ما أكثر أن يَتَهَرَّب الإنسان من الله، ومن مواجهة نفسه بسبب الخطية المُسَيطِرة عليه.. فالبعض يلجأ إلى عدم جلوسه مع نفسه في أيّ وقت وفي أي مكان هادئ، لكي لا يتذكَّر خطاياه، ويشغل نفسه في أمور كثيرة جدًا من أجل عدم المواجهة. فالطبيعي عندما يهدأ الإنسان ويصفو الذهن تظهر العيوب والخطايا طافية على الوَجه.. مثل الذهب عندما يُمَحَّص في النار الشديدة، تطفو الشوائب على السطح، فيقوم الصَّانِع الماهِر بالتقاط هذه الشوائب، ويستمر في هذه العملية مِرارًا وتِكرارًا إلى أن يصفي الذهب جيدًا، فيرى وجهه واضِحًا بجميع ملامِحه في سطح هذا الذهب. وهذه هي العلامة القوية لنقاء الذهب. هكذا الإنسان حينما يجلس مع نفسه ويهدأ تظهر العيوب والخطايا التي يقع فيها مِرارًا وتِكرارًا.
ويأتي دور الروح القدس الذي يُبَكِّت على خطية: "وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ" (إنجيل يوحنا 16: 8)، ويقول له: "لماذا تقع في ذلك باستمرار؟ هل من وقت تَفيق فيه لكل هذه الأخطاء والخطايا، وتقوم الآن وتذهب إلى أبيك الروحي، وتقدِّم له توبة؟" هنا، ويفترق البشر إلى فريقين في اتخاذ القرار و في رَد فِعل هذا الكلام..
1- فالبعض يفحص نفسه جيدًا بالفِعل، ويضع يده على خطاياه ويُقّدِّم توبة أمام الله، ويذهب بعدها ليقر بها أمام الأب الكاهِن لينال الحِل والمغفرة، ولكي ينجح في حياته: "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ" (سفر الأمثال 28: 13).
2- أما النوع الثاني، وهو الأخطر: هم مَنْ يهربون من مواجهة أنفسهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فعندما يهدأون ويجدون الفِكر بدأ في استعراض الأخطاء والخطايا، ويأتي الضمير والروح القدس لِيُبَكِّت الإنسان، يقومون بسرعة مسرعين إلى عمل أي شيء ينشغلون به -ينشغلون بالذهن والجِسم والوقت- لكي يضيعوا الوقت، ولا يأتي على فِكرهم مرة أخرى فِكر التوبة أو محاسبة النفس. وبالتالي يقعون في الهروب من المواجهة الشخصية، والمواجهة مع الله..
* وبفِعل الخطية وتِكرارها يقع الإنسان في فِكر أخطر؛ وهو الهروب من مواجهة المجتمع والأشخاص. فالخطية تعبر عن الظلام الذي يحيا فيه الإنسان، ومَنْ تسيطر عليه الخطية ويعشقها ويتلذَّذ بها تراه يسلك في الظلام، فلجهله بخطورة ما هو فيه تراه يسلك في الظلام: "اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ" (سفر الجامعة 2: 14)، "الْحَكِيمُ يَتَحَذَّرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي أَيَّامِ الْخَطَايَا يَحْتَرِزُ مِنَ الْهَفَوَاتِ" (سفر يشوع بن سيراخ 18: 27)..
هذا الهروب الشخصي نراه واضِحًا جدًا في المرأة السامرية التي سلكت حياة الخطية بشهوة وبكثرة، والدليل على ذلك أنه كان لها خمسة أزواج، والذي كان معها حينما تقابَلت مع المخلص كان ليس زوجها. فيعني ذلك أنها سلكت حياتها متمتعة بالخطية مع ستة أشخاص.. سلكت في الظلام لأنها لا تريد أن ترى النور، فالنور يكشف كل شيء.. يرى الإنسان فيه الطريق السليم الذي يسلك فيه، ويرى عمل الله معه ومع الخليقة فيمجده عليها. ولكن الظُلمة تعمي العينين، ويحوِّل الشيطان النظر إلى الخطية فقط، ويلغي الفِكر، ويثبِّت فيه الدنس الذي يلوثه، فيرى الإنسان أن كل حياته أخطاء وخطايا مدمرة لنفسه وللآخرين، فيهرب من مواجهة المجتمع.. نراها تذهب في الساعة الثانية عشر من ظهر اليوم لتملأ الماء، في الوقت الذي لا يوجد فيه أحد، لكي لا تتقابَل مع أي نور يكشِف لها الظُلمة الداخلية.
* ولكن مع كل ذلك، يذهب إليها النور الحقيقي، وكأنه يفيقها ويقول لها: "إلى أين تهربين وأنا الذي أسعى نحو الخطاة، أريد خلاص كل البشرية".
"الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 4).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/sin.html
تقصير الرابط:
tak.la/g3yb3v7