"بولس أسير يسوع المسيح (بكلمة أسير بدل رسول يثير بها مشاعر فليمون وبقمة مشاعر الحب يشترك مع أنسيموس فيما يأنف الناس منه أى كما أنه أجير أو عبد، بولس أيضًا أسير...) وتيموثاوس الأخ إلى فليمون المحب والعامل معنا (رجل غنى يساعده في الخدمة وفتح بيته كنيسة... صار فيما بعد أسقف كولوسى) وإلى أبفية (الأخت) المحبوبة (زوجته) وأرخبُّس المتجند معنا (ابنه صار فيما بعد قسًا) وإلى الكنيسة التي في بيتك: نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح" (فل 1: 1، 2).
ملاحظة: بدأ رسالته: "نعمه لكم"، وختم رسالته "نعمة ربنا يسوع المسيح مع روحكم" (فل 1: 25)
وبنعمة ربنا نلخص موضوع النعمة في أربع نقاط، وهم:
النعمة هي أغنية العهد الجديد: أغنية سمائية... للفئات الروحانية... في التحيات اليومية... تتجلى في الأديرة الرهبانية... هكذا نرى ونسمع في اللقاءات دائمًا يُقال " سلام " ويرد الطرف الآخر " سلام ونعمة " وفي الإنصراف أيضًا بل وفي أغلب الأحاديث ينتظرون بشوق زيارات النعمة سواء زيارات خاصة أو جماعية أو في التسبحات والقداسات الصباحية أوالمسائية.
* النعمة هي هبة مجانية أعظم من كل البنوك الأرضية، تدخل إليها في أى وقت ولكن بأوراق رسمية، أى بجهادات وأتعاب وتنسكات تكون لدى الآب مرضية، بل أتجاسر وأكتب بحروف مخفية إن محبة الآب لمن إقتناهم بدم ابنه للبنوية يهبهم نعمة تسندهم حتى في عنادهم وجحودهم، وبالروح القدس ينمو بهم حتى يُنهضهم ويرجع بهم لأحضانه الأبوية.
مثلما فعل بشاول الطرسوسى. لقد نشأ وتربى بين معلمى الناموس، فزُرع فيه غيرة ومحبة، ولكن بسبب ما أحاط به من تعصب وجفاء روحى تركه يحرس ملابس الحاقدين الراجمين لصديقه وحبيبه الذي من سنه ونفس جيله إستفانوس (أع 7: 58) وكانت النعمة تحرسه ومُنح له فرصة ليقتل المؤمنين بالمسيح ويجرهم للسجن، ولكن النعمة كانت تقوده حتى وقع على وجهه وفاق من غفلته، وقال للرب في سره: كُنت غبى مع كل فلسفتى، فصديقى سبقنى وامتلأ بالنعمة، وحتى من هم أصغر سنًا منِّى ومن بينهم يوحنا الحبيب الذي سكب الرب عليه نعمته فتغنى وسبح معه بالنعمة الممنوحة لهما فكانا من أكثر من كتبوا ووصفوا وأشاروا لنا عن النعمة...
فتعالوا هنا ومن زاوية واحدة نبحر في معنى النعمة مع الروح:
* النعمة مع روحكم: (غلا 6: 18) و (فل 1: 25) نلاحظ أنه قال: النعمة مع روحكم وليس مع جسدكم فمهما ذاق الجسد من عذاب ومحاربات نجد النعمة تجعل الروح نشطة بهجة فرحة تتمتع بمساندة الروح القدس فيمتلئ القلب حُبًا نحو الجميع ويرتبط مع الكل بوحدانية الروح برباط عائلى سمائى بالمصدر الحقيقى ألا وهو الرب يسوع.
* النعمه التي مع روحنا تسند روح الراعى بروح الرعية لتُكمل كل الأعمال المرضية.
* النعمة مع الروح الإنسانية تُعطى حديث نقى وكتابات عميقة وأعمال فائقة وتصرفات روحية...
* النعمة مع الروح الروحانية تجعل القلب صامتًا متعجبًا دهشًا فرحًا سابحًا في لجة محبته الإلهية!!
التعاليم السامية تحتاج إلى سند سامي، أى بتعاليم العهد الجديد التي من فم ربنا يسوع نحتاج إلى روحه يُذكرنا بكلامه بعدما فتح لنا طريق بره. "ظهرت نعمة الله المخلصه لجميع الناس" (تي 2: 11) إذًا بالنعمة (بالمسيح) نتشبث، وللآب نتضرع، وبالروح القدس نتقوى فيهب لنا الإرادة الصالحة... والإيمان الذي ينقل الجبال... والقوة لتنفيذ الوصية...
بالنعمة: نأخذ معرفة مستمرة... بالنعمة تنسكب فينا كل الهبات... بالنعمة نتمتع بكل الوعود.
* "إحفظ الوديعة... والنعمة معك" (1تي 6: 22) بالنعمة الخاصة التي معك، بالمهمة التي أنت مُكلف بها، بالنعمة أرسلتك فلا تقل إنى ولد... ولا يستهن أحد بحداثتك... كن قويًا... أنت لست وحدك لأنى أنا معك أحفظك وأرشدك ونعمتى تعمل بك...
* بالنعمة التي معك تصبح روحك نشطة مشتعلة مُحبة مسنودة منسكبة أمامه ممتلئة بعطيته...
* بالنعمة التي تسندك تكون طويل البال،
سالك بالروح،
تعمل بالروح،
تُثمر بالروح،
تتمتع بعربون الروح،
تتقدس بالروح، تتبرر بالروح،
تتجدد بالروح،
لك قوة الروح القدس.
حملنا بالإيمان ورفعنا بروحه القدوس وأدخلنا إلى حالة النعمة، وتحولنا من موقف الخاطئ المرفوض المطرود إلى المبرر المحبوب المدعو لحظيرة المسيح، وأصبحنا مقيمين بسر التوبة والإعتراف مستمرين مشتاقين ودائمًا مُسبحين "ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى" (قانون الإيمان) كما ذكر.
قد صار لنا الدخول إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون، ومن شدة محبة بولس لشعبه كتب لهم وهو مقيد يقول أنتم: "شركائى في النعمة" (في 1: 7) لقد رآهم شركاء له في القيود؛ لأنهم راغبون أن يستشهدوا لأجل المسيح فشجعهم على حفظ الإيمان والكرازة، وكأنه يستدفئ بحبهم وهم بنار محبته بالرب قريبين منه... وكأنه يقول لهم: لقد مات وقام المسيح لأجلنا فأصبحنا جميعًا شركاء آلامه وأيضًا لنعيمه، ولكن لكل واحد حسب موهبته.
فيجب علينا أن: "ننمو في النعمة" (2بط 3: 18) التي نحن فيها مقيمون، وكأننا راكبون سيارة صاعدة منحدر عظيم، فإن كُنَّا لا نجاهد كثيرًا للصعود بالنعمة المعطاه لنا بل نحن فيها الآن سنسقط وننحدر وتضيع منَّا النعمة، فالرب معنا والنعمة تحملنا.
* الرب يسوع المسيح مع روحك النعمة معكم (2تي 4: 22) و (أع 5: 41) إذا كانت معك النعمة تطرح الخوف من روحك وتتحرر من همك
* إذا كانت معكم النعمة = معكم الرب نفسه، فتتغنى وتقول: ليس بالقدرة ولا بالقوة بل بروح رب الجنود (زك 4: 6) ويكون سر قوتك هو حضرة الله معك فتتعزى برفقته وبنعمته التي تُعينك بل تختفى في المسيح، وتقول: بالمسيح الذي في (بالمسيح يسوع ربنا الساكن فينا)
* النعمة مع جميعكم (تي 3: 15) و (عب 13: 25) و (رؤ 22: 21) النعمة مع جميعكم: ما أجل هذه الطلبة وما أجمل هذا الدعاء. فالنعمة ترفعنا لرب السماء طالما النعمة مع جميعنا تصحبنا وأولادنا لنكمل أيام جهادنا بمخافة إلهنا وتجعلنا ملتهبين مُشتاقين للقاء ربنا يسوع لنتمتع برؤية مجده مع أبيه الصالح والروح القدس. لهذا بعدما اشتعل يوحنا الرائى، قال بلسان كل كنيسته في ختام سفره: "آمين تعال أيها الرب يسوع. النعمة مع جميعكم" (رؤ 22: 21) لتوصلكم بسلام وتمام.
فنحن جميعًا أخذنا (يو 1: 16) جميعًا أخذنا النعمة أبرارًا أو أشرارًا... سالكين أو منحطين... راغبين أم رافضين... نحن جميعًا مقيمون في النعمة!! إنتبه!! إفهم!!
ونلاحظ هذا في طقس المعمودية، حيث يطلب الكاهن للمعمدين: "إجعلهم مستحقين للنعمة التي تقدم إليهم.. إجعلهم أهلًا لنعمتك العظيمة.." بل في أول رشمة بالميرون يعلن: مسحة نعمة الروح القدس. آمين.
ثُمَّ يُصلى ويقول: إجعلهم مملوئين من نعمتك وقوهم لكي يُكملوا وصاياك و...
ويصرح بإعلان آخر ويقول: يسوع المسيح إبن الله الآب ملأكم قوة ونعمة... تفضل إشركهم في الحياة الأبدية وعدم الموت بالإسم والقوة والنعمة التي لإبنك الوحيد يسوع المسيح ربنا...
عندما نرى مجده نأخذ فيض نعمته... أما الذين لم يقبلوه لم يستطيعوا أن يعاينوه...
* "ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا نعمة فوق نعمة" (يو 1: 16) المسيح فيه سر الملء... ينبوع النعم... فيض الحب. هو مصدر لكل مجارى المياه تتقبل المياه بفرح منه... فكلما يراك عطشانًا يُرسل لك نقطة من محيط عظيم، ويقول لك: إن إرتويت بها أُرسل لك ندى من السماء، وإن عطشت أيضًا أُنزل عليك النعيم كمطر، وإن أسقيت من حولك أفيض عليك كسيل جارف لكي تمتلئ إلى كل ملء الله (أف 3: 19)
بفيض النعمة:
· غيرت طبع الوحوش إلى بساطة الروح.
· بررت الأمميين وغسلت الدنسين...
· إن تمتعت بمحبة الآخرين فهذه هي هبة النعمة في المجاهدين...
· النعمة خلقت من الحجارة أُناسًا ومن الوحوش بشرًا ومن المجاهدين ملائكة...
· بفيض النعمة ننجذب لفداء المسيح وتغرقنا في حبه شاكرين وتُهيئنا لللقاء فرحين.
نعم المسيح لنا لا تُعد ولا تُحصى وليس لها حد ومن أعظم ما أنعم به علينا: روحه القدوس الذي أرسله من عند القدوس ليسكن ويقدس كل النفوس.
وهذا ما دعى بولس الرسول أن يبدأ رسالته لفليمون ويقول: "نعمه لكم وسلام من الله..." وختم رسالته: "نعمة ربنا يسوع المسيح مع روحكم..." ونلاحظ في هذه الرساله الآتى:
* لم يذكر في هذه الرسالة آية تتكلم عن الروح القدس، ولكن في كل سطر منها تجد عذوبة الروح... أو ثمر الروح... شركة الروح... المحبة المسكوبة بالروح..
* تُحسب هذه رسالة رابعة من الرسائل الرعوية التي كتبها بولس وهم (1تي) و (2تي) و (تي) و (فل)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لأنها خاصة لشخص وهو أُنسيموس الذي ذهب إليه في السجن وكان هاربًا من فليمون وتاب على يديه، بل ورسمه شماسًا وكان نافعًا له في الخدمة، واكتشف فيه فيض نعمة الروح القدس وقوة وغيرة، وفيما بعد سيم أسقفًا في بيرية ثُمَّ مات شهيدًا. وعلى الرغم من أنها خاصة بشخص ولكن في طيها لها هدف رعوى بعيد وهو معالجة مشكلة الرق والعبيد بطريقه تدريجية واضحة..
* هذه الرسالة من أقصر خمسة رسائل في الكتاب المقدس. فرسالة فليمون خمس وعشرون آية في إصحاح واحد فقط، وهكذا رسالة يوحنا الثانية ثلاث عشرة آية، ورسالة يوحنا الثالثة خمس عشرة آيه، ورسالة يهوذا خمس وعشرون آية، وسفر عوبديا واحد وعشرون آية. ومع أنها قصيرة جدًا لكنها نافعة جدًا، ثمينة جدًا فمثلًا: فليمون بعد أن آمن على يد بولس الرسول ومكث معه ثلاثة سنوات في أفسس، غمرته بل غيرته نعمة ربنا، وسمع عنه بولس وهو في سجنه وقال: "قد سمعت بمحبتك وإيمانك للرب (فل 1: 5) ولجميع القديسين (فل 1: 6 - 9) بل وصدور القديسين قد إنشرحت بك أيها الأخ (فل 1: 7)
* وأيضًا النعمة التي غيرت أنسيموس، فقال عنه بولس: "الذي ولدته في قيودى" (فل 1: 10) الذي كان قبلًا غير نافع لك، ولكنه الآن نافع لك ولى" (فل 1: 12) الذي هو قلبى (أحشائى) (فل 1: 12) كان بودى أن أحتفظ به لنفسى فيخدمنى بدلًا عنك (فل 1: 13) هو "أخًا محبوبًا" (فل 1: 16) "فأقبله نظيرى" (فأقبله قبولك لي) (فل 1: 17)
هذه هي نعمة الرب، فكل من تمتع بها يعطش إليها فتدخل داخله وتنادى نعمة أخرى.
وكل عمق يدخل بنا إلى أعمق، فتصير أعماقنا هدفًا لفيض لا ينقطع من النعم المتناغمة معًا.
أخى ضع أمامك هذه الكلمات: بمشيئة الرب ونعمته... نصنع أو نفعل هذا أو ذاك
ضع كلمة النعمة على لسانك:
النعمة معك...
النعمة تحرسك...
النعمة ترفعك...
النعمة تزورك...
النعمة تكشف لك...
النعمة تجعلك نافعًا للكنيسة ولشعب المسيح وللقادة والرؤساء...
لو سألنا الله الآب: ما هي أفضل نعمة منحتها لنا؟ لقال: بذلت إبنى الحبيب من أجلكم، والروح القدس المنبثق منِّى يشرق عليكم.
لو سألنا الابن الكلمة: ما هي أفضل النعم التي تركتها لنا لقال: جسدى ودمى حاضرًا كل يوم أمامكم، بل وأرسلت روحى من عند الآب ليسكن فيكم.
لو سألنا الروح القدس: ما هي أفضل نعمة تساعدنا بها؟ لقال لنا: أهب على من يشاء كما أشاء. فقط يا إبنى إرفع عينيك وانتظرنى. فكلما أرى إستعدادك ونقاءك أفتح عينيك على الخلاص بدم المسيح لكي بدمه أُدخلك إلى حضن الآب.
ها أنا مع روحكم... النعمة (المسيح) معكم... الآب بحبه يغمركم
النعمة معكم... النعمة مع روحكم... النعمة معك... آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/spirit-acts/grace.html
تقصير الرابط:
tak.la/34btz9j