجَسَدَ مع الأهواء والشَّهَوَات" (غل 5: 24).
* "لئَلاَّ يُضْطَهَدُوا لأجل صَلِيبِ المَسِيحِ فقط " (غل 6: 12).
* "حاشا لي أن أَفتَخِرَ إلاَّ بصَلِيبِ ربِّنا يَسُوع المَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ العَالم لِي" (غل 6: 14).
9 الروح القدس: جاء ذكر الروح القدس في الرسالة 16 مرة، وقد ركّز بولس الرسول على عمل الروح القدس في الحياة العملية والسلوك، فالروح القدس هو الذي يهبنا الإيمان الصحيح، ويحررنا من عبودية الرغبات الشريرة وأعمال الجسد، وهو الذي يرشدنا ويقودنا في طريق الملكوت، ويهبنا القوة لمواصلة المسيرة تجاه الملكوت، وينعش قلوبنا بثماره المُفرحة.
ومن الأمور المتقابلة أو المتضادة في الرسالة:
1 الإنجيل الآخَر وإنجيل المسيح (غل 1: 6، 7).
2 إرضاء الناس وإرضاء اللَّه (غل 1: 10).
3 الإيمان وأعمال الناموس (غل 2: 16).
4 النعمة والناموس (غل 2: 21).
5 الأغبياء والإخوة (غل 3: 1، 3: 15)، (غل 3: 3، 4: 12).
6 العبد والابن (غل 4: 1 - 3).
7 إسماعيل كإشارة للعهد القديم، وإسحق كإشارة للعهد الجديد (غل 4 : 22-31).
8 شهوة الجسد وشهوة الروح (غل 5: 16، 17).
9 أعمال الجسد وثمر الروح (غل 5: 19-23).
10 الصليب والعالم (غل 6: 14).
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "إذا كانت الدعاية المتهودة الخطر الرئيسي الذي يهدد هذه الكنائس، فقد كانت هناك أخطار أخرى هي الاتجاه التسامحي والتساهلي: هناك مَن يكتفي بالختان فيعتبر أنه أتم الشريعة، ولكن هناك مَن يطالب بحرية لا يقيدها شيء.
وهناك معطية أخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار: التشابه الوثيق بين غلاطية من جهة ورومية وبعض نصوص كورنثوس الأولى وكورنثوس الثانية من جهة ثانية.. فالتقارب بين هذه الرسائل يساعدنا على فهم وضع كنائس تعيش في عالم وثني ساعة دُوّنت هذه الرسائل. فمن روما إلى آسيا الصغرى، كانت المشاكل هي هي، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وحملت الدعاية المتهودة إلى الغلاطيين خطرًا يهدد إيمانهم. أما في كورنثوس فالخطر الرئيسي نبع من الاتجاهات الغنوسية، وفي رومية كانت الأخطار من المحيط المتهوّد ومن العالم الوثني بتياراته الغنوسية، ولهذا نحن نجد في نصوص رومية تارة انعكاسًا لما في غلاطية وطورًا لما في الرسالتين إلى أهل كورنثوس.
تيارات مختلفة، تيارات متضاربة. هذا ما عرفته الكنيسة الأولى، ومنها كنيسة غلاطية. هذا ما هدد الإيمان المسيحي. هذه التيارات ستولد هرطقات ستنمو في نهاية القرن الأول وخلال القرن الثاني. كل هذا عاشه أهل غلاطية الذين كتب إليهم بولس. هل سيظلون في إطار التعليم الذي حمله إليهم بولس؟ أم ستجذبهم دعاية يهودية كانت تستعد لثورة على روما ستنتهي بدمار أورشليم سنة 70م؟ هل يكونون أحرارًا بعد أن حررهم المسيح، أم يعودون إلى عبودية (غل 5: 1) تنتهي بهم إلى إطار شهوات الجسد (غل 5: 13)"(16).
تنقسم رسالة غلاطية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول تاريخي، والثاني تعليمي، والثالث عملي:
القسم الأول: تاريخي شخصي (ص 1، 2): ويتناول حياة بولس الرسول، ويشمل:
1 رسول من اللَّه (غل 1: 1 - 5).
2- محروم من يحوّر الإنجيل (غل 1: 6 - 10).
3- المُضطهد صار مُبشّرًا (غل 1: 11 - 17).
4- تعرُّف بولس ببطرس (غل 1: 18 - 24).
1- إنجيل بولس (غل 2: 1 - 5).
2- يمين الشركة (غل 2: 6-10).
3- بولس يقاوم بطرس (غل 2: 11-14).
4- التبرير بالإيمان (غل 2: 15-21).
القسم الثاني: قسم تعليمي ويشمل:
1- توبيخ الغلاطيين (غل 3: 1-5).
2- في إبراهيم تتبارك الأمم ( غل 3: 6-9).
3- المسيح افتدانا من لعنة الناموس (غل 3: 10-14).
4- الناموس لم ينسخ عهد إبراهيم (غل 3: 15-18).
5- أهمية الناموس وهدفه (غل 3: 19-29).
1- ملء الزمان (غل 4: 1-7).
2- الأركان الضعيفة (غل 4: 8 - 11).
3- تذكير الغلاطيين بمحبتهم الأولى (غل 4: 12 - 20).
4- التفسير الرمزي لزوجتي إبراهيم (غل 4: 21 - 31).
1- التبرير بالإيمان العامل بالمحبة (غل 5: 1 - 12).
2- الحرية العملية (غل 5: 13-15).
3- أعمال الجسد وثمار الروح (غل 5: 16 - 26).
1- ناموس المسيح (غل 6: 1-5).
2- عمل الخير (غل 6: 6 - 10).
3- ختام الرسالة (غل 6: 11 - 18).
← تفاسير أصحاحات غلاطية: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6
_____
(1) شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 30
(2) دائرة المعارف الكتابية ج5 ص 415
(3) شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 30
(4) شرح الرسالة إلى غلاطية والرسالة إلى أفسس للقديس يوحنا الذهبي الفم ص 15
(5) شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 33
(6) الأفكار الرئيسية للعظات الكتابية ج9 - الرسالة إلى أهل غلاطية ص 1
(7) دراسات في العهد الجديد (1) بولس ورسائله ص 100
(8) الرسالة إلى أهل غلاطية ص 968
(9) ترجمة ألفي فاضل - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - الرسالة إلى غلاطية ص 58
(10) رسالة القديس بولس إلى أهل غلاطية ص 5، 6
(11) شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 20، 21
(12) شرح رسالة القدس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 67
(13) رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 39، 40
(14) دراسات في العهد الجديد (1) بولس ورسائله ص 104، 105
(15) أورده الأب متى المسكين - شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية ص 11
(16) رسالة القديس بولس إلى أهل غلاطية ص 18، 19
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/helmy-elkomos/galatians/introduction.html
تقصير الرابط:
tak.la/a75g5r3